الفريق الركن المتقاعد موسى العدوان يكتب عن ذكرياته في عيد القوات الخاصة

 


كتب الفريق الركن المتقاعد موسى العدوان  -  تعود بي الذكرى هذا اليوم الموافق 22 نيسان إلى ما يزيد على أربعة عقود ماضية، عندما كان الملك حسين طيب الله ثراه، يبارك للقوات الخاصة بحضوره السامي في عيد تشكيلها. ففي ذلك اليوم كنت أحرص على إجراء احتفال مهيب، يحضره بمعية جلالته عدد كبير من المدعوين المدنيين الرسميين ووجهاء العشائر وكبار العسكريين.  

وخلال تشرفي بقيادة تلك التشكيلة المميزة لمدة سنتين ونصف، أقمت خلالهما احتفالين تحت رعاية جلالته، أحدهما في عام 1981 والثاني في عام 1982. وكنت أحاول خلالهما، على أن لا يكون ذلك العيد مناسبة للدبكات والأهازيج وتناول الطعام. بل كنت أركّز على أن يُبرز الاحتفال نماذج من مهارات القوات الخاصة، التي قد تسند إليها في العمليات العسكرية، ويُظهر أيضا دروسا تعليمية للضباط والأفراد الأحداث.

ففي احتفال عام 1981 كنت قد اخترت له موقعا، تتوفر به الأشجار الحرجية المعمّرة والجبال والأودية، فكانت تلك في منطقة العالوك التابعة لمحافظة الزرقاء. كانت إحدى فقرات الاحتفال تمثل مهاجمة موقع معادٍ بالطائرات العمودية. وقد وفر لي قائد سلاح الجو الملكي في حينه اللواء المهندس تيسير زعرور رحمه الله، رفّا من 3 طائرات عمودية نوع سيكورسكي. وطلبت بإصرار أن يكون قائد ذلك الرف النقيب الطيار جمال حميد، لما عرفت عنه من جرأة وحب للمغامرة.

وقبل بضعة أيام من موعد الاحتفال الرسمي، أردت أن أجري بروفات لجميع النشاطات الموضوعة على البرنامج. وعليه قررت أن أجري بروفة على الطيران المنخفض، بين الأودية بالطائرات الثلاث دون جنود، لكي نعلّم الطيارين كيفية تجنب كشفهم من قبل رادارات العدو عند العمل الحقيقي، وتمت التجربة الأولى بصورة مرضية. ولكن قائد الرف اقترح عليّ أن نعيد التجربة في نفس المسار، ولكن بطيران أقل ارتفاعا من سابقه فوق سطح الأرض زيادة في الاحتراف.

وخلال الطيران بين الأودية، اصطدمت إحدى شفرات المروحة الرئيسية للطائرة القائدة التي أركبها بأغصان شجرة بلوط، كانت مزروعة على حافة الوادي. عندها اختل توازن الطائرة وبدأت تترنح في طيرانها إلى أن سقطت بنا في طرف الوادي، وانغرست عجلاتها في الأرض لما يزيد عن نصف متر،  وتكسّر الزجاج السفلي على جانبي الطائرة من الأمام. 

في هذه اللحظات كنت أنا والطيار النقيب جمال ومساعده الملازم الأول الطيار بركات المومني، نتوقع احتراق أو انفجار الطائرة بنا ولكن لم يحدث ذلك لحسن الحظ، فهُرع إلينا الضباط والجنود المتواجدين في الموقع، وفتحوا أبواب الطائرة لنخرج منها سريعا قبل وقوع جديد. واصلنا التدريب في الأيام اللاحقة، وجري الاحتفال تحت الرعاية الملكية وبحضور جميع المدعوين، في تاريخه المحدد وكما خطط له. ثم جرى تكريم أبناء شهداء القوات الخاصة، واختتم الاحتفال بقصيدة للشاعر حيدر محمود، كان مطلعها:  

ربع الطواقي الحمر يا نوارة القبيلة * *
 يا شامة ع خد من أحب يا جديلة
                                             *     *     *

أما في الاحتفال الثاني عام 1982، فقد اخترت موقعه على الضفة الجنوبية لسد الملك طلال، لإبراز دروس عسكرية جديدة. كانت فقرات الاحتفال تتضمن العمليات التالية : عملية هجوم محمولة بالطائرات العمودية على هدف معادٍ خارج الحدود، عملية تسلل بحرية بالقوارب ومهاجمة هدف على الضفة الأخرى لمانع مائي، عملية إنقاذ من القوارب بالطائرة العمودية للمجموعة المهاجمة، مباريات بين الكتائب في الرماية على أهداف صغرى (صحون حديدية )، عرض لفريق للقتال بالأيدي ( تايكواندو )، عرض للهبوط بالمظلات من قبل فريق القفز الحر، تكريم أبناء شهداء القوات الخاصة من قبل جلالته، وأخيرا قصيدة للشاعر حيدر محمود تتغنى بالقدس وشوق الحسين لتحريرها، أقتطف منها الأبيات التالية : 

يا حبيبَ القُدْسً، نادَتْكَ القًبابُ * *  والمحاريبُ.. فقد طالَ الغيـــاب

إنّهــــــا قُــــرَّةُ عَـــيْــنَـــيْكَ، وفـــــي** 
 زًنْدًكَ الوَشْمُ، وللكّفً الخًضابُ

الأحبّاءُ علـــــى العَـــــــهْدً الـــذي  * *  قَطَعوهُ.. والهوى بَعْدُ.. شبابْ

رَسْمُكَ الغالي.. علــى أهْدابًهًم  * *  
رايةّ.. واسْمُكَ سيفّ وَكًتــابُ

وهُـــــمُ الأهْـــلُ، فيــا فارًسَهُــمْ * *  أسْرجً المُهْرَ، يُطاوًعْكَ الرّكابُ

وَيَسًــــرْ خَلْفَــكَ بَحْــــرّ هائــــــجّ * *  يَفْتدي الأقصى.. وأَمْواجّ غًصابُ

 تلك التشكيلة المميزة من قواتنا المسلحة، التي كان يشرّفها الحسين بحضوره الكريم في عيد تشكيلها كل عام، كانت تضم كتائب المظليين : 71، 81، 91، والكتيبة الخاصة 101 ( ومن ضمنها أول فريق لمكافحة الإرهاب في الأردن ). وكذلك قيادة القوات، ومدرسة القوات الخاصة، وقسم هنجر المظليين الذي يقوم بتقفيز المظليين من الطائرات، ثم يعيد طوي المظلات المستعملة، ليتم استخدامها في التدريبات اللاحقة. 

ولكن مع الأسف . . أختفى اسم القوات الخاصة، ذلك الاسم الذي كان له وقع خاص يدل على الروح المعنوية العالية والاعتزاز بتلك التشكيلة من قواتنا المسلحة، فتغنت بها نشميات الأردن، وتمنى الشباب من المدنيين ومن العسكريين في ذلك الحين الانضمام إليها، ليرتدوا لباسها المموه، ويزيّنوا هاماتهم بالبيريه الحمراء، رمز الرجولة والفداء وحب الوطن. لقد اختفى اسم القوات الخاصة، ليظهر بدلا منه أسماء : العمليات الخاصة، ثم مجموعة العمليات الخاصة، وأخيرا لواء الشيخ محمد بن زايد.

وفي هذا اليوم بذكرى عيد القوات الخاصة السابقة، أتقدم بالمباركة لكل من كان عضوا بها في ذلك الحين وما زال حيا، وأترحم على الشهداء والمتوفين منهم، كما أتقدم بالعرفان والتقدير لمن كان لهم دور في تأسيس تلك التشكيلة المميزة، التي كانت مفّخرة القوات المسلحة، كما غيرها من تشكيلات قواتنا المسلحة.