باسم عيسى.. رجلُ وحدة الظّل والتصنيع العسكري
رجلٌ أفنى حياته في الجهاد والمقاومة والسلاح والتصنيع العسكري للمقاومة، لا سيما الجناح العسكري كتائب القسام، تشهد له ميادين المقاومة والثغور، طاف مدن الوطن ليُذيق الاحتلال من ويلاته في كل بقعة، يعرفه العدو جيدا، مقاتلا صنديدا لا يخشى صولات القتال، إنه رجل الظل وقائد لواء غزة في كتائب الشهيد عز الدين القسام الشهيد القائد باسم عيسى "أبو عماد".
مسيرة وتاريخ القائد باسم عيسى كانت زاخرة بالتضحية والعطاء والإيمان بمشروع التحرير بتنفيذه وإشرافه على العديد من العمليات النوعية والكبيرة أبرزها عملية مسجد مصعب بن عمير مع الشهيد القائد عماد عقل.
ويوافق اليوم الذكرى الثانية لاستشهاد أبو عماد إثر عملية اغتيال جبانة نفذتها طائرات الاحتلال خلال معركة "سيف القدس" ارتقى على إثرها مع عدد من رفاقه المجاهدين.
ميلاد قائد
ولد القائد باسم صبحي شعبان عيسى في مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة في السادس والعشرين من فبراير عام 1965م، لعائلة فلسطينية مجاهدة تعود أصولها إلى قرية حمامة المُهجَّرة قضاء عسقلان، ونشأ بين أحضانها على طريق الصلاح وحب الجهاد والوطن.
أنهى أبو عماد دراسته الابتدائية والإعدادية، وبعد تخرجه من الثانوية العامة نال درجة الدبلوم في التربية، ثم درجة البكالوريوس في إدارة الأعمال، إلى جانب حصوله على درجة البكالوريوس في العلوم العسكرية من أكاديمية فلسطين العسكرية في قطاع غزة.
في صفوف المقاومة
التحق أبو عماد مبكراً في صفوف حركة المقاومة الإسلامية "حماس" وجماعة الإخوان المسلمين، وكان للشيخ المؤسس أحمد ياسين والشيخ المجاهد عبد الله عزام الأثر الكبير في الالتحاق في صفوف المقاومة.
وما إن جاءت انتفاضة الحجارة عام 1987م إلا وكان القائد باسم عيسى من أوائل الملتحقين في الانتفاضة بفعالياتها الشعبية والجماهيرية، وعُرف خلالها بنشاطه وشجاعته، والتحق بقوات الصاعقة التي شكلتها الحركة في ذلك الوقت، واعتقلته قوات الاحتلال مرات عدة خلال تلك الفترة.
تميز أبو عماد بالجرأة والإقدام، وعُرف عنه الحذر الشديد، الأمر الذي جعله مرشحا للعمل ضمن مجموعات كتائب القسام الأولى، فكان من أوائل الملتحقين بصفوف كتائب الشهيد عز الدين القسام، وعمل ضمن مجموعة الشهيد القائد عماد عقل وشارك معه في العديد من العمليات النوعية.
جهاده
ظهرت شجاعة القائد أبو عماد وثباته وجرأته وقدرته على التخطيط والقيادة خلال العديد من العمليات ضد الاحتلال والتي كان أبرزها عملية مصعب بن عمير التي أسفرت عن مقتل 3 جنود صهاينة واغتنام قطعتي سلاح من نوع M16.
وخلال عملية مصعب بن عمير وهي أول عملية مصورة تنفذها كتائب القسام في سبتمبر عام 1993م، تولى القائد باسم عيسى ضبط إيقاع العملية وأوكلت إليه مهمة الرصد وإعطاء الإشارة التي تحدد قدوم الهدف بالإضافة إلى دوره كقائد لمهمة الانسحاب، الأمر الذي توقف عليه نجاح العملية.
كان أبو عماد أمين السر ورفيق القادة الأوائل، وبرز كأحد مؤسسي مدرسة القتال من نقطة صفر برفقة القائد الشهيد عماد عقل، وصنعا معاً جيلا جديدا نفض غبار الهزيمة عن نفسه وأذاق الاحتلال المُر مراراً وتكراراً.
بعد استشهاد القائد عماد عقل حمل القائد أبو عماد إرثا ثقيلا غير آبه للأثمان الذي سيدفعها، وبذل كل ما يمكن أن يُبذل في سعيه وطريقه لتحرير فلسطين من الاحتلال.
وفي مايو عام 1994م، أوكلت قيادة القسام إلى أبو عماد عدة مهام تتعلق بتدريب بعض من أفراد كتائب القسام في الضفة الغربية المحتلة، حيث درّب كلاً من المجاهدين أكرم القواسمي وحسن النتشة وأيمن الرازم، الذين كان لهم لاحقا دور في عدة عمليات بالضفة المحتلة.
نواة التصنيع
وعلى وقع سلسلة الردود على مجزرة الحرم الإبراهيمي بإشراف الشهيد القائد المهندس يحيى عيّاش الذي تكثفت على إثرها عمليات ملاحقته فانتقل إلى قطاع غزة وكان أول المستقبلين له قائد اللواء الشهيد باسم عيسى.
التقى الشهيد أبو عماد مع المهندس العيّاش بالقائد العام لكتائب القسام محمد الضيف والقائد عدنان الغول، حيث شكلت على إثرها انطلاقة حقيقية لوحدة التصنيع العسكري في كتائب القسام، أفضت إلى إنتاج المواد المتفجرة، وصناعة الجسم الخارجي للقنبلة القسامية التي أضحت لاحقا توازي الصناعة الدولية، وتم إدراجها ضمن التجهيز الأساسي لمقاتلي القسام.
وخلال فترة وجود المهندس يحيى عياش في قطاع غزة، لاحقت أجهزة السلطة القائد باسم عيسى وحاصرت المنزل الذي يتواجد به وأطلقت عليه النار لتصيبه إصابة خطيرة، ومن ثم تعتقله.
اكتسب أبو عماد خبرة كبيرة في التصنيع العسكري، وقبل اندلاع انتفاضة الأقصى شرع بعدة محاولات للتصنيع من أبرزها قذائف الأنيرجا التي كان أحد أعمدتها، كما عكف برفقة القائد الشهيد عدنان الغول على صناعة مدافع وقذائف الهاون.
عزيمة القائد أبو عماد لم تقف عند هذا الحد بل واصل عمله في التصنيع العسكري، الذي توّج بتصنيع وإنتاج نماذج من سلاح مضاد للدروع مثل: البنا والبدر والبتار وصولا لتصنيع قذائف الياسين كإصدار أول وثانٍ، وغيرها من الصناعات القسامية.
بصمات أبو عماد وعمله الدؤوب كان حاضرا في كل الميادين، حيث كان له سهم في صناعة صواريخ القسام والتي كان آخرها صاروخ العيّاش بعيد المدى والتي استهدفت به كتائب القسام مطار رامون جنوب فلسطين المحتلة في معركة سيف القدس.
رجل الظّل
مسيرة القائد أبو عماد لم تقف حدودها عند التصنيع العسكري، بل كان له سهم في تحرير الأسرى من سجون الاحتلال، حيث أوكلت له مهمة تشكيل وحدة الظّل بعد أسر الجندي الصهيوني جلعاد شاليط في عملية الوهم المتبدد، وكانت مهمتها الاحتفاظ به والتي توّجت لاحقا بصفقة وفاء الأحرار عام2011م، والتي أرغمت فيها المقاومة الاحتلال على الإفراج عن 1050 أسيراً جُلهم من أصحاب الأحكام العالية.
تنقل أبو عماد بين العديد من المهمات والمسؤوليات الكبيرة حتى كُلف بقيادة لواء غزة عام 2008م، وقبيل بدء عدوان الاحتلال على غزة رسم خطة دفاعية ركز فيها على تأمين المراكز الحدودية، وأشرف على متابعتها بأدق التفاصيل، ووقف على حيثيات الميدان وتطوراته في أثناء معركة الفرقان، وأصدر قرارات حاسمة كان لها الأثر البالغ في صد ومنع قوات الاحتلال المتقدمة.
جهادٌ توج بالشهادة
وفي الثاني عشر من مايو عام 2021م، وخلال معركة سيف القدس التي خاضتها المقاومة دفاعا عن القدس وأهلنا في حي الشيخ جراح، ومع بدء المعركة التي أعلنها القائد العام لكتائب القسام المجاهد محمد الضيف، ارتقى الشهيد القائد باسم عيسى برفقة عدد من إخوانه المجاهدين إثر استهداف طائرات الاحتلال الصهيوني المجرمة لمقدرات المقاومة ومواقعها.
رحل القائد الشهيد أبو عماد جسدا، وبقيت بصماته حاضرة، فقد ربى ودرّب وأسس جيلاً مجاهداً قسامياً سيكون له الدور في تحرير فلسطين، والثأر لرجالاتها الأبطال.
صفا