الاعلام قِبلة السلطات وليس اخرهم...
كم كنت أنتظرُ ضياء الشمس قبل بزوغها ، كل يوم لأطرب على صوت المذيع وهو يقول: عند تمام الساعة الثانية عشر فجرا هنا عمّان اذاعة المملكة الاردنية الهاشمية...
مقدما برنامج ( صحافتنا قبل الطبع) كان للكلمات وقع كبير ، يغرد به صوت الفجر الحالم بغدٍ اجمل للوطن واهله..
كان البرنامج بمثابة المفتاح الخارجي للبث الاذاعي ، والباب الصادق للدعاء بالأمل والبناء والإنجاز بعد ذكر الله وتوفيقه ،
من هناك كان يعلو صوت الأثير فينقل الخبر بين اروقة صحفنا الأردنية بكل فرح وسرور .
اليوم وأنا أجلس واتذكر هذه الأيام يأخذني الزمن الى ربعُ قرنٍ مضى من العمر ، ولكن سرعان ما يعيدني الواقع الى ما نحن عليه اليوم إعلاميا وسياسيا واقتصاديا...
في مقالي هذا لن أتحدث عن معاناة الصحف الورقية وما آلت اليه أمورها ؛ فالحديث يطول ولا يخفى على أحد ، هذه الصحف التي كانت وما زالت وستبقى العين الساهرة على الوطن وأهله ، الناقلة للحقيقة بعين الصدق لا عين البطولات الكرتونية..
صحف ولدت لتكون شاهد على إنجازات الوطن ، وحاملة لقضايا المواطنين وهمومهم ، وارشيف صادق يكبر كلما كبر الوطن ويبقى الى أن يرث الله الارض ومن عليها مطواعًا صادقا مهما تغيرت الاحوال وتبدلت الظروف ..
اليوم أكتب ولكي لا يسجل انحيازي الى الاعلام الورقي فأنا ابن الاعلام الوطني الصادق الغيور وخادمه بكل ما فيه..
أكتب بصفتي الوطنية كصاحب قلم حالم بوطن يستحق منا الكثير ،
أكتب بعيدا عن كوني عضو مجلس ادارة منحاز لصحيفتي الدستور دون غيرها ، فما أنا الا مُسْتَطْرَف فيها وحديث عهد ..
سأكتب لأن حرب القلم أصبح أشد ألمًا من حرب المدافع والطائرات...
أكتب كما كتب غيري عن الدستور وشقيقاتها ورقيا وإلكترونيا رغم تميزها عن غيرها منذ عام بقصة تحدي وإنجاز من أجل البقاء، فأَطَّتِ بالحمل لوحدها ، وحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ لتخرج من هذا المنحنى الكبير الذي التف حول واقعنا الاعلامي الأليم..
.
أكتب بفرح لما تحقق لها من إنجازات خلال العام الماضي بفضل الله والغيورين على صحيفتهم ، واكسر حاجز الصمت الذي يتستر خلفه الكثيرين ،
أكتب فانحيازي وُلِد فطريا للإعلام منذ صغري وعندها فهمت كيف له أن يكون راعي السلطات لا رابعهم ..
أكتب فما زلت أذكر ذلك الصوت الهادر المفعم بالحياة والأمل المعذب لقلوب أبناء صهيون وهو يصدح (بسلامي لكم يا أهل الأرض المحتلة يا منزرعين بمنازلكم قلبي معكم و سلامي لكم)، صوت كوثر النشاشيبي عليها رحمة الله في برنامجها الأكبر والاوسع انتشارا (رسائل شوق) والذي كان يمثل جسر التواصل بين الأهل في الضفة الغربية والشرقية لا بل والعالم أجمع..
أكتب ففي ذلك الوقت كنا صغارا نسأل : أين هي الأرض المحتلة ؟! ومن احتلها ولماذا ؟! ، فيأتي صوتها من بعيد، شجيا يعلو حينا ، ويخفت حينا اخر ، يخفف الألم والفراق والبعد بين ابناء الضفتين ، ويعلن أن فلسطين كانت وما زالت وستبقى في وجدان كل أردني وعربي غيور وان رسائلكم لن تموت حتى وان غاب ساعي البريد عن ايصالها ومهما حاول المحتل أن يمزقها...
أكتب عن الإعلام والفن والدراما فمن منا لم يعشعش بقلبه ضحكات موسى حجازين ، سُمعة. ومقالب المرحوم حسن ابراهيم ، مرزوق ،وعليوه ، والعم غافل وغيرهم ..
من منا لم يتابع بطولات روحي الصفدي ، و جولييت عواد وغيرهم سادة الفن الأصيل ...
أكتب وسأكتب عن زمن التميز والإبداع فرغم شح الامكانيات وقوة المنافسة كان لنا كيان اعلامي واذاعي وبرامجي نحترم به أمام الخلان ، ونحارب فيه الشيطان ومن لف لفه ، فكانت المسلسلات الأردنية والخبرات المحلية الإعلامية تجوب الشاشات بكل فخر واعتزاز .. وكان الأردني محط جزب اهتمام من الجميع ..
أكتب لأننا كنا مدرسة بكل ما شي وكانت لنا اليد العليا في بناء المحطات العربية الفضائية وما الجزيرة والعربية وسكاي نيوز و بي بي سي وغيرها عنا ببيعد !!!
أكتب وسأكتب فلنا وطن يستحق الأفضل وما هي الا رسالة من فوق الماء أرسلها الى من يهمه الأمر مفادها : الاعلام بكل أنواعه عنوان لكل نجاح وهو السلاح الذي يدافع به عن الوطن فلا تتركوه وحيدا فينكشف ظهر الوطن لكل طامع وحقود...