الشهيد أحمد أبو جنيد.. الصحفي الذي آثر البندقية على الكاميرا

عام واحد فقط كان يفصل أحمد أبو جنيد عن تخرجه من الجامعة ونيل شهادة الصحافة ليلتحق بزملائه الصحفيين، لكنه آثر حمل البندقية بدلا من الكاميرا لينال بها أرفع الشهادات.

واستشهد أبو جنيد (21 عاما) بعد ساعات من إصابته الحرجة باشتباك مسلح مع قوات إسرائيلية خاصة اقتحمت مخيم بلاطة شرقي نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة، فجر يوم الحادي عشر من كانون الثاني/يناير الجاري.

وفي طريقه من مستشفى رفيديا محمولا على أكتاف المحبين، توقف موكب التشييع طويلا في مخيم عين بيت الماء غربي المدينة، ثم في ميدان الشهداء وسط المدينة وكذلك في البلدة القديمة قبل أن يواصل المسير إلى مسقط رأسه مخيم بلاطة.

ولم يكن هذا المسار الطويل عبثا بل رسمه هو برصاصه وأوصى به رفاق السلاح، فكلها محطات توقف بها أبو جنيد حيّا واشتبك فيها مع الاحتلال وسطّر صفحات مشرقة من مقاومة الشعب الفلسطيني.

وفي إحدى تلك المحطات، أصيب بجراح خطيرة خلال اشتباك مع قوات الاحتلال داخل البلدة القديمة بنابلس لفك الحصار عن مجموعة من المقاومين.

عريس في الجنة

والدة أحمد التي خرجت في جنازته وأبدت قدرا كبيرا من الصبر والجلد، لم تخف ألمها لفراقه.

وتقول لوكالة "صفا": "الحمد لله الذي أكرمني باستشهاد أحمد، الحمد لله أنه استشهد وهو يقاوم ويدافع عن أرضه.. استشهد وهو حامل البارودة".

وتكشف روايات ذويه وأصدقائه جانبا من حياة أحمد الذي كان يتمنى الشهادة ويعمل لها بجد حتى نالها بجدارة.

وتضيف والدته "أحمد ما كان بده يتزوج، قلت له بدي أزوجك، قال لي لا أريد أن أتزوج.. أريد الشهادة".

وتتحدث عن ألمها بفراقه "قلبي يتقطع على فراقه.. كان يريد الشهادة وأنا حاولت أن أمنعه لكني لم أقدر".

وتروي كيف كان يتحايل عليها لكي يشارك بالتصدي للاحتلال متجنبا إثارة مخاوفها عليه.

وتوضح "عندما كنت أعلم بوقوع اشتباكات مع الاحتلال في المخيم كنت اتصل به مكالمة فيديو، فيطمئنني أنه يجلس مع أصحابه وما أن ينهي المحادثة حتى يذهب ليقاوم مع الشباب".

وفي يوم استشهاده، كان من المفترض أن يتوجه أحمد لمستشفى رفيديا لإجراء صورة طبقية ضمن رحلة علاجه من إصابته السابقة، لكنه وصل إلى المستشفى قبل ساعات من موعده محمولا على نقالة الجرحى.

وتستذكر والدته الساعات الأخيرة التي عاشها، مبينة أنها في ليلته الأخيرة طلبت منه الامتناع عن الطعام صباحا لإجراء الصورة الطبقية.

وتذكر "طلب مني أن احتفظ له ببعض اللبا الذي أهداه إياه أحد أصحابه وقال لي أنه سيعود ليأكل منه بعد عودته من المستشفى".

وتابعت حديثها وهي تحبس أنفاسها: "راح أحمد ولم يرجع ولم أره بعدها.. استشهد ولم يتذوقه".

عامر أبو جنيد والد الشهيد أحمد قال والدموع تملأ عينيه: "طلب الشهادة ونالها، عاش حياته شريفا طاهرا ومات كذلك".

ويضيف لوكالة "صفا": "أحمد إنسان طيب وخلوق وكان يقضي حوائجه بالكتمان ولا يحب أن يطلع أحدا على مقاومته ونضاله حتى أنا أبوه ما كنت أعرف عن مقاومته شيئا".

ويبين أن ابنه كان يطلب من أي شخص علم عن مقاومته شيئا أن لا يحدث به أحدا حتى يكون عمله خالصا لوجه الله.

مشروع شهيد

كان أحمد مقبلا على تحصيله الدراسي مهتما بتطوير قدراته في مجال الصحافة، وكان زملاء الدراسة يرون فيه مشروع صحفي واعد، لكنه مع ذلك كان يرى في نفسه مشروع شهيد وكان عمله المقاوم يحتل الأولوية على أي اهتمامات أخرى.

وفي الشهور الأخيرة بدأت تتكشف جوانب مقاومته خاصة مع إصابته في الاشتباكات، ثم عاش حياة المطاردة وانقطع عن الدراسة.

وكثيرا ما كان يتغيب عن المحاضرات وجلسات الامتحانات، الأمر الذي كان يثير التساؤلات بين زملاء الدراسة الذين كانوا يجهلون السبب.

وكان يحدث بعض أصحابه عن رغبته بالشهادة ويقول لهم: دمي من أجل فلسطين، ويطلب منهم أن لا يحزنوا عليه، وقد حاولوا ثنيه لكنه كان قد حسم أمره واختار طريقه الذي لا رجعة عنه.

كما كان يرى أنه يجب أن يكون في مقدمة المدافعين عنه مخيم بلاطة في وجه أي اقتحام إسرائيلي.

وتقول شقيقته أماني لوكالة "صفا": "أحمد عاش حياته بطريقة تناسب نهايته كشهيد وتليق بكونه شهيد يمشي على الأرض".

وتشير إلى أنه كانت تربطه صداقات خاصة وكان كل واحد منهم يشعر أنه صديقه الوحيد، وكان يُشعِر الجميع بأنه سند وقوة له.

وتضيف "كان يجيد التواصل مع الناس ويترك أثرا طيبا في كل مكان وفي قلب كل إنسان عرفه".