قطٌاع الرزق و اعداء الاصلاح..


لست جزعا ولم أكن في يوم من الأيام قلقا من الأثمان التي قد اضطر لدفعها لأنني أشتغل في مهنة الصحافة، المقلق فعلا هو حالة التشظّي العامة وانعدام الرؤية السياسية التي تدفعنا للكفر بكل مبدأ وقيمة، المقلق فعلا هو استسهال البطش وعمليات الافقار والتجويع التي باتت وسيلة لضربنا تحت الحزام، دون رادع قيمي أو اخلاقي أو مهني..

لا نعرف ما الذي استجد، لماذا هذه الحساسية المفرطة من الاعلام المستقل في بلادنا؟ خطنا التحريري لم يتغيّر، لم نغيّر جلدنا، ولم نفرط او نجرح اخلاصنا للمهنة وشرفها وميثاقها، فترانا نحرص على التوازن ونشر جميع ردود الفعل ووجهات النظر، ننشر الخبر ونتابع المجريات دون عبث وأهواء، وذلك برغبة صادقة في الاصلاح ووضع الناس أولا و صنّاع القرار ثانيا بصورة ردود الفعل والتداعيات والمآلات والمعاني والدلالات، لا نستعدي أحدا ولا نستعرض ولا نبحث عن الأضواء، نحترم أنفسنا ومهنتنا ولا نستخدمها رفّاسا، أو نوظفها لخدمة أغراض وأهداف وانحيازات ومصالح، نعمل بصمت وبمنتهى المهنية والاستقلالية، وهذا ليس جديدا، ولكن يبدو أن الجديد هو أن أخلاق وأحلام الرجال تضيق، فهل ضاقت بلادنا بأهلنا فعلا؟!!

ما قيمة الإعلام إذا كان بوقا، وأداة بيد السلطة؟ ما قيمة الإعلام إذا لم يكن تعبيرا صادقا عن الناس واتجاهاتهم وملاذا آمنا لكل صاحب حاجة ومظلمة؟ ما قيمة الإعلام إن لم يكن فضاء رحبا يتسع لمختلف آراء الناس ومواقفهم وانطباعاتهم واتجاهاتهم بموضوعية وحياد؟ لماذا ينكرون علينا القيام بواجبنا المقدس، ولا يستحون من محاولات تطويقنا وخنقنا ومحاصرتنا؟ لماذا يصممون على ايذائنا وزعزعة ثقتنا بثوابت وطنية تربينا عليها، لا لشيء إلا لأننا نمارس مهنتنا بنبل وشرف واخلاص؟

الصحفي ليس ناشطا سياسيا، وليس طرفا في أي صراع، وليس خصما لأي جهة، لماذا تصممون على مخاصمتنا ومناصبتنا العداء؟

السلطة الغاشمة خطر على نفسها قبل أن تكون خطرا على الناس، فكلما اتسعت دائرة التنكيل والتجويع والافقار، ضاقت أو للدقة انعدمت فرص الاصلاح..