اغلاق جلسة عزل النائب الفايز امام الاعلام يلخص المشهد ويكشف المستور



أحمد الحراسيس -

صحيح أن النائب السابق محمد عناد الفايز يشعر بفخر وسعادة بالغة جعلته يحدد موعدا لاستقبال المهنئين بقرار مجلس النواب المتضمن انهاء عضويته في المجلس التاسع عشر، وصحيح أن الرجل اجتهد لتحقيق ذلك الهدف عبر تقديمه استقالةٍ تبعها تجميدٌ للقرار تحت ضغط الأهل والعشيرة ووجهاء قبيلة بني صخر، إلا أن هذا لا يمكن أن يجعلنا نقبل بنهج المجلس وأعضائه الذين باتوا يستسهلون سلب زملائهم حقّهم بالتعبير عن آرائهم، بالإضافة إلى سلب القواعد الشعبية حقّها في وجود ممثّل يعبّر عن رأيها في السلطة التشريعية والرقابية التي تعدّ الركن الأهمّ في الحكم حسب الدستور.

قد لا يتفق كثير من الأردنيين مع مضمون الرسالة التي بعث بها الفايز إلى وليّ عهد المملكة العربية السعودية وطلب فيها وقف تقديم المساعدات للأردن باعتبار تلك المساعدات والأموال لا تصل الناس ولا يستفيد منها الأردنيون، لكنّ موقفهم من الرسالة يفترض أن ينتهي عند شجبها وتفنيدها والتعبير عن رفضهم لها، وأما محاولة شيطنة الرجل وسلب حريّته في التعبير ومنعه من اتخاذ موقف سياسي، فهذا ليس من الديمقراطية في شيء.

الأصل بمجلس النواب أنه بيت الديمقراطية ومظلّة الحقوق والحريّات، والمكان الذي يفترض أن يدافع عن هذه القيم، لكن الواقع يؤكد أنه بات يضيق ذرعا بكلّ من يحاول ممارسة حقّه في التعبير أو واجبه في الرقابة والتشريع، وصار بعض النواب من أصحاب الرأي مقيدين من قبل زملائهم الأعضاء، ولنا في مداخلة النائب صالح العرموطي التي تساءل فيها تحت قبة البرلمان عن "استثناء الملك من الضرائب" أنموذج، إذ سارع النواب للتصويت على شطب العبارة من محضر الجلسة فيما استهجن أحدهم حديث العرموطي بالقول "إيه.. شو السواليف هاي".

صحيح أن "اجراء اغلاق الجلسات التي يُفصل بها نواب" أمر متكرر، لكنه في الواقع يلخّص المشهد كاملا؛ هنالك قرار غير مقنع جرى التوافق عليه ويُراد تمريره دون جلبة أو كلفة أو ضغط لا على الدولة ولا على النواب، وإلا فما هو مصدر القلق من أن تكون الجلسة علنية؟! ولماذا لا يتحمّل كلّ نائب مسؤولية الموقف الذي اتخذه؟!

ما رشح من جلسة النواب المغلقة والتي اتخذ فيها البرلمان قرار انهاء عضوية الفايز، أشار إلى أن الاجتماع بدأ بتلاوة قرار اللجنة القانونية المتعلق بالنائب، وتوصية اللجنة بفصله من المجلس، فيما انحصرت دوافع التوصية بثلاثة بنود "الرسالة إلى ولي عهد السعودية، الغياب عن الجلسات والاجتماعات منذ عام وتقاضي مخصصاته كاملة عن تلك الفترة، واطلاق عبارات انطوت على ذمّ مجلس النواب واتهامه بأنه مسيّر ومسلوب الارادة".

ولم يُمنح النواب أي فرصة لمناقشة قرار وتوصية اللجنة القانونية، بالرغم من وجود آراء قانونية ومنطقية، تقول إن النائب لم يرتكب جرما يستوجب الفصل بقدر ما ارتكب مخالفات، أما الحديث عن الغياب وخصم المخصصات فهذا كان يجب أن يُساءل المكتب الدائم عنه لكون النظام الداخلي يُلزم المكتب الدائم باتخاذ اجراءات بحقّ العضو المتغيّب دون عذر ومنها الحسم من المخصصات المالية للجلسات، فهذه إدانة للمكتب الدائم في الدورة الحالية والسابقة أكثر من كونها إدانة للنائب نفسه..

النائب الفايز، وحتّى بعد قرار المجلس بعزله، نجح بتوجيه رسائل سياسية بليغة، تماما كما كانت بلاغة الاستقالة، فالرجل أعلن استقبال المواطنين ممن يرغبون بتهنئته على النجاح بتحقيق رغبته بالاستقالة لرفضه المشاركة فيما سيأتي من قرارات وخيبات "ستصيب الوطن والمواطن في مقتل"، بالاضافة إلى رفضه أن يكون عضوا في المجلس في ظلّ الرئاسة الجديدة للنواب على حدّ ما شرح لدى استقالته من المجلس سابقا.

الحقيقة أننا اليوم بتنا أمام سؤال كبير عن ضمانات ممارسة النائب حقّه في التعبير وواجبه في الرقابة والتشريع، فمن غير المعقول أن يتمّ اتخاذ اجراء بحقّ نائب عبّر عن موقف سياسي بهذا الشكل، ومن غير المعقول أن يصبح النائب قادرا على التعبير عن رأيه خارج القبة أكثر منه تحت القبة خشية ردّة فعل زملائه ورئاسة المجلس!