الإسراء: رحلة من وحشة الأرض إلى أُنس السماء
ما بين خلافة الأرض وعمارتها والرحيل عن ظهرها إلى باطنها ، وبين الخلود في السماء،تلاشى الزمن، وتعطلت اسباب المنطق وذابت حسابات المخلوق في بوتقة إرادة الله تعالى الخالق والمبدع ، وأصبحت القصة تروى عبر أزمنةٍ شتى بين غلافي الكاف والنون لما أراده قيوم السماوات والأرض وما بينهما، رحلة النور لنبي النور وحامل رسالة النور، والنور هبة الله لعباده ليطرد دياجير الظلام لا لأن يحرق أنامل وأسماع وابصار الظامئين لسناه الأبدي.
عندما استحكمت حلقات ظلام الأرض في محاولات الشر البائسة ، وعندما تحالفت الرجال والرمال وصارت الرمضاء جمراً يحرق يباس الأرض وخضراءها ، وعندما تنكبت القبيلة الولود بصدق دعوة فتاها، وقلب دعاة الموت والشر واليباب ظهر المجن لصفوة قريشٍ وخيرة أرض الله، وتكالبت عليه فيالق الأحزان وكتائب الكيد والضلال، أخذ وحي الله بيده الشريفة، وجسده المطهر وروحه النبوية إلى ما يقف عنده حد الوصف وتعجز في محاريب ذكره معاجم الكلام وفنون النثر ومفاتن الشعر المسجوع.
توالت المعجزات ، وتعاقبت دلائل الرفعة وسمو الشأن والاصطفاء، كرامة الإسراء والمعراج ليست رقماً على رزنامة الزمن وإثباتٌ بأن المناسبات كالكرة الارضية تدور ،لتتبدل الأعوام في جمود الذكرى عند محدودية التبصر والبصيرة والاتعاظ، بقدر ما هي بشرى لبؤس الأرض بأفول الشر وزوال الباطل وتهيئة الإنسان وأرضه وقيمه لكتابة التاريخ بماء الذهب ، وطلاء جدران العبودية والظلم والخوف ببياض المعنى وصفاء التطبيق ، والإسراء والمعراج فاصلة في مراد الله تعالى بأن صولة الحق إن جالت ، تردى الباطل إلى حيث ألقت.
نمرها العابرون منها دون اعتبار، ونعيشها العائشون فيها دون حياةٍ لجوهر ما فرض الله في تلك الليلة الزهراء لنصرة وتأييد ابا الزهراء صلى الله عليه وسلم ، ونكتبها ونحن الكاتبون أقوالنا بأفعال التناقض ومفارقة الجوهر للمظهر.
في الإسراء والمعراج ربطٌ بين ما قدس الله من بقع الأرض الطهور ومحاريبها وبين تعاليم السماء ، في الإسراء والمعراج رسالة الوسطية عندما تغلو الأرض والحياة بمن غرتهم الدنيا بكل دناءاتها، في الإسراء والمعراج حقائقٌ ادركنا بعضٌ من مرادها وحقائق ستدركنا وما أحطنا بإدراكها علماً وعلامة.