الوطن يُبنى بالتقوى الوطنية وليس بالتهريج السياسي والإعلامي..



أحوالنا وحالنا أصبحا مثل صندوق الفرجة ، فيما صناع القرارات الممسكين على ارواحنا قبل مفاصل الدولة المتعددة ، لا نسمع منهم سوى جعجعة من دون طحين ، ونرى لهم إستعراضات إعلامية في كل مناسبة رسمية او إجتماعية تدخل في باب الهرج والمرج التي لا طائل منه ، حيث  يفتعلونها اعتقاداً منهم أنها ستخرق عتمة الأزمات المتناسلة أو أنها ستبدّد القلق عند المواطن من تفاقم الأوضاع عنده وعلى المستويات كافة.

صورة المشهد الداخلي في زمن التردي تعود لأسباب في معظمها داخلية وعلى رأسها سياسة الهروب إلى الأمام ، وعدم إيجاد الحلول لقضايا الوطن ، وليست خارجية كما يروّج البعض , وليست مؤامرة كونية كادها الأعداء ، فمنذ اكثر من عشرين عاماً والشعب يتألم والوطن يعاني والمؤسسات تتآكل والثروات تسرق والموارد تٌستنزف والشباب يهاجر والرجال تبكي والامهات تذوي كالشمعة والحزن ينساب لوعة ودمعة.. سرقات وسمسرات واحتكارات لم تبق ولم تذر ، وحياة الاسرة الاردنية في انزلاق نحو قعر الهاوية ووضعها المعيشي يزداد تدهوراً ، بينما نجد البعض ممن يتحكمون بمفاصل مؤسسات القرار يقولون إن صرخات الناس مبالغ فيها , دون أن يتحدثوا عن أن الفاسدين الذين لم يتركوا قرشا إلا والتهموه دون ان يفسحوا المجال للشعب أن يلتقط أنفاسه ، لا بل سمموا البلد بأنفاسهم الكريهة وجشعهم وتكالبهم البغيض ، فكان إجتماع رأس المال مع أصحاب النفوذ في السلطة ، هوعنوان الفساد الأعظم وهو من تسبب بكل ما ذكرناه سابقاً ، فأخذ البلاد الى طريق أبعد بكثيرعما تتناقله وسائل الاعلام الرسمية حول خطط الاصلاح..   

ان تداعيات سياسة الهروب الى الامام وضعت البلاد من جديد امامَ تفاقم أزمة الثقة بين الدولة برمتها وبين الشعب ، الذي لم يعد يثق بكل ما هو صادرعن الحكومة ، او عن مجلس النواب ، أوعن الجهات الرسمية الاخرى .. فقد وضعت سياسة الهروب الى الامام الشعب بين السيء والأسوأ ، حيث غابت الحلول الاقتصادية والاجتماعية ، وترك المواطن يواجه مصيره في ظل معارك متعددة واحتياجات يومية قاهرة .

 إن ما نشاهده من حملات إعلامية واسعة عبر مؤسسات الاعلام الرسمي ، وإعلانية تملأ الشوارع والحارات والأزقة ، تنفذها الهيئة المسقلة للانتخابات ، والقائمة على ضرورة الانتساب للأحزاب وأهمية العمل الحزبي في حياة المجتمع وتطوره ، وكذلك اهمية المشاركة في الانتخابات لصناعة القرار الخاص بحياة الانسان ومستقبله ، تتناقض مع ما يجري على المقلب الاخر من الصورة الواقعية التي يعيشها المواطن سواء على صعيد ما يتعرض له الشباب المحتجزة حريتهم الآن وخاصة ما يجري مع حمد الخرشه ، وكذلك عدم الإفساح للقوى المناهضة للكيان الصهيوني بالعمل السلميّ وخاصة التظاهر أمام سفارة الكيان الصهيوني مباشرة "وليس كما يحدث الان السماح بالتظاهرعند مسجد الكالوتي البعيد عن السفارة" ودون تقييد هذه الخطوات ، وكذلك على صعيد الجامعات او في الاعلام او حتى في الاحزاب اليسارية او القومية او الاحزاب ذات الصيغة المستقلة لتجمع المعارضين ، حيث يتم التضييق على كل منتسب لهذه الاحزاب ، بل ان ما نسمعه يوميا عن ممارسات تقوم بها بعض الجامعات لمنع الطلاب من التعبير عن آرائهم في بعض القضايا المحلية او القومية يثير الاستغراب والاستهجان، حيث أن جلالة الملك كان قد طالب الطلاب بضرورة ممارسة حقهم بالعمل السياسي ، وهو أيضا ما أكد عليه جلالة الملك في الاوراق النقاشية ، وحق التعبير مكفول دستورياً بنص المادة 15/1 من الدستور ، وبالتالي نسأل من هو أو هي الجهة التي تخالف توجهات جلالة الملك القائمة على إصلاح الاوضاع في البلاد ؟ وهل ما جرى في بعض الجامعات بحق الطلاب المتضامنين مع الفلسطينيين والقدس والمسجد الاقصى ، يدخل في باب منع الحريات من وجهة نظر وزير التعليم العالي ؟ ،،  وكيف سيكون رده على ما ورد في بيان الحركة الطلابية في الجامعات من تصرفات الحرس الجامعي وموظفي عمادات شؤون الطلبة في بعض الجامعات ؟.

ان استحقاقات الوطن وتنمية موارده والحفاظ عليها ، يجب أن تبنى على قاعدة عدم  التمييز بين الاردنيين جهويا او شلليا او مناطقيا في الحصول على اية مكتسبات تمنح من الدولة ، وأن تكون الصيغة المعتمدة مع الاردنيين ان لا فرق بين أردني وأردني الا بالتقوى الوطنية في دولة يكون مبتدؤها ديمقراطية وخبرها دولة لكل الاردنيين ...  فالمؤكد ان خطط الاصلاح والتنمية لا يمنع من تنفيذها طلاب أو أصحاب آراء مختلفة عن ما يطرح من آراء من قبل القابضين على القرارات ، وايضا لا تصنعها نيابة تم تركيبها في ليلة ظلماء .... تركيبة ليس لديها قاعدة شعبية حقيقية ، ولا يصنعها وزراء سقطوا على رقاب المواطن من كل حدب وصوب ، ولا أمناء عامّين أو مدراء دفعت بهم اليد الخفية الى هذا الموقع أو ذاك على قاعدة تقسيم الكعكة بحسب المصالح ، ولا تصنعها رياح التمنيات التي تهب من حين الى آخر ، فالأوطان لن تبنى أو تنهض بالتمنيات او من خلال تحليل بعض المحللين السياسين الفاشلين والانتهازيين ، أو بعض من الاعلاميين منتحلي الصفة ، او بعض المسؤولين السابقين الذين تحوم حولَهم الشبهات… وأصناف أخرى كثيرة من المشعوذين والمهرجين السياسيين ، بل من خلال الشرفاء الكثر في صفوف الشعب ، والناشطون في الشأن العام من مختلف الاتجاهات والمشارب ، وهؤلاء وحدَهم من يليقون بالاردن وهم من يبنون المستقبل الاجمل له ، ولا يجب أن يكون مكانهم السجون والمعتقلات...  فمن يعلّق الجرس..؟.