«وصاية» الأردن على «ساعة بن غفير»: ما هي خيارات عمان؟
كتب بسام بدارين - ساعات فقط فصلت بين تداول واسع في الأردن لمشاهد قوات الاحتلال وهي تضرب المعتكفات في المسجد الأقصى وبقوة تصل إلى مستوى الوحشية، لتختبر كل ما له علاقة بالعلاقات الأردنية الإسرائيلية.
وبين ظهور تلفزيوني جديد لوزير الأمن الإسرائيلي إيتمار بن غفير، استطاع خلاله إطلاق تصريح يدعو فيه اليهود مجدداً لاقتحام المسجد الأقصى، معتبراً ولأول مرة في أدبيات الصراع العربي الإسرائيلي وعلناً بأن "اليهود لديهم الحق في اقتحام المسجد الأقصى” مثل المسلمين، ومؤكداً للمذيعة التي استضافته بأنه في وقت لاحق سيقتحم هو نفسه المسجد الأقصى مجدداً.
عملياً، وفي التراث القريب للعلاقة الأردنية الإسرائيلية، وفي إطار مراقبة الأردن الحيثية والتفصيلية لكل ما يصدر عن خصمه الأهم في حكومة اليمين الإسرائيلي وهو الوزير بن غفير، يمكن القول بأن الأخير أطلق مجدداً بالون اختبار كبيراً جداً وضخم للصبر السياسي الأردني والذي بدأ يبتعد إلى مسافة ملموسة عن قيمة الصبر ليظهر وكأنه شبه عجز رسمي عن المواجهة والاشتباك. بن غفير يقدم للأردنيين الذين سبق أن منعوه من زيارة المسجد الأقصى بحملة دبلوماسية دولية قبل عدة أسابيع، امتحاناً جديداً.
ويضع الوصاية الهاشمية مجدداً في أضيق الزوايا الحرجة وعلى توقيت برنامج يميني تصفوي عندما يقول بأن لليهود الحق في المسجد الأقصى واقتحامه، وهي عبارة لم ترد سابقاً على لسان أي مسؤول في تاريخ الحكومات الإسرائيلية، وتعني تماماً بالنسبة للناطق باسم الخارجية الأردنية ووفقاً لبيان صدر منتصف ليلة أمس، الرغبة في تكريس خطة التقاسم الزماني والمكاني التي تهدد بعودة العنف بطبعه الديني للمنطقة، على حد تعبير البيان.
خطة واضحة لليمين
في الخلاصة، ما يجري أو ما جرى خلال يومي الثلاثاء والأربعاء، لا علاقة له بمواجهات عادية وانتهاكات عادية لا للمسجد الأقصى ولا لمقدسات القدس ولا للوصاية الهاشمية، بقدر ما له علاقة مباشرة بخطة واضحة الملامح لليمين الإسرائيلي قوامها تحدي الأردن مجدداً. وحصراً في مقولته المعروفة بعنوان تغيير الوضع القائم، والحديث هنا بوضوح عن خطة التقاسم الزماني والمكاني لأنها الخطة التي ستؤدي إلى تغيير الأمر الواقع والتاريخي وعبارة تغيير الأمر الواقع والتاريخي هي العبارة التي تعني تقويض الوصاية الأردنية والمساس بالدور الأردني، وسبق لعمان أن رفضتها إبان عهد حكومة بنيامين نتنياهو السابقة. والخلاصة نفسها واضحة الملامح سياسياً على الأقل، وهي أن الوزير بن غفير اليميني المتطرف يتحدى الوصاية الأردنية وبصورة علنية، فلم يسبق لأي مسؤول إسرائيلي عملياً أن اعتبر اقتحام المسجد الأقصى من حقوق اليهود. وهو أمر قرع جرس الإنذار وبشدة مساء الأربعاء حتى فجر الخميس في غرفة العمليات الدبلوماسية التي أدارتها الخارجية الأردنية بهدف المتابعة والاستدراك.
ضغط بن غفير ورفاقه ونتنياهو الذي وفر له المظلة، أصبح في مرحلة حرجة جداً على الأردن ودوره.
وما حصل خلال اليومين الماضيين في باحات المسجد الأقصى ورغم انسحاب قوات الاحتلال إلى الأبواب من ساحات المصليات بعد تدنيسها بطريقة غير مسبوقة، يعني بأن الضغط وصل إلى نقطة اللاعودة وأن الأردن قد يكون مضطراً قريباً لاتخاذ خطوة دبلوماسية من الطراز الذي يردع حكومة اليمين الإسرائيلي أو يسعى لردعها.
وهي خطوة تقول المصادر إنها لا تقل عن استدعاء السفير الأردني في تل أبيب والذي قاطع إفطاراً رسمياً بهدف توصيل رسالة للإسرائيليين مؤخراً دعت له الحكومة الإسرائيلية. وهذه الخطوة يفترض أن يلتقطها الطرف الآخر، وفي حالة عدم التقاطها قد تلجأ الحكومة الأردنية إلى تنفيذ توصية مجلس النواب بطرد السفير الإسرائيلي أو مطالبته بالمغادرة؛ لأن استدعاءه في عهد الحكومة الحالية حصل ثلاث مرات على الأقل، والمرة الرابعة لا يبدو أنها منتجة، خصوصاً أن بن غفير وقوات الاحتلال يقدمون يومياً المزيد من الأدلة الإضافية على أن ما يجري هو منهجية حسم لكل الملفات؛ بمعنى أن الوزير المعني بالأمن الداخلي الإسرائيلي يعلنها صراحة تحت عنوان حق اليهود في المسجد الأقصى وليس فقط زيارة حائط المبكى وفقاً لكل البروتوكولات المتفق عليها بين الأردنيين والإسرائيليين منذ عام 2015. لذا، تقرأ الممارسات التي حصلت خلال اليومين الماضيين بكل وضوح في هذا السياق، الأمر الذي يبرر انعقاد غرفة الطوارئ الدبلوماسية الأردنية وإجراء عدة اتصالات مكثفة مع كل الأطراف، بما فيها دوائر الأمن القومي في مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والأطراف العربية، مع العلم المسبق بأن المجتمع الدولي لا يملك فسحة من الوقت والآليات التي تمكنه من إحداث فارق استجابة لأي ضغط أردني.
ومع العلم المسبق بأن الاستعانة باجتماع طارئ لمجلس الجامعة العربية لن يقود إلى شيء، فيما تلعب الدبلوماسية الأردنية بورقة إضافية على أمل أن تنتبه بقية الأطراف، وهي مراسلة الصين والإمارات، وكلتاهما عضوان في مجلس الأمن، والضغط عليهما لعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي تحت عنوان الانتهاكات في المسجد الأقصى.
«ذبح قرابين»
في الأثناء، يتحدث بن غفير عن ذبح قرابين لاحقاً، وهي خطوة حذرت منها المقاومة الإسلامية الفلسطينية، وذبح القرابين بعد تلاوة التراتيل التلمودية في باحات المسجد الأقصى وبعد مشاهدة جنود الاحتلال بأحذيتهم وبساطيرهم وبهراواتهم، هي خطوة تصعيدية إضافية على طريق فرض التقاسم الزماني والمكاني في إطار خطوات منهجية لبن غفير ورفاقه على الأرجح تحت عنوان حسم ملف القدس والمسجد الأقصى.
يضاف إلى ذلك الصور المؤذية التي تم ترويجها على نطاق واسع وسط منصات الأردنيين وتتضمن اعتداءات وحشية على المعتكفات والنساء وتصوير عشرات الشباب وهم مقيدو الأيدي على سجاد المسجد، وهو نفسه السجاد الذي تفرشه وتشرف عليه لجنة أردنية تدعي لجنة القدس. بكل حال، يضاف إلى ذلك وإلى سجل الانتهاكات استخدام الرصاص المطاطي أيضاً لأول مرة في باحات المسجد الأقصى، ما يعني بأن الرسائل الإسرائيلية باتت أكثر وضوحاً.
لذا، يقترب الأردن ولو ببطء شديد من الاستحقاق الذي لا بد عنه، فالوصاية الهاشمية قيد التهشيم، والإسرائيلي واضح تماماً أنه يريد إخراجها من سياقها ودفع الأردن للقبول قسراً بفكرة التقسيم الزماني والمكاني. كيف تتصرف عمان إزاء هذا التحدي الكبير؟ هذا هو السؤال المطروح الآن بدون إجابه واضحة الملامح.
القدس العربي