عن العدالة المختلة في قانون المسؤولية الطبية والصحية رقم 25 لسنة 2018
بعد مخاض عسير امتد لِ 16 عاما من 2002 وحتى اقرار القانون عام 2018 خطى المشرع الاردني خطوة محمودة بان شرَّع قانون للمسؤولية الطبية بعد ان خضع لجراحات جوهرية وسحب واعادة الى ديوان التشريع والرأي. ولقد قّدمَ القانون تعريفات للمصطلحات الضرورية لتحديد اطار المسؤولية الطبية كتعريف الخدمة الطبية او الصحية ومكان تقديمها ومقدمها والخطأ الطبي واقر تشكيل لجنتين طبيتين فنيتين تكون مهمة الاولى تأطير الضوابط المهنية والسلوكية للعاملين في القطاع الصحي؛ واما مهمة اللجنة الثانية فتكون النظر في الشكاوى والبت فيها وهنا يكمن العيب القانوني بان تلبس الخصم ثوب الحكم في آن واحد.
لضمان إستقلال ونزاهة القضاء الاردني فقد نص الدستور الاردني في المادة 101 على ان : المحاكم مفتوحة للجميع ومصونة من التدخل في شؤونها ؛ كما ان القانون رقم 29 لسنة 2014 (قانون استقلال القضاء لسنة 2014) وتعديلاته نص في المادة الثالثة منه على ان ( أ. القضاء مستقل والقضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون ب- يحظر على اي شخص او سلطة المساس باستقلال القضاء والتدخل في شؤونه). وبالرجوع الى نص المادة 9/1 من قانون المسؤولية الطبية التي اورت نص آمر بأنه : على الرغم مما ورد في اي تشريع آخر أ. يشكل وزير الصحة لجنة تسمى ( اللجنة الفنية العليا ) وتكون مهمة هذه اللجنة كما نص عليها القانون السابق الذكر في المادة التاسعه /ج المهام والصلاحيات التالية : النظر في الشكاوى المقدمة من متلقي الخدمة أو ورثته أو وليه او وصيه الى الوزير أو النقابة المعنية بحق مقدم الخدمة ورفع القرار بشأنها إلى الوزير أو النقابة المعنية وتقديم الخبرة الفنية في الدعوى او الشكوى بناء على طلب الجهة القضائية المختصة . وعلى اللجنة تشكيل لجان فرعية متخصصة من خارج اعضائها تتولى إبداء رأيها في الطلبات التي تحيلها إليها اللجنة وعلى هذه اللجان رفع تقريرها بشأنها إلى اللجنة .
بالقرأة المتأنية للفقرة السابقة من قانون المسؤولية الطبية نجد ان هناك مثلبين كبيرين فيما يتعلق بالدور الممنوح لهذه اللجنة فعلى الرغم من ان قانون البينات اعطى القاضي السلطة التقديرية في اختيار الخبراء وتعيينهم وللخصوم حق طلب ردهم اذا ما كان هناك ما يوجب ردهم الا أن هذه المادة قد سلبت هذا الحق ومنحته لوزير الصحة وهو ما يتعارض مع ما نص علية الدستور الاردني وقانون استقلال القضاء من حيث عدم جواز التدخل او المساس باستقلال القضاء.
إن الحكم في قضايا الاخطاء الطبية من الامور ذات الطابع الفني المتخصص والتي لا يستطيع القاضي الاستغناء في سبيل بناء قناعاته حتى يستطيع ان يصدر حكماً عادلاً وهو ما يمنح رأي اللجنة وزنا مهما وكبيرا في تشكيل قناعات القضاة وبالتالي تحدد نتيجة القرار القضائي. ولما للخبرة الفنية من اهمية فقد فصل فيها قانون البينات وصدرت انظمة تحدد دور وكيفية تعيين الخبراء ومنحت المحكمة حق عدم قبول الراي القانوني وتعيين خبراء اخرين كما ان للخصوم الحق في طلب رد الخبراء الا ان هذا يتعارض كلياً مع ما نص علية قانون المسؤولية الطبية من حيث التشكيل والدور الممنوح للجنة وحلف اليمين امام وزير الصحة لمرة واحدة عند التعيين.
كما ان قانون المسؤولية الطبية نص على انه في حال وجود خطأ او اختلاف بين اعضاء اللجنة تشكل لجنة فرعية من نفس اعضاء اللجنة العليا لتعديل القرار. فكيف يستوي هذا مع مبدا استقلالية وحيادية ونزاهة قرار الخبير فهل يجوز ان يكون من اصدر التقرير الاول عضواً في لجنة لتصحيح خطا قد وافق علية مسبقاً. ونص كذلك قانون المسؤولية الطبية على ان اللجنة تستقبل الشكاوى على مقدمي الخدمات الصحية وتعريف مقدم الخدمات الصحية ينطبق على وزارة الصحة فأذا ما كانت وزارة الصحة طرفا في قضية كمشتكى علية فهل يستوي ان ينظر الشكوى لجنة مشكلة من وزير الصحة لتقرير خطأها من عدمة فتلبس اللجنة ثوب الخصم والحكم بنفس الوقت.
إنَ الخبرة في مسائل الاخطاء الطبية تعتبر من الوسائل التي يرتكن اليها القضاء لاصدار قراراته فهي من تحدد ان كان هناك خطأ طبي من عدمة لتقوم علية اساس الدعوى الا ان هذه المثلبة على كِبر حجمها والتي قد تكون مادة غير دستورية لم تسترعي اهتمام المشرع لتعديلها بما يتوافق مع مبادىء العدالة والنزاهة مما يضفي نوع من القدسية على تقرير اللجنة الفنية العليا لان تقرير اللجنة يعتبر مستند رسمي لا يجوز الطعن فية الا بالتزوير ؛ و لان القاضي والخصوم رغم حاجتهم الشديدة لهذا التقرير الا ان المحكمة لا تملك تشكيل اللجنة ولا تحليفها اليمين وليس لها اطلاع على الاسس التي اعتمدت في اعداد تقاريرها كما ان الخصوم لا يملكون اي حق في طلب تنحي او رد الخبراء وهو ما يتعارض مع ابسط مبادىء العدالة.
لذا يتوجب على المشرع الاردني تعديل هذه المادة واعادة الامور الى نصابها والارتكان الى احكام قانون البينات في تعيين الخبراء ووضع الاسس التي تكتب تقاريرهم بناء عليها ومعرفة من هم اعضاء اللجان وما هي خبراتهم وهل هم مؤهلين لكتابة هذه التقارير ومنح الخصوم الحق في طلب رد الخبراء والطعن في تقاريرهم وتطبيق احكام تنحي الخبراء اذا ما كان هناك ما يدعو الى تنحيهم.