لماذا نجحت الأفلام القصيرة في البقاء رغم عزوف الجمهور عنها؟ ولماذا يحبها كبار المخرجين؟

جاء ظهور الفيلم القصير مع ميلاد الفن السابع في تسعينيات القرن الـ19، ورغم تغير صناعة السينما بشكل تام منذ ذلك الوقت، فإنه ما زال يحتفظ بمكانة كبيرة لدى مخرجي السينما، إذ يصعب أن تجد واحدا من المخرجين في العالم لم يقدم عددا من الأفلام القصيرة خلال مشواره، وخاصة في البداية.

وتخصص المهرجانات والجوائز الكبرى مثل الأوسكار فئات للفيلم القصير وتمنح جوائز قيمة للأعمال التي تحظى بإعجاب لجان التحكيم.

 

ولعل العشق الخاص الذي يحمله المخرجون للفيلم القصير هو السبب الرئيسي في بقاء هذا النوع من الفن، خاصة في ظل الإقبال الجماهيري الضعيف عليه.

لماذا يحب المخرجون الأفلام القصيرة؟

لا يتطلب إنتاج الفيلم القصير ميزانية مليونية كتلك التي يحتاجها الفيلم الطويل، وهو ما يجعل إنتاجه أيسر قليلا، خاصة بالنسبة لمخرج في بداية حياته يسعى إلى عرض كفاءاته ومواهبه على سوق السينما والعاملين فيه.

ويتيح الفيلم القصير مساحة أكبر من الحرية، نظرا لعدم مشاركة مؤسسة مانحة كبرى تمول العمل وحدها وتسيطر على محتواه، كما تلزم المخرج بمواعيد محددة للانتهاء منه، وبالتالي يصبح الفنان حرا تماما فيما يقدمه ومتى يقدمه.

لماذا لا يُقبل الجمهور على الأفلام القصيرة؟

رغم أهمية الأفلام القصيرة وكونها محطات رئيسية في مسيرة مخرجين كبار مثل كريستوفر نولان وديفيد لينش، فإن الجمهور لا يذكر الأفلام القصيرة وغالبا ما تبقى في الظل، لأن الجمهور يبحث عن قصة طويلة يستمتع بها وتتكشف على مدار أكثر من ساعة، ولأن رواد السينما يضطرون للانتقال إلى دور السينما ودفع مقابل، فإنهم يريدون الحصول على أقصى استفادة مقابل أموالهم.

والأفلام القصيرة بحاجة إلى دعم وتعريف بها ليدرك الجمهور أنها تحقق قدرا كبيرا من المتعة رغم قصرها، حيث تشكل وسيطا يتناسب مع المشاهد التفصيلية والتجارب البصرية، وهي تعتبر مساحة للأصوات التي غالبا ما يتم إخمادها في عالم الأفلام الطويلة.

لكن ربما تغير الأمر بعد تعدد منصات العرض مثل "يوتيوب" و"أمازون برايم" و"نتفلكس" وغيرها، بالإضافة إلى انفتاح مواقع التواصل الاجتماعي وتزايد جمهور الإنترنت والحاجة الماسة إلى أنواع مختلفة من المحتوى المرئي.

"إيفالو".. أبرز فيلم قصير في أوسكار 2023

فيلم "إيفالو" 2023 (Ivalu) للمخرج أنديرس والتر هو أحد الأفلام القصيرة المرشحة لأوسكار أحسن فيلم قصير في موسم 2023. يجسد الفيلم عزلة الفتاة بيبلوك (ميلا هيلمان كروتزمان) من خلال لقطات للطبيعة الجليدية الكاسحة وهي تعبر الأراضي الشاسعة بحثا عن أختها المفقودة "إيفالو" (نيفي لارسون)، وهي تستعيد ذكرياتهما معا.

يمثل الفيلم نظرة عميقة على الإساءات التي تعرضت لها الفتاة إيفالو، وخلال الرحلة تدرك بيبلوك هذه اللحظات المؤلمة ومشاعر شقيقتها في ذلك الوقت. تعرض اللقطات السينمائية عجائب الطبيعة في جزيرة غرينلاند، كما تظهر المدن الريفية الصغيرة حيث نشأت الشقيقتان وسط جمال واتساع هذه الأرض.

الفيلم مقتبس من رواية مصورة بالعنوان نفسه للروائي الدانماركي مورتن دور، التي تدور حول العنف الذي يتعرض له الأطفال والبالغين.

حافظ المخرج وكاتب السيناريو أنديرس والتر على الخيط الأساسي للرواية وعمل على تكييف السيناريو وتكثيفه ليصنع فيلما قصيرا يستحق الترشح للأوسكار.

في حواره مع موقع"نو فيلم سكول" (No Film School)، قال والتر إن صديق أوصى له بالرواية المصورة، لأنه حول روايتين مصورتين من قبل إلى أفلام، وعندما قرأ الرواية أعجبه موضوعها، وكانت الرواية شاعرية للغاية فأحب أن يحولها إلى فيلم قصير.

علامات في تاريخ الأفلام القصيرة

يعتقد أغلب المهتمين بالسينما أن رحلة جورج لوكاس السينمائية بدأت مع سلسلة "حرب النجوم" (Star War)، إلا أنها في الواقع بدأت بفيلم "المتاهة الإلكترونية" (The Electronic Labyrinth) الذي أخرجه في العام 1967 أثناء وجوده بمدرسة السينما بجامعة جنوب كاليفورنيا وهو فيلم مدته 15 دقيقة عن رجل يحاول الهرب من متعقبيه في عالم محوسب يتتبع حركته باستمرار.

عرض فيلم "الخنفساء" (Doodlebug) في العام 1997 للمخرج كريستوفر نولان، الصورة القاتمة التي يفضلها في أفلامه، والتي تعد حجرا أساسيا في مسيرته الناجحة. يدور الفيلم حول رجل تعذبه حشرة في شقته القذرة ويبرز في 3 دقائق الصراع المحموم بينهما، ويظهر الفيلم ولع نولان بالتأثيرات المرئية.

لسبب أو لآخر يعرف معظم الناس المخرج ديفيد لينش على أنه مخرج فيلم "الكثبان الرملية" (Dune) في العام 1984، أو كمؤسس وعضو في فريق "توين بيكس" (Twin Peaks) الغنائي لكن لا يعرف الجميع أنه مخرج لعدد من الأفلام القصيرة التي تعد من علامات الأفلام القصيرة في السينما مثل فيلم "الأبجدية" (Alphabet) في العام 1969، الذي حول لينش من خلاله مشهد عادي لامرأة ترقد في السرير إلى كابوس سريالي عن الحروف الأبجدية.

تستيقظ المرأة على الكابوس وتقذف الدم من فمها ليلوث الملاءات البيضاء، تماما كما يشوه هتاف الأطفال هدوء الضاحية.

المصدر:الجزيرة + وكالات