الدور الحيوي لتشريع حماية البيانات الشخصية



في العصر الرقمي اليوم ، أصبحت البيانات الشخصية سلعة قيّمة يتم جمعها ومعالجتها ومشاركتها من قبل كيانات مختلفة حيث يعد جمع البيانات الشخصية أمرًا ضروريًا لعمل العديد من الصناعات، بما في ذلك الرعاية الصحية والتمويل والتسويق. ومع ذلك، يمكن أن يؤدي إساءة استخدام البيانات الشخصية إلى عواقب وخيمة مثل سرقة الهوية والاحتيال المالي وانتهاك الخصوصية. لذلك ، فإنه من الأهمية بمكان وجود تشريع لحماية البيانات الشخصية لضمان حماية حقوق الأفراد.

لقد خطا الأردن خطوات كبيرة في رحلة التحول الرقمي.ونفذت الحكومة مبادرات مختلفة لرقمنة خدماتها وتحسين نوعية الحياة لمواطنيها. ومع ذلك ، فانة مع زيادة الرقمنة تأتي زيادة في جمع ومعالجة البيانات الشخصية. وعليه فانه من الضروري وجود تشريع لحماية البيانات الشخصية لضمان حماية حقوق وخصوصية الأفراد.

ان وجود تشريع لحماية البيانات الشخصية وكيفية جمعها وتخزينها واستخدامها لا يعد مبالغة في أهميتة للأمن القومي في الأردن. حيث ان عدم وجود مثل هذه الادوات القانونية يمكن ان يسهل استخدام البيانات الشخصية كأداة لتهديد الأمن القومي؛ فمن خلاله يمكن تحديد التهديدات المحتملة ومنع حدوثها. فعلى سبيل المثال، إذا كان هناك تهديد للأمن القومي من مجموعة أو فرد معين، يمكن استخدام بياناتهم الشخصية لتتبع تحركاتهم ومنع حدوث أي ضرر او اضرار بحياة او ممتلكات الافراد والدولة. بالإضافة إلى ذلك، تعد تشريعات حماية البيانات الشخصية ضرورية لأمن المواطنين الأردنيين لأنها تساعد في حماية معلوماتهم الشخصية من الوصول اليها ممن غير المصرح لهم والاستخدام غير الآمن والإفشاء. فهذا التشريع يضمن أن يتحكم الأفراد في بياناتهم الشخصية ويمكنهم تحديد كيفية جمعها ومعالجتها ومشاركتها.

لذلك، وفي عصر الثورة الرابعة، حيث تتم معظم المعاملات عبر الإنترنت ، تعد تشريعات حماية البيانات الشخصية ضرورية لمنع سرقة الهوية والاحتيال والجرائم الإلكترونية الأخرى. كما أنه يحمي الأفراد من الرسائل التسويقية غير المرغوب فيها ورسائل البريد الإلكتروني العشوائية التي من الممكن ان تكون وسيلة لاختراق اجهزتهم او السيطرة على معلوماتهم وبياناتهم لغايات طلب الفدية او الابتزاز. وعلاوة على ذلك ، تساعد تشريعات حماية البيانات الشخصية على بناء الثقة بين الأفراد والمؤسسات التي تجمع بياناتهم فعندما يعلم الأشخاص أن معلوماتهم الشخصية يتم التعامل معها بمسؤولية وأمان ، فمن المرجح أن يشاركوها مع المنظمات والمؤسسات او حتى الشركات التي تحتاجها لأغراض مشروعة.

اضافة الى كل ما سبق ، يمكن أن يساعد وجود تشريع لحماية البيانات الشخصية أيضًا في منع الهجمات الإلكترونية على البنية التحتية الحيوية مثل شبكات الطاقة ومحطات معالجة المياه. فغالبًا ما يستهدف المتسللون هذه الأنظمة لإحداث اضطراب أو سرقة معلومات حساسة. واكبر مثال على ذلك ما حدث في القريب العاجل من تعطيل لانظمة الملاحة الجوية في الولايات المتحدة وبعض مطارات كندا. لذلك إن وجود تشريع لحماية البيانات الشخصية يفرض ويتطلب من الشركات تنفيذ تدابير قوية للأمن السيبراني يمكن أن يساعد في منع مثل هذه الهجمات. سبب آخر يجعل وجود تشريع لحماية البيانات الشخصية أمرًا بالغ الأهمية للأمن القومي في الأردن ، وهو أنه يساعد على بناء الثقة بين المواطنين والحكومة فعندما يعلم المواطنون أن معلوماتهم الشخصية يتم التعامل معها بمسؤولية وأمان من قبل الحكومة أو الشركات الخاصة ، فمن المرجح أن يثقوا بهم بمعلومات حساسة.

فمثلا في الاتحاد الأوروبي، تعتبر حماية البيانات الشخصية حقًا أساسيًا، لذلك تم تفعيل اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR) كإطار جديد لحماية هذا الحق. فهذه اللائحة تمكّن الأوروبيين من استعادة السيطرة على معلوماتهم الشخصية داخل و خارج نطاق الإنترنت. و على الرغم من أن اللائحة العامة تشمل المستخدمين في دول الإتحاد الأوروبي، الاّ أن أثرها يمتد إلى العديد من الدول خارج الاتحاد الأوروبي، خاصة تلك التي تستخدم خدمات الإعلان على الإنترنت والتي قد تتعامل أيضاً مع خروقات في داخل الاتحاد الأوروبي، كما أنّ دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على سبيل المثال ستتأثر بأحكام وقوانين اللائحة وبالتالي ستكون ملزمة في الخضوع للأحكام الواردة فيها والمتعلقة بحماية المعطيات الشخصية.

وهناك اسباب عديدة لتشريع مثل هذه القوانين والانظمة الا ان سببان رئيسيان يجب على الحكومات اتباعها في إطار تشريع قوانين لحماية البيانات الشخصية: فمع تطور إستعمال الإنترنت واستفحالها في مختلف المجتمعات، ازدادت الحاجة إلى حماية البيانات التي يتم مشاركتها كل يوم ليس فقط على مواقع التواصل الإجتماعي و انما في جميع مواقع الويب. ورغم وجود قواعد أو قوانين تهتم بالخصوصية لكنها غير قابلة للتكيف بما يتناسب مع تحديات عالم اليوم. وقد سبق أن دافعت الشركات والكيانات الكبرى التي تجمع بيانات الأشخاص منذ فترة طويلة عن تنظيم الخصوصية وحماية البيانات ليس من خلال الأطر الملزمة، بل من خلال آليات التنظيم الذاتي أو المشاركة التي توفر مرونة أكبر. ومع ذلك، فعلى الرغم من هذة الحجة التي تستخدمها الشركات العابرة للقارات الا انة لا يزال يتعين أن نرى أمثلة على أنظمة ملزمة وإيجابية بالنسبة لحقوق المستخدمين (أو في الواقع، بالنسبة للأعمال ككل).

في الختام ، يعد وجود تشريع لحماية البيانات الشخصية ينص على كيفية جمع وتخزين واستخدام البيانات الشخصية للافراد أمرًا بالغ الأهمية للأمن القومي في الأردن فهو من ناحية يساعد في حماية حقوق خصوصية الأفراد مع توفير أداة لتحديد التهديدات المحتملة للأمن القومي. كما انه علاوة على ذلك ، يساعد في منع الهجمات الإلكترونية على البنية التحتية الحيوية مع بناء الثقة أيضًا بين المواطنين والحكومة أو الشركات الخاصة التي تتعامل مع معلوماتهم. لذلك ، اصبح من الضروري أن يواصل الأردن إعطاء الأولوية لتشريع وتنفيذ قوانين وأنظمة قوية حول حماية البيانات الشخصية.