بورصة الاحزاب الاردنية والسباق الى سرايا الدوار الرابع .. ما هي فاعلية الأحزاب السياسية في عملية صنع القرار؟...
ابدأ حديثي مما ادلى به رئيس مجلس مفوضي الهيئة المستقلة للانتخاب بخصوص المهلة المحددة لتوفيق أوضاع الأحزاب السياسية، بعد أن حدد قانون الأحزاب الجديد ، رقم (7) لسنة 2022، مهلة تنتهي في 15 مايو/ أيار 2023، لتصويب أوضاع الأحزاب القائمة واستكمال ترخيص أحزاب جديدة. وبين رئيس الهيئة المستقلة بأن (26) حزبا استكملت طلبات توفيق الأوضاع وعقدت مؤتمرها العام، وحزبا واحدا عقد مؤتمره التأسيسي كحزب جديد مؤكدا بأن الهيئة تعاملت مع كافة المتقدمين بطلبات تأسيس أحزاب سياسية أو توفيق أوضاع وفقا للقانون وبمسافة واحدة دون النظر الى توجهاتها السياسية وذلك حرصا على حيادية الهيئة ونزاهتها.
(1)
توطئة وتقديم
منذ مناداة حزب "الشعب" عام 1927 بتشكيل مجلس نيابي منتخب وحكومة برلمانية، وما تلاه من تشكيل أحزاب يسارية وإسلامية وقومية حتى اليوم "ظلت الأحزاب رهينة الشخصية الواحدة، ولم تخرج من عباءة الفردية" ، .. تُعيد مدخلات العملية السياسية الأردنية منذ شهور بقوة مفهوم إعادة إنتاج النخب وتدويرها، مما يُعد بمراوحة في المكان الذي ما برحته الحياة الحزبية الأردنية منذ الإطاحة بأول حكومة برلمانية منتخبة قبل نحو 67 عاما... وللتذكير وبعجالة فقد استطاعت الاحزاب الاردنية الوصول الى السلطة التنفيذية في العام 1956، - ومع اتساع رقعة المد القومي - اذ حصدت قوى المعارضة اغلبية مقاعد البرلمان ، ونجحت في تأليف حكومة ائتلاف وطني برئاسة سليمان النابلسي، التي حلت في نيسان العام 1957 ومنذ ذلك الوقت بقيت الاحزاب تمارس نشاطها السياسي في الخفية حتى عام 1989 من خلال توجه الدولة بفعل الضغط الشعبي في احداث نيسان وما سمي بثورة الخبز عام 1989 الى النهج الديمقراطي من خلال مجموعه من التغييرات والتحولات السياسية ، قام بها المغفور له الملك الحسين بن طلال رحمة الله رحمة واسعة في طريقه نحو الديمقراطية ، فقد شهدت بلادنا العديد من التغييرات والتحولات السياسية ولفحص وتقييم هذه التغيرات، فيما إذا كانت قد أخذت الطابع الإصلاحي الديمقراطي ، فهل انتهت جهود الدولة الأردنية البيروقراطية التي كانت سائدة حتى عام 1989؟ وما هي فاعلية الأحزاب السياسية الأردنية في عملية صنع القرار؟ جمله من التساؤلات وغيرها تدفعني إلى طرح السؤال الذي يمثل إشكالية عند الكثيرين من المزاولين للعمل السياسي في بلادنا..
على مدار ثمانين عاما، رفعت غابة من الشعارات، والاعلام، واليافطات، وصور الزعماء،وعمت المهرجانات، والمظاهرات أرجاء الوطن، وتزاحمت فيه الخطابات ، والمؤتمرات، والندوات الحزبية، والفكرية، والسياسية والعقائدية، الى أن اصبح لكل حزب او حركة ثورية أميرها، ودستورها، وعلمها، وشعارها، ونشيدها، وثقافتها، وإعلامها الخاص بها ، في حين أصاب معظم هذه الاحزاب الترهل، وأصبحت عبئا ثقيلا على الوطن والشعب على السواء .. إذا كانت غالبية هذه الاحزاب أمام تراجع ونكوص البلد، ولم تستطع هذه الاحزاب ان تمنع التراجع الاقتصادي، أو تقف في وجه الطغمة من ناهبيه ومدمريه ، فما الداعي بعد ذلك الى وجودها ، وبقائها، والاستمرار في نهجها وادائها العقيم؟! .. وانحصرت في فعاليات تشبه الصالونات السياسية، وانتهت إلى مقار فارغة تعتمد على الدعم الحكومي..
بالنظر الى المشاركة الخجولة لهذا الكم من الأحزاب والتي تجاوزت في عددها (50) حزبا قبل تصويب اوضاعها ، وانها الان اصبحت عند كتابة هذه السطور - الاحد 14 مايو / ايار (26) حزبا استكملت طلبات توفيق اوضاعها وعقدت مؤتمرها العام كما اسلفنا (بحسب رئيس مجلس مفوضي الهيئة المستقلة للانتخاب) ، حيث لم يظهر ان بادرت هذه الأحزاب في مجموعها عن المشاركة في المبادرات الهادفة لحل الكثير من قضايا الوطن سواء الساخنة منها او تلك التي تحتاج الى وضع تصورات من شأنها الاسهام بوضع الحلول وعلى سبيل المثال وليس الحصر مشاكل البلاد الاقتصادية والبطالة والأزمات المحيطة في بلادنا ... كما ان الاحزاب لم تحدث تأثيرا في المجتمع الأردني حتى الآن، خاصة على المسرح الأساسي للديمقراطية الذي تمثل بالانتخابات النيابية وانتخابات البلدية واللامركزية..
من الغرابة ان الاحزاب في الاردن تتقدم وتتمدد كلما ارتفع منسوب خطابها الثوري، ، وتتراجع وتتقلص كلما أخذت بعدا قوميا ووطنيا. إذ أنه في كل مرة تريد الاحزاب معالجة مشاكل البلد السياسية، والوطنية ، والإقتصادية، والحياتية، والخدمية، نراها تعالجها من منظار حزبي مأدلج ، او مناطقي بحت . وهذا ما جعل المواطنين غير الحزبيين، أن يشعروا بالاحباط لجهة دور الأحزاب واهدافها ، وفعاليتها ، وصدقيتها ، ما جعل ثقتهم بها تنعدم . لان هذه الاحزاب ، أثبتت عن فشلها الذريع ، وعجزها الفاضح في الدفاع عن حقوق الشعب ، وحمايته، لا سيما في الاوقات الصعبة التي عانى منها الاردنيون..
الا تشعر هذه الاحزاب حتى الان أن رصيدها الشعبي يتٱكل، ونورها يخبو! فعلام الاستمرار إذن في ممارساتها العقيمة ؟! كيف يمكن لاحزاب ان تحقق أهداف الشعب، فيما تحكمها سياسات توريث بين الاصدقاء والمحاسيب واصحاب المنفعة المشتركة!..كيف يمكن لاحزاب عقائدية علمانية، ذات المسار والتاريخ الطويل، ان تحقق اهدافها، في الوقت الذي يتراجع عددها، وانتشارها، ورصيدها الشعبي ، واداؤها مع الايام؟.. ، كيف يمكن لاحزاب ، أن تحاور، وتغطي مروحتها مساحة الوطن ، والشعب الواحد ، وتعبر عن وحدته ، وٱماله؟.. اين منهاج عمل واجندات وبرامج هذه الاحزاب السياسية والاقتصادية والادارية والصحية والتعليمية ..الخ؟.. وهو ما يقودني الى ان الأحزاب القائمة لا تقوم على رؤى إستراتيجية لمستقبل البلاد واتجاهاتها، بل تكتفي بالتركيز على القضايا الجزئية...
(2)
ازمة الأحزاب السياسية الاردنية
تكمن ازمة الأحزاب السياسية الاردنية في محددين رئيسين هما:
1. النضوج التنظيمي والسياسي : لم تصل الاحزاب بعد إلى درجة النضج، وفهم معنى الحزب السياسي في بنيته العميقة، باعتباره ، وبالدرجة الأولى ، مدرسة للتربية السياسية للمواطن، ينخرط فيها ليتدرب على مساهمته في الشأن العام ، وعلى ممارسة حقوقه السياسية الأساسية، ولكن تحقيق هذه المهمة، في صورتها المثلى، ليس بالأمر اليسير في ظل حالة الاضطراب التنظيمي الذي تشهده غالبية الأحزاب ، وحالات الانشقاق التي تعرفها، بالإضافة إلى ما تعرفه من انتقال لناشطيها ، بصورة تذكّرنا بانتقالات لاعبي كرة القدم، وما يزيد المشهد قتامة بناء أحزاب كثيرة على منطق الزعيم الأوحد، ما يجعلها أشبه بالشتات الذي تجمعه المصلحة الآنية، أكثر مما هي تنظيم ذو بنية واضحة وأهداف محددة.. اذن هي "أحزاب أشخاص، يجلس رؤساؤها على الكرسي ولا يتغيرون مع الوقت " ..
2. تهميش الحكومة ممثلا بالدور الرسمي الذي انتهجته الحكومات على اختلاف ازمانها تجاه الاحزاب ، ومن خلال الحديث مع قياديين مخضرمين لبعض الاحزاب والذين بدورهم اشتكوا من تصرف الحكومات المتعاقبة والتي عملت على تشويه صورة الأحزاب في ذهن المواطن تارة من خلال ربط العمل الحزبي بالاعتقالات والملاحقات الأمنية وذلك في فترة الأحكام العرفية في فترة ما قبل عام 1989، وتارة أخرى من خلال تقزيم وتشويه صورة الأحزاب وإظهارها قاصرة عن تقديم ما يمكن أن يرتقي بالوطن والمواطن، وذلك من خلال التضييق عليها وحرمانها من القدرة على التطور والنهوض من خلال قانون الأحزاب وقانون الصوت الواحد ' سيئ الصيت ' الذي ضرب الحياة الحزبية منذ عام 1993 ولغاية 2020 - أي 27 عاماً..
(3)
خلاصة القول:
الإستطلاع الأخير الذي قام عليه مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الاردنية حيث تبين بان 1% فقط من أبناء العينات الوطنية الاردنية سينضمون للأحزاب السياسية فيما أكثر من 83% حسب الدراسة التي أجرتها وانظمتها الجامعة الاردنية عبروا عن قناعتهم بانهم غير مهتمون بالاحزاب ... تلك الأرقام حققت صدى واسع النطاق في اروقة القرار في الاردن ويبدو ان الجهات المختصة المعنية بملف تحديث المنظومة السياسية في البلاد تجاوبت مع توجيهات وأوامر عليا بان تبحث عن هذه الارقام من حيث خلفياتها.
هل حاولت الاحزاب يوما اعادة النظر في فكرها، ونهجها وممارساتها، وادائها، وسلوكها، وأخطائها ، لمعرفة الاسباب الجوهرية التي أدت الى فشلها في تحقيق اهدافها ، والدوافع التي كانت وراء فشلها ، وتراجعها وتفككها ، وانسحاب قيادات واعضاء منها ، والانفصال عنها، وتأسيس احزاب وتكتلات جديدة موازية لها ؟!
كيف يمكن لهذه الاحزاب تنفيذ برامجها ، وتحقيق اهدافها في بلد يعاني من ازمة اقتصادية وترهل اداري كارثي؟! وأين دورها الفعال في ملاحقة مسؤولين إرتكبوا جرائمهم ضد الوطن وأرجعوه خمسين سنة أو أكثر الى الوراء ، نتيجة حكم طغمة ادارت مؤسسات الدولة ومرافقها على طريقتها الخاصة ، وجعلتها في خدمة مصالحها الشخصية، وعلى حساب حقوق الشعب المسكين ؟!
(4)
ختاما ...
تجاه هذا الواقع التعيس من يتحمل المسؤولية؟ إذا كانت المسؤولية في جزئها الاكبر تقع على عاتق الاحزاب على اختلافها، فإن المواطنين ،وبالذات غير الحزبيين ، يتحملون قسطا كبيرا من المسؤولية لجهة التردي الاقتصادي والاداري. إذ أن غالبية الشعب، كما الأحزاب، تحتاج اليوم الى ثورة على ذاتها، لاعادة تهذيب فكرها، ونهجها، وسلوكها ومفاهيمها، وممارساتها من جديد ، بعيدا عن العصبية ، والجهل، والتعصب، والشعبوية، والتحجر والاستعلاء على الاخر..
بعد كل الازمات والكوارث التي حلت بالاردنيين، التي ارتكبها بحقهم مافياويو السلطة، وكانوا العلة والسبب المباشر في سرقتهم وتجويعهم، وافقارهم واذلالهم ، وبعد لامبالاة وحوش المال ، لم يبق أمام الاردنيين سوى حزب واحد للالتفاف حوله ، وهو أحوج ما يكون اليه الشعب اليوم بكل اطيافه ، هو" حزب التجريم والقصاص" حزب يصحح بوصلة الوطن ، لا يعرف الخطوط الحمر، يتجاوز الزعامات والمناطق. لا يخضع لأي جهة خارجية، إنما يتبع ضمير ووجع الناس، حزب له هدف واحد : اقتلاع الطبقة الفاسدة من جذورها والعقاب الصارم لكل الفاسدين الذين اغتالوا الوطن ، ودمروا شعبه، وأذلوه، وغرزوا اليأس في نفوسه..
ما زلنا نكرر أنفسنا وندور في دائرة واحدة ، أحزاب تقوم على أشخاص بعينهم ولا يثق بهم الشعب الأردني، بل ويراهم أساس الداء فكيف سيأتون بالدواء؟.. واللافت للانتباه "ظهور أشخاص لا باع لهم بالعمل السياسي ، ولا تاريخًا سياسياً معروفاً لهم ، وصاروا يقودون أحزاباً ويلتف حولهم المئات ، مدفوعين بمصالحهم وليس بالدفاع عن مصالح فئة معينة "... وفي رأيي ان ما يحدث "تشويها للعمل الحزبي الحقيقي لا أكثر" واخشى انتهاء العديد من أحزاب اليوم "إلى ما انتهى إليه الأولون"..
حفظ الله بلادنا وحماها من كل مكروه، وحفظ الله قيادتها وشعبها، وأدام علينا نعمة الأمن والأمان وزاد من رخائها ونمائها..
عذرا على الاطالة لاهمية الموضوع وتشخيص الواقع والمرحلة..
باحث ومخطط استراتيجي