ندوة في شومان بعنوان " المدن العربية بين العراقة والاستدامة
رعت وزيرة الثقافة هيفاء النجار، مساء أمس، ندوة "المدن العربية بين العراقة والاستدامة" التي نظمها منتدى مؤسسة عبد الحميد شومان الثقافي، ذراع البنك العربي للمسؤولية الثقافية والاجتماعية، بالشراكة مع مؤسسة الفكر العربي – بيروت، وشارك فيها المدير العام لمؤسسة الفكر العربي الدكتور هنري العويط، والدكتور إبراهيم غرايبة من مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، والمهندسة راما العزي مستشار أمين عمان للتخطيط والتنمية الاقتصادية، والدكتورة حلا نوفل الخبيرة الدولية في قضايا واستراتيجيات السكان والتنمية، والكاتب فخري صالح، وأدار الحوار مدير المنتدى ومدير الجوائز الأدبية في مؤسسة "شومان" موفق ملكاوي.
وناقشت الندوة الكتاب السنوي السادس الذي اطلقته مؤسسة الفكر العربي مؤخرا بعنوان "المدن العربية: بين العراقة والاستدامة"، الذي شارك في تأليفه نخبة من المؤرخين والخبراء المختصين والنقاد الأدبيين من العالم العربي، حيث يأتي هذا الإصدار في سياق الاهتمام المتزايد خلال العقود الثلاثة الأخيرة بدراسة المدن من نواحٍ عدة، سوسيولوجية وديموغرافية وأنتروبولوجية وعمرانية وتنموية وبيئية وغيرها، وذلك بعد أن أضحى أكثر من نصف سكان العالم يعيشون الآن في مناطق حضرية، مع توقع ارتفاع نسبة قاطني المدن في العام 2030 إلى 60 %.
وزير الثقافة النجار أشارت إلى أن الحديث عن المدينة العربية لا يتوقف عند جغرافيا المكان، أو التصنيف الاجتماعي لأبناء المدن، وإنما يتسع إلى الحديث عن تاريخ المدينة، ونسيجها الاجتماعي وأنماطها العمرانية والبيئة التي أنتجت منظومتها القيمية والثقافية، ومخزونها الأنثربولوجي وروافعها ومحركاتها التنموية.
وقالت إن العراقة لا يمكن أن تقف في وجه الاستدامة، بل تشكل معادلة ذهبية للأصالة والتميز، وجزءا مهما من الأنظمة الحيوية المتنوعة والفاعلة والمنتجة التي تسهم في حماية تراث المدينة، ومقدرتها على الانفتاح على الحداثة، موضحة أن الإنسان كما يبني المدينة وفقا لثقافته ومعارفه ومتخيله وسرديته ومعارفه وفنونه، فإن المدينة/ المكان يؤثر في ثقافة الإنسان بالكيفية التي انعكست في تضاريسها ومناخها وانماط عمارتها وتنظيمها، وشكل علاقاتها، ونشاطاتها الحياتية والحيوية.
وأكدت أن الأردن الذي يقع في قلب الوطن العربي يمثل قصة نجاح في مواجهة التحديات، بل حول تلك التحديات إلى فرص من خلال دأبه على الإصلاح، والاهتمام بالمعرفة والعلم ونتاجها التقني، و"حكمته في إدارة الندرة"، وإيمانه بأهمية التنوع والتعدد الذي أسهم في تعزيز النسيج الاجتماعي، والاستقرار والثراء الثقافي.
من جانبه قال العويط إن مؤسسة الفكر العربي تحرص بتوجيه من رئيسها سمو الأمير خالد الفيصل وبدعم من أعضاء مجلس امنائها على طرح القضايا التي تعني العرب في تاريخهم وحاضرهم ومستقبلهم وتسعى باستمرار إلى رصد ما يواجهه العالم العربي من تحديات على مختلف الأصعدة ودراسة ما يشهده من تحولات في شتى المجالات.
وأضاف، "عندما قررنا في مؤسسة الفكر العربي تخصيص الكتاب السنوي من سلسلة "أفق" لموضوع المدن العربية بين العراقة والاستدامة، كنا مدركين أن الموضوعات التي ترتبط بالمدينة لا تعد ولا تحصى، ولكننا اخترنا هذا الموضوع بالذات آخذين بعين الاعتبار ما تمثله مجموعة كبيرة من مدننا العربي من تراث ثري وفريد ينبغي حمايته والمحافظة عليه".
وقال إن "مدنا عربية عريقة تعرضت عبر التاريخ للتدمير والخراب من جراء الحروب والغزوات ويعتصرنا الأسى ونحن نعاين ما واجهته مؤخرا وما زالت تواجهه حاليا، مدن عربية مدرجة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي من اعتداءات خارجية أو أهلية تشكل تهديدا مباشرا للبشر والحجر فيها ولتراثها وهويتها التاريخية".
الدكتورة حلا نوفل أشارت في ورقتها إلى أن المنطقة العربية، التي تضم العديد من أقدم مدن العالم المأهولة بشكل متواصل، تتسم بتاريخها المديني العريق الذي يعود إلى ألاف السنين، وتتميز هذه المدن بشكل خاص بتوسعها بالمقارنة مع مدن العالم الأخرى، مشيرة إلى أن عملية تضخم المدن العربية، تسارعت ليس نتيجة الزيادة الطبيعية في معدلات نمو سكانها فحسب، بل بسبب الهجرات من الأرياف والمدن الداخلية إلى مراكز المحافظات، ومن المحافظات الصغيرة إلى المحافظات الكبيرة، ومن المناطق الأقل نموا إلى المناطق الجاذبة تنمويًا
وقالت، "شهد العديد من المدن العربية نمو العشوائيات غير الرسمية الذي تفاقم بسبب ارتفاع أعداد النازحين الذين يبحثون عن ملجأ في المناطق المدينية بسبب الصراعات في المنطقة"، مبينة أن الضغط السكاني يترافق مع ارتفاع معدلات الفقر والبطالة المدينية، وتردي الاوضاع السكنية، وعدم كفاية إمدادات المياه والكهرباء، وسوء الصرف الصحي، ونقص وسائل النقل والخدمات الأخرى، فضلا عن التدهور العام في نوعية الحياة.
الدكتور إبراهيم الغرايبة قال " إن السلام هو الذي أنشأ المدينة، ولكن المدينة أنشأت الحرب"، مشيرا إلى أن المدينة تمثل سلسلة مطورة ومتراكمة من التقنيات والابتكارات التي نشأت في القرية، الأواني ومخازن الغلال وقنوات المياه. وفي حاجتها للحماية تقدم الصيادون في مجتمع القرية بسبب قوتهم وشجاعتهم، وصاروا حكاما وقادة، وتحولت مهنة قتل الوحوش والحيوانات وصيدها إلى قتال الأعداء وبناء وتنظيم الجيوش، ولم يعد السلاح مقصورا على قتل الحيوانات، بل كذلك لتهديد الناس، وصار هؤلاء الحكام يجمعون الضرائب مقابل الحماية.
وأشار الكاتب فخري صالح إلى أن كتاب "المدن العربية: بين العراقة والاستدامة" يكتسب أهميته من زوايا النظر التي يفحص من خلالها تاريخ المدينة العربية، وأدوارها، ووظائفها، وطرق تطويرها، واستدامتها، وتحويلها إلى مدن ثقافة، ومدن مستقبل، ومدن ذكية، بما يحفظ تراث هذه المدن، وقدمها، وعراقتها، وما تنطوي عليه من ثقل حضاري، وثقافي، عابر للأزمنة. فالمدن العربية، مثلها مثل مدن العالم، في شرق العالم وغربه، شماله وجنوبه، تستقطب ما يقارب من نصف سكان الدولة، بسبب تركز النشاط العمراني فيها، ونزوح أعداد كبيرة من سكان الريف والبادية إليها، للعمل والإقامة. ويؤدي هذا النزوح إلى ترييف المدينة، ونشوء أحزمة فقر حولها، ومدن صفيح، يزداد معها التفاوت الاقتصادي، والاجتماعي، وكذلك الثقافي، بين ساكني هذه المدن.
وأضاف أن التركُّز السكاني في المدن، والنمو السريع في عدد السكان، وازدياد الحاجة إلى الخدمات، بأنواعها كافَّة، ومن ضمنها الخدمات التعليمية والثقافية، يتطلَّب شكلًا من أشكال التنمية المستدامة، الضرورية، والقادرة على خدمة حاجات السكان المتزايدة.
واستعرضت المهندسة راما العزي أبرز التحديات التي تواجه أمانه عمان، مشيرة إلى أنه تم اطلاق العديد من الخطط لمواجهة آثار التغير المناخي وتخفيف الانبعاثات الدفينة، مثلما تم وضع استراتيجية لمستقبل التنظيم الحضري لمدينة عمان في المدى الطويل بما ينسجم مع نمو المدينة واحتياجاتها، كذلك انجاز العديد من الخطط التنموية الشاملة لمدينة عمان بما ينسجم مع استراتيجية التخطيط الحضري ومنعة مدينة عمان، وتحسين منعة مدينة عمان ، إضافة إلى دراسة واقع التنظيم الحالي ووضع الخطط الخاصة لبناء مستقبل أكثر مرونة واستدامة.