التبرع بالأعضاء في الأردن.. تخوفات وتشريعات وحملات توعوية

يروي الفيلم الهندي "أنوراغ" (Anuraag) -الذي أنتج عام 1972- قصة فتاة ضريرة تعمل في النحت، وتتعرف على صبي صغير مصاب بالسرطان، وبعد تدهور حالته الصحية يختار أن تكون أمنية الموت هي التبرع بعينيه لتلك الفتاة، لتتمكن أخيرا -وللمرة الأولى في حياتها- من رؤية ما حولها وما أنجزته من أعمال.

هذا السيناريو المفعم بالإنسانية لا يقتصر على الأفلام فقط، ففي العاصمة الأردنية عمّان خطّ الشاب يزن الشيبي -الذي توفي إثر حادث سير- قصة تجاوزت معانيها خيال كاتب الفيلم الهندي الشهير، وكان إحدى شخصياتها الصحفي الشاب مؤمن أبو ارتيمة الذي يعيش بقرنية يزن بعد وفاته.

ويقول أبو ارتيمة للجزيرة نت إن ما حصل معه وضع حدا لمعاناته، وأعاد الأمل إلى روحه، و"عودة الأمل" -حسب وصفه- لم تقتصر عليه وحسب، إذ أوصى يزن بوهب أعضائه بعد الوفاة لـ5 أشخاص آخرين، وها هو ذا قلبه ينبض اليوم برفق في صدر شاب، وتُنعش كليتاه جسدي فتاتين كان المرض قد أنهكهما، فيما جدد كبده الحياة لرجل عانى من مضاعفات تشمع الكبد، وعاد النور إلى طفل لم يبصر النور يوما.

 
ترسيخ ثقافة التبرع بالأعضاء
في حديث خاص للجزيرة نت يقول رئيس الجمعية الأردنية لتشجيع التبرع بالأعضاء الأمير رعد بن زيد إن الجمعية "عملت على ترسيخ ثقافة التبرع بالأعضاء، وتم إدراج هذا الموضوع في المناهج الدراسية للصف العاشر"، مشيرا إلى أن "عملية الزراعة مجانية، إذ تتحملها الدولة، كما يتم منح أحد أقارب المتبرعين بالأعضاء تأمينا صحيا مجانيا".

ويأمل الأمير رعد أن يتم إنشاء مركز وطني متخصص على مستوى المملكة، بهدف تنسيق عمليات التبرع بالأعضاء وزراعتها، مشيرا إلى أن المركز يمتلك قوائم للموصين بالتبرع وأخرى للمحتاجين إلى هذه الأعضاء، ويتم التنسيق واستغلال الوقت بأخذ الأعضاء وزراعتها بواسطة أطباء ذوي كفاءة.

ويوضح أن وجود مديرية في وزارة الصحة لزراعة الأعضاء لا يغطي كل أنحاء المملكة بسبب غياب التنسيق اللازم، مما يستدعي وجود مركز وطني متكامل يربط بين كل أطراف العمل، مشيرا إلى أن الشعب الأردني معطاء، وأن هناك خطوات وفعاليات كثيرة تقوم عليها الجمعية على هذا الصعيد.

ما هو التبرع بالأعضاء بعد الوفاة؟ ومتى يكون؟
بحسب الدكتور محمد الذنيبات المتخصص في أمراض وزراعة الكلى وضغط الدم، يمكن أخذ أي عضو آخر من المتبرع الميت سريريا، مثل القلب والرئتين والقرنيتين، وحتى الأنسجة التي يستفاد منها، كالجلد والعظم.

ويقول الذنيبات للجزيرة نت إن أخذ الأعضاء يكون بعد الوفاة الدماغية للمتبرع، أو ما يعرف بالموت السريري، وهو تشخيص طبي يعتمد الفحص السريري، ووجود غيبوبة لا رجعة منها وانقطاع النفس وغياب انعكاسات الأعصاب.


أول عملية زراعة أعضاء في الأردن
في عام 1972 أجريت في الأردن أول عملية زراعة عضو (كلية) ناجحة موثقة في العالم العربي، وكانت لعسكري أردني، وكان المتبرع من مدينة حيفا في فلسطين المحتلة توفي إثر حادث سير ويسكن في منطقة الأشرفية.

وأجرى العملية فريق طبي يضم الدكتور داود حنانيا والدكتور طارق السحيمات والدكتور سعيد الكرمي.

إحصائيات المتبرعين بالأعضاء في الأردن
تقول أمينة السر في الجمعية الأردنية لتشجيع التبرع بالأعضاء رانيا جبر للجزيرة نت إن هناك أكثر من 50 ألف بطاقة توصية بالتبرع بالأعضاء مسجلة لدى الجمعية ولدى مديرية المركز الأردني لزراعة الأعضاء الموجودة في وزارة الصحة.

ويمكن لأي شخص في الأردن التوقيع على بطاقة التبرع، لكنها لا تعد ملزمة قانونا لأهل المتوفى، لأنها لا تكون موثقة لدى كاتب العدل، وغالبا ما يتراجعون عنها.

ولهذا، توصي الجهات العاملة على نشر هذه الثقافة بإخبار المتبرع أقاربه بوصيته أو توثيق هذا التبرع من خلال ورقة قانونية أو لدى محامٍ.

وهناك مبادرات، مثل مبادرة "من_بعدي_حياة" التي أطلقها طلاب الجامعة الأردنية للتوعية بأهمية التبرع، لينتفع بها المرضى الذين يحتاجون إلى زراعة أعضاء.

وكان الأردن دخل في عام 2013 موسوعة غينيس للأرقام القياسية العالمية بتسجيله أعلى رقم لعدد الموصين بالتبرع بقرنياتهم، إذ تمكنت حملة "من عيوني حياة" من جمع 3540 متبرعا، كاسرة بذلك الرقم الأعلى عالميا (2262) الذي سجل في الولايات المتحدة الأميركية.


انطباعات المجتمع الأردني عن التبرع بالأعضاء
الشاب صهيب (37 عاما) أحد الذين وقعوا على وثيقة التبرع، يقول إن دافعه لذلك تحسين حياة أشخاص أتعبهم المرض ونغص عيشهم، وهي من باب الصدقة المأجور عليها.

أما أحمد (17عاما) فيقول إن الموضوع يشوبه شيء من الضبابية، مما يدفع إلى التردد باتخاذ هذه الخطوة، خصوصا ما يتعلق بعدم معرفته هل ستتعرض جثة المتوفى للتشوه، وما رأي الشرع التفصيلي بذلك.

وبينت دراسة محلية للدكتور صالح حماد أجراها عام 2017 عدم تقبل المجتمع الأردني فكرة التبرع بالأعضاء بعد الموت دماغيا، وكانت أبرز أسباب رفض التبرع استنادا إلى دراسة أخرى للدكتور فايز عبد الرزاق وآخرين عام 2020 هي المفاهيم الخاطئة حول تشوه جسم الشخص الميت في حالة أخذ أجزاء منه، والتخوف من عدم دقة تشخيص الإنسان بأنه ميت دماغيا، بالإضافة إلى مخاوف من غياب العدالة ودخول المحسوبيات (الواسطات) في منح المستفيدين.

ويرى الدكتور محمد الذنيبات أنه يجب تعزيز الوعي بأهمية التبرع بالأعضاء وأثرها في إنقاذ آلاف المرضى، كونها أحد معاني الإنسانية السامية التي يحض عليها الدين الإسلامي، فضلا عن بذل الجهود لإنشاء مركز وطني متخصص في التبرع بالأعضاء.
 
تشريعات وقوانين ناظمة.. ومعوّقات
صدر في عام 1977 قانون الانتفاع بأعضاء جسم الإنسان، وعُدّل مرات عدة، ويستند إلى تشريعات الفقه الإسلامي، إذ نصت المادة الثالثة على اشتراط إجراء عمليات نقل الأعضاء بالالتزام بالفتاوى الصادرة عن مجلس الإفتاء.

وبشأن تشخيص الوفاة الدماغية التي تسمح بنقل الأعضاء، نص القانون في المادة التاسعة على اشتراط وجود 3 أطباء يضاف إليهم طبيب شرعي ينتدبه الوزير، ليحددوا معا وبالإجماع الوفاة، ويشترط ألا يكون من بينهم الطبيب المنقذ للحالة.

وتقول رانيا جبر إن أبرز المعوقات التي تحول دون التبرع بالأعضاء في الأردن هي الأمور التشريعية التي لا تلزم بتنفيذ توصية المتبرع بالأعضاء بعد وفاته، مما يقلل بشكل كبير جدا عدد عمليات التبرع الفعلية.

وتذكر أن هناك جهودا تبذل لتعديل التشريعات بالتعاون مع مجلسي النواب والأعيان، ليتسنى إنشاء مركز وطني لزراعة الأعضاء يجمع كل القطاعات الطبية العامة والخاصة، لتسهيل وزيادة حالات التبرع بالأعضاء وإجبار المستشفيات على الإبلاغ عن حالات الوفاة الدماغية.

التبرع في الأعضاء في المنهاج الدراسي بالأردن _ الجزيرة
التبرع بالأعضاء تم إدماجه في المنهاج الدراسي بالأردن (الجزيرة)
رأي شرعي
يقول الأمين العام لدائرة الإفتاء الأردنية الدكتور أحمد الحسنات إن هناك شروطا ترتبط بإجازة التبرع بالأعضاء بعد الوفاة، وهي أن يأذن الميت بهذا الشيء قبل موته أو يأذن به ورثته، وهذا ما يقره مجلس الإفتاء الأردني في ما يتعلق بجواز التبرع بقرنية العين.

ويذكر الحسنات -في حديثه للجزيرة نت- أن نقل الأعضاء من الأموات إلى الأحياء فيه حفظ للنفس الذي توجبه الشريعة، وتكريم للشخص المتبرع بنيله الثواب، وتكريم للذي تم التبرع له باستعادة صحته أو بصره على سبيل المثال.

ويعدد الحسنات قواعد الشريعة للاستفادة من التبرع في ما يلي:

أن يتم التحقق من وفاة المتبرع.
أن يكون الميت قد تبرع قبل موته، أو أذن للورثة بذلك.
أن يكون هناك ظن غالب لدى الأطباء بنجاح عملية زراعة العضو.
ألا يكون هناك مقابل مادي للتبرع.
المصدر : الجزيرة