الصين كوسيط دولي: الاتفاق السعودي الايران مثالاً
أثر ظهور الصين كقوة اقتصادية قطبية بشكل كبير على قوتها السياسية وتأثيرها في العالم. باعتبارها ثاني أكبر اقتصاد في العالم (الأول عالمياَ- بعد تعديلات صندوق النقد الدولي)، استخدمت الصين قوتها الاقتصادية لتعزيز نفوذها السياسي من خلال مبادرة "الحزام والطريق". كما سمحت القوة الاقتصادية للصين أيضًا بالتأثير الإيجابي على المجتمع الدولي، واظهارها كوسيط معتمد قادر على حل الخلافات وتعزيز التعاون.
ومع ذلك، فإن صعود الصين كقوة اقتصادية قطبية قد ولّد أيضًا منافسة سياسية، خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط، حيث تنشط السياسة الأمريكية في حل النزاعات واحلال الاستقرار، ولكن التفاوت في أسلوب حماية مصالح العم سام يؤثر على الحيادية في الوساطة الدولية، فقد تتبع منهج واقعي (القوة لتحقيق مصالح الدولة) أو منهج ليبرالي (حقوق الانسان والديمقراطية والتعاون) في علاقتها مع الدول وكلاهما منتقد بسبب تعارضه مع مبدأ سيادة الدولة. بالمقابل تستخدم الصين سياسة محيطية، تركز على دول الجوار ودول الحزام والطريق لتأمين استقرار علاقاتها السياسية ودعم مبادرة الحزام والطريق، ويتوقع من الصين المزيد من الانخراط في المواضيع السياسية كالتوترات والنزاعات لتحقيق الأهداف السابقة.
ومن أهم العلاقات التي تؤثر على استقرار المنطقة هي العلاقات بين المملكة العربية السعودية وجمهورية إيران الإسلامية، فكل من الدولتين قوى إقليمية فاعلة. وبعد سبعة سنين من القطيعة (بسبب الاعتداء على سفارة السعودية في طهران، وخرق الأعراف الدولية والدبلوماسية) والتوسطات المختلفة من الفاعلين في المجتمع الدولي لانهاء هذه الأزمة، الا أن القطيعة استمرت والتوسطات المختلفة لم تحقق المرجو منها. وساهمت عدة عوامل في بروز دور الصين كوسيط في الأزمة السعودية الإيرانية، منها مبادرة الحزام والطريق، التي عززت مكانة الصين كشريك تجاري أول للطرفين، واتباع الصين مبادئ أساسية في سياستها الخارجية وهي مبدأ عدم التدخل واحترام السيادة، وهنالك توافق سياسي بين كافة الأطراف على القضايا الرئيسية التي تواجهها الدول الثلاث، كما أن الصين تعتمد على البلدين بتوفير موارد الطاقة، مما يشكل علاقة تشاركية بين كافة الأطراف، كما أن أهم صفات الوسيط هي الثقة والحيادية، وهو ما وجد في الصين. وتكللت هذه الوساطة تاريخ العشر من مارس، برعاية الاتفاق السعودي الإيراني الذي أنهى 7 أعوام من القطيعة، وأعاد الاستقرار للمنطقة، مع العلم بأن شروط الاتفاق ما زالت غير معلنة، ولكن أعلن إعادة تفعيل بعض الاتفاقيات بين الطرفين.
كما ذكر سابقاً هذا الإنجاز مهم لدفع المنطقة لمزيد من الاستمرار، لكن الحفاظ على فعالية الاتفاقية سيتطلب جهودًا متواصلة وتخطيطًا استراتيجيًا من قبل كافة الأطراف. ويقع الحمل الأكبر على الدولة الراعية (الوسيطة) لإبقاء الاتفاق حياً، وبإمكان الصين التركيز على الاقتصاد والتجارة كمحرك رئيسي لبناء علاقة أكثر استقرارًا وسلمية (وهو نهج صيني فعال كما ناقشنا). ويمكن أن تلعب دورًا رئيسيًا في تشجيع وتسهيل الحوار بين البلدين، والمساعدة في بناء الثقة والتفاهم. بالإضافة لتعزيز التعاون الإقليمي في عدد من الملفات الساخنة وعلى رأسها احترام سيادة الدول المحيطة، والتعاون في تعزيز الأمن الإقليمي. وأخيراً، الحفاظ على الحياد كوسيط، وإشراك قوى إقليمية وعالمية أخرى ذات مصداقية، لبناء توافق وتغليب لغة الحوار والتعاون في القضايا الرئيسية بين البلدين.
ختاماً، تمارس الصين قوتها السياسية مدعومة بقوتها الاقتصادية القطبية ومبادئ أساسية في العلاقات الدولية كعدم التدخل واحترام السيادة. هذه العوامل تكللت بنجاح وساطتها بين السعودية وإيران، ولا أستبعد أن تنخرط قوى إقليمية وعالمية في الاتفاقية لتقوية وتعزيز العلاقة بين الدولتين وبناء توافق وتغليب لغة الحوار بدل النزاع والتوتر. ومستقبلاً، قد نجد المزيد من الانخراط الصيني في تعزيز الاستقرار في المنطقة، لا سيما القضية الفلسطينية التي تؤكد الصين فيها على حل الدوليتن بما يتوافق مع قرارات المجتمع الدولي السابقة.