الجامعة العربية.. ديكور !



لو كانت جامعة الدول العربية بصحة وعافية ، لكانت المبادرة لإطفاء الأزمات والخلافات الداخلية التي تقع في أي قطر عضو بالجامعة ، سواء كانت ذات طابع سياسي حاد أو أمني – عسكري، وبدا عجز الجامعة واضحا وأنها مجرد ديكور، قراراتها خاضعة لموازين القوى منذ عام 1990 ، قبل وبعد دخول العراق الكويت ، وكانت تلك شرارة أشعلت حرائق هائلة في جسد الأمة ، ثم أعقبها الغزو الاميركي للعراق عام 2003 ، وتمخض عنهما نتائج كارثية لا تزال تداعياتها تتفاعل حتى اليوم ولسنوات قادمة .

فشلت الجامعة بالتدخل لتسوية الخلافات والحروب الأهلية ، التي وقعت في عديد الأقطار ، مثل اليمن وسوريا والعراق وليبيا ، وفي تسوية الخلافات بين الأطراف السياسية اللبنانية ، وكان حصاد تلك الأزمات آلاف الأرواح فضلا عن النتائج الاقتصادية الكارثية ،وكان بديل عجز الجامعة التدخل الخارجي على الصعيدين العسكري والسياسي !

وها نشهد منذ بضعة أيام أزمة دموية داخل السودان الشقيق، تهدد هذا البلد بمزيد من الحرائق ، والخطورة هذه المرة أن القتال اشتعل بين العسكريين ، بدل أن تكون مسؤولية وواجب كل من هم في السلك العسكري ضباطا وأفرادا حماية الوطن من الخطر الخارجي .

تقع هذه الأزمة بعد نحو أربع سنوات من إطاحة الجيش مدعوما باحتجاجات شعبية واسعة بنظام الرئيس السابق الجنرال عمر البشير ، الذي استولى على السلطة عام 1989 بانقلاب عسكري ، لكن حتى النظام "الهجين" الذي خلف نظام البشير ، كان صيغة هشة تكونت من مدنيين وعسكريين ، تخللها قيام رئيس المجلس العسكري عبد الفتاح البرهان في 25 تشرين الأول 2021، بانقلاب ناعم سمي "عملية تصحيحية " ، وفرض إجراءات استثنائية منها حل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين وإعلان حالة الطوارئ.

وخلال هذه السنوات المضطربة انزلق النظام الجديد ، بصورة غير مبررة للتطبيع من دولة الاحتلال الصهيوني، بعد أن كانت مواقف الشعب السوداني دائما داعمة لقضية الشعب الفلسطيني العادلة .

وفي 8 كانون الثاني/ يناير 2023، انطلقت عملية سياسية بين الموقعين على "الاتفاق الإطاري" في 5 كانون الأول/ ديسمبر 2022، وهم مجلس السيادة العسكري الحاكم وقوى مدنية أبرزها "الحرية والتغيير ـ المجلس المركزي"، بهدف التوصل إلى اتفاق يحل الأزمة السياسية.

والصراع العسكري المشتعل منذ عدة أيام ، بين الجيش الذي يتزعمه البرهان وقوات "الدعم السريع" التي يقودها محمد حمدان المعروف بـ"حميدتي"، بعد خلافات بينهما تتعلق بتنفيذ الاتفاق الإطاري عرقلت توقيع الاتفاق النهائي للعملية السياسية ، الذي كان مقررا في 5 نيسان/ أبريل الجاري .

والواقع أن جوهر الخلافات يتعلق بالنزاع على السلطة، فكلا الطرفين يحاول انتزاع صلاحيات أكبر ، خاصة وان قوات "الدعم السريع" قوة مقاتلة هي أقرب الى الميليشيات ، وهي خارجة عن سيطرة الجيش وتابعة لجهاز الأمن والمخابرات ، ويعُدّ أفرادها بعشرات الآلاف.

وعنوان الخلاف بين الطرفين هو دمج قوات الدعم السريع في الجيش ضمن "الإصلاح الأمني والعسكري"، إذ يطالب الجيش بعملية دمج تستغرق عامين، بينما يطالب "الدعم السريع" بأكثر من 10 سنوات .

وسط هذا الصراع بين العسكريين تبدو القوة السياسية المدنية مغلوبة على أمرها ، خاصة الموقعة على "الاتفاق الإطاري" وعلى رأسها "الحرية والتغيير - المجلس المركزي" ولا تجد خيارا سوى دعوة الطرفين للتهدئة .

theban100@gmail.com