موازنة 2023 ، إدِّعاء الرُشد بأثر رجعي ؟



في رحم الأزمات ( إن يشأ يُذهبكم أيُّها الناس ويأت بآخرين) 133 النساء صدق الله العظيم. إن تقييم السياسات الإقتصادية السابقة مقترحاً للحلول الإنقاذية ، من منعك من المراجعة؟ ما نحتاجه ليست عبقريَّة المنقذ ، بل عبقرية خطة إنقاذية للنهوض في الإقتصاد الوطني ، فإن رأس جلالة الملك غير مستريح جرَّاء تكرار طلبه لهذه الخطة .

فكِّروا كثيراً أيها الناس ، بعد الإستماع لخطاب موازنة 2023 ، لم أجد أفضل وصف له ، كونه إدِّعاء الرُشد والحكمة بأثر رجعي؟ طالما توصيف غالبية النواب بأنها نسخة مكررة عن الأعوام السابقة ، كيف لنا أن نُقدِّم قراءة موضوعية في غياب الإفصاح عن تقرير تنفيذ الموازنة لعام 2022 وكذلك الحساب الختامي العام والوحدات الحكومية لعام 2022 ؟ وكذلك عدم الإفصاح عن تقرير الدَّين الفعلي للعام الماضي وماهية إستراتيجية إدارة الدَّين نرجو الإفادة أن هناك تصحيح ، أيضاً لماذا لم تُقدِّم موازنة تمويلية مجمعة عامة لكل من الموازنة العامة موازنات الوحدات الحكومية للسنة المالية 2023 وشركة الكهرباء والماء والمؤسسات الحكومية والإلتزامات المستحقة على جميع مؤسسات الدولة للقطاع الخاص والمستوردات من الخارج إن وُجدت ، لتكون الصورة الجامعة الشاملة وكذلك الخيارات الممكنة وخطط الإستجابة للمديونية العامة للدولة الأردنية .
لماذا وكيف وصلنا إلى هنا؟

الأزمة الإقتصادية في جوهرها، أزمة تفكير وغياب التخطيط وحكومات مُنبثقة يُظلِّلها خلل بُنيوي من تركيبة فريق إقتصادي ومالي ، مما حال دون صنع سياسات مالية وإقتصادية منصفة وعقلانية، وسمح بإنتشار ثقافة الفساد والهدر ، وقد عاشت البلاد. وبعد مرور عقود على إعتماد هذا النموذج الإقتصادي والمالي الذي ثبت فشله بإقرار وإعتراف جميع مكونات السلطات التنفيذية والتشريعية ، كانت النتيجة إقتصاداً إستمرار إرتفاع مستويات المديونية والفقر والبطالة الى حالات تفجيرية تحت مظلة تفشِّي سوء الإدارة، وقطاع الأموال والبنوك والتأمين منتفع مستفيد في كل الأحوال والظروف .
أليست السياسات التي تم تنفيذها هي من وضع هذا الواقع حال البلاد والعباد في مهب أزمات إقتصادية ومالية وإجتماعية وإنعكاساتها السياسية ، نعم إنها أزمات متزامنة ومتكررة ومتضاعفة الأخطار وأصبحت حالتها (مرض مزمن) ، أزمة في ميزان المدفوعات. نتوقَّع أن تصل الفجوة بين الإيرادات والنفقات في حال عدم ردم هذه الفجوة الى حالة الفشل المالي ، نُقِر جميعاً أن الإقتصاد يواجه صعوبة في سداد الدَّين الخارجي وخدمة الدَّين المتزايد وكذلك عجز الميزان التجاري وإرتفاع كبير في أسعار السلع المستوردة؛ وتراجعاً في النشاط الإقتصادي وصولاً الى حالة إنكماش إقتصادي متزامن مع إرتفاع مستويات التضخُّم الحقيقية . لا يمكننا تجاهل الأزمة في المالية العامة مع إستمرار إرتفاع العجز بدأت الإيرادات الحكومية شكلياً بإرتفاع حيث تتم المقارنة مع حجم نشاط إقتصادي وتجاري كان متوقِّف ومتباطئ ما بعد جائحة كورونا والقلاقل الإقليمية والدولية ، حالياً طالما معدلات النمو في الناتج المحلي دون 7 % ، الوصف الصحيح أن الإقتصاد تحت وطأة الرُكود والتضخُّم وأصبحت ظاهرة الأزمة أكثر عمقاً أفقياً وعمودية ومزمنة . كما يتراجع الإنفاق المعدّل الحقيقي (أي الإنفاق المحسوب بعد التضخُّم ، ونتوقّع أن تكون البلاد أمام عجز مالي . وفي ظل الوضع الراهن سيصعب تمويل هذا العجز وتسديد الدَّين العام الداخلي والخارجي.

الغائب الأكبر الإجراءات المالية المطلوبة من الحكومة تنفيذها للمحافظة على مستوى الدَّين العام وِفق برنامجها المُعلن . كما لابد من إعداد خطط ربعية لشركة الكهرباء وسلطة المياه والطاقة والمؤسسات المستقلة وآلية المحاسبة الحكومية ومراقبة أعمالها التي تهدف الى تحقيق التوازن المالي والإنتقال الى تحقيق أرباح . كما أن آلية عمل إدارة الإستثمارات الحكومية تحتاج الى خطة عمل حذرة وآمنة بشكل يحدِّد أولويات المشاريع الإستثمارية والرأسمالية الحكومية مع ضوابط آلية تنفيذها وصرامة المسائلة والمحاسبة للمقصرين دون محاباة أو مجاملة . يجب أن يكون هناك خط عريض فاصل وواضح للمواطن الأردني ، يمنع أي لبس بين مستقبل وأداء الحكومة ومسؤوليتها من جهة والوطن والدولة من جهة أخرى .... النظام والوطن الأبقى. والله من وراء القصد .