سكة حديد العقبة – عمان




تخيل أنك تخطط لقضاء عطلة نهاية الأسبوع ليوم واحد في شواطئ مدينة العقبة، وتريد العودة إلى منزلك في عمان مساء.. حتما ستفكر ألف مرة قبل تحمل عناء السفر برا على طريق طويل وخطر لأربع ساعات.

ربما يتحقق الحلم قريبا، وتعيش هذه التجربة السياحية الفريدة مع تدشين سكة حديد تربط العقبة بعمان والعكس بعد إعلان وزارة النقل عن الانتهاء من إعداد خطة عمل المشروع واستملاكها ما يقارب 70% من الأراضي المزمع إقامة السكة عليها بقيمة 261 مليون دينار، فيما تبقى 18 مليون دينار معاملات جاهزة للصرف.

هذه المعلومات دفعتني للغوص في تفاصيل الاستراتيجية الوطنية للنقل في الأردن والتي تمتد حتى 2027 وما تحمله من أهداف طموحة للارتقاء بمستوى النقل، رغم ما تضم في ثناياها من عبارات إنشائية تدغدغ المشاعر حول تطور مسيرة النقل.

بصراحة.. الحديث عن منظومة النقل في الأردن ذو شجون، ويدخلنا في إطار أشمل ويدفعنا للتساؤل عن مدى تطور البنية التحتية واستجابتها لمتطلبات الأفراد وحتى أصحاب المشاريع والمستثمرين على اختلاف أنشطتهم؟!

أتذكر عندما كنا أطفالا نشاهد إعلان حول الناقل الجوي لبلادنا.."عالية تجعل من الحلم حقيقة"، وأتذكر أيضا الرحلة المدرسية اليتيمة التي قمنا بها من ماركا إلى المحطة عبر القطار الحجازي، والفرحة التي إنتابتني لركوب ذلك القطار الخطر بصوته المزعج ، لكني عدت إلى البيت سعيدا وتخيلت أني كنت في رحلة إلى الفضاء وعدت .

لك أن تتخيل كمتابع، أننا تخطينا المئوية الأولى من عمر الدولة ولا يوجد لدينا شبكة قطارات تربط مدن المملكة أو حتى مترو داخل العاصمة، وأن منظومة النقل لدينا لا تلبي سوى 18 إلى 20 % من احتياجات السكان للنقل ، وأن المشكلة الكبرى في قطاع النقل العام في الأردن هي سيطرة الملكية الفردية على أكثر من 80 % من خطوط النقل مع إعطاء الدولة جوائز ترضية لبعض المستثمرين ومنحهم تصاريح خطوط نقل عام بعيدا عن اشراف الدولة وتوفيرها للنقل العام من ميزانيتها الخاصة.

ربما حلمنا بإقامة شبكة السكك الحديدية سيتحقق مع دخول استثمارات جديدة عربية إلى القطاع ، لكن العالم يتقدم بسرعة مذهلة وبدأ يستخدم قطارات تعادل سرعة الصوت عبر "الهايبرلوب" وهو مشروع أبعد من القطارات السريعة وعبارة عن أنبوب من الصلب تنطلق فيه كبسولات الركاب بسرعة فائقة جدا تصل المدن ببعضها في دقائق معدودة جدا.

بالعودة إلى الاستراتيجية الوطنية للنقل ، فقد حددت ملامح سكة الحديد الوطنية الاردنية في ثلاثة أجزاء ، الأول خط شمالي - جنوبي من الحدود السورية إلى ميناء العقبة عبر مدينة عمان بطول 509 كيلومترات، بما في ذلك الربط بأكبر منجم فوسفات في المنطقة "منجم الشيدية" ثم إلى الميناء الجنوبي في العقبة.

والجزء الثاني بوصلة الزرقاء - العراق وهو عبارة عن قطار يصل من مدينة الزرقاء إلى الحدود العراقية بطول 290 كيلومتر.

والجزء الثالث قطار يرتبط مع السعودية بطول 91 كيلومتر التي تكمل الجسر بين المملكة والسعودية وسوريا مما يشكل عنصرا مهما في ممر نقل السكك الحديدية بين دول الخليج وأوروبا.

مشروع خط العقبة - عمان والذي يصل إلى المدينة الإدارية في الماضونة وربما مطار الملكة علياء لاحقا سيكون بتمويل مشترك يجمع بين الأردن والسعودية عبر صندوق استثماري ، تمتلك السعودية 90% من رأس ماله و10% تمتلكه بنوك أردنية. وتصل التكلفة الاجمالية للمشروع قرابة 3 مليارات دينار.

الخلاصة: علينا أن نسابق الزمن في تحسين البنية التحتية للنقل في الأردن والتي تدهورت بشكل كبير في السنوات الأخيرة، وذلك عبر جذب استثمارات نوعية إلى هذا القطاع الهام، وربط مشروع السكك الحديدية بالمناطق اللوجستية المزمع إقامتها في البلاد ، والجدوى الاقتصادية لذلك تتعدى المكاسب المادية، وذلك بتوفير مناخ استثماري جاذب لأصحاب الاعمال من المملكة وخارجها ، فضلا عن الأهداف المتمثلة في تحويل الأردن إلى منطقة استقطاب تجارية وصناعية وسياحية إقليمية.