إعلان جدة .... والتطلعات الشعبية... وتحديات المرحلة القادمة ؟
بعد إختتام قمة جدة التي جاءت في خضم صراع عنوانه أوكرانيا بينما واقع الحال يعكس صراعا بين الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من جهة وروسيا وحلفائها من جهة أخرى بهدف فرض نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب يرث ويقوض نظام القطب الواحد التي مثلته لعقود أمريكا وما شهده من تداعيات ساهمت بزعزعة الإستقرار والسلم والأمن الإقليمي والدولي وما الحرب الدائرة في أوكرانيا إلا مؤشر ودليل على ذلك دون أن نغفل الدعم والإنحياز الأمريكي للكيان الإستعماري الإرهابي الإسرائيلي وإدامة إحتلاله الإستعماري الإحلالي لأراض الدولة الفلسطينية المحتلة والإمعان بإرتكاب جرائمه من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق الشعب الفلسطيني هذا الإنحياز الذي رسخ سياسة العدوان وشرعن تقويض حق الشعب الفلسطيني بالحرية والإستقلال وتقرير المصير خلافا لمبادئ وأهداف وميثاق الأمم المتحدة .
إرتايت من المناسب بهذه المقدمة أن أبدأ المقال قبل الشروع في قراءة لمخرجات البيان الختامي " إعلان جدة " الصادر عن قمة جدة العربية الذي انتظر الشعب العربي مخرجاته .
أهداف القمة :
المتابع للجهود السعودية بالإعداد والتحضير لقمة جدة من العمل على تصفير أو تجميد الخلافات البينية العربية والإقليمية إلى الحرص على رفع مستوى المشاركة للملوك والرؤساء والأمراء إضافة إلى إعتماد الأمير محمد بن سلمان سياسة قائمة على التوازن بالتعامل مع قطبي العالم مما أدى لرفع مستوى التطلعات والتوقعات السياسية والشعبية لأن تكون قمة غير عادية بنتائجها السياسية والإقتصادية والعسكرية والتكنولوجية وبما يؤدي إلى الإنتقال بالواقع العربي من مربع الفرقة إلى مربع الوحدة ومن مربع الضعف إلى مربع القوة ومن مربع التابع إلى مربع الفاعل الشريك الأساس كقطب رئيس في النظام العالمي الجديد قيد التشكيل كي لا يعاني الوطن العربي لعقود قادمة كما عانى ويعاني من تداعيات ونتائج الحربين العالميتين الأولى والثانية بالرغم من محاولات أمريكية لواده قبل ولادته أو تاخيره بقدر الإمكان .
هل نجحت القمة بتحقيق الأهداف المتوخاة ؟ :
نجحت قمة جدة بتحقيق أهدافها من حيث الإعداد وشمولية جدول الأعمال الذي عكسه إعلان جدة وبمشاركة جميع الدول العربية مع عودة سوريا والمشاركة المتميزة للملوك والرؤساء والأمراء في رسالة تقدير للمملكة العربية السعودية ومكانتها الإستراتيجية والريادية بقيادة الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان .
على الرغم من أهمية مضمون ديباجة إعلان جدة إلا أن البيان الختامي عكس إلى حد كبير غياب الإرادة السياسية العليا لدى بعض القيادات بإحداث ثورة عملية على التبعية والضعف والشرذمة وإطلاق شعلة نهضة عربية بمفهومها الشمولي وفق تطلعات الشعب العربي على إمتداد الوطن الكبير باقطاره وما خلو البيان الختامي من آليات عمل تنفيذية للبنود الإحدى عشر وفق برنامج زمني إلا مؤشر لذلك آملا بذات الوقت أن تشكل نتائج اللقاءات الثنائية الجانبية التي شهدتها جدة تاسيسا للعمل المشترك لتجاوز التحديات والمعوقات خلال رئاسة السعودية للقمة الثانية والثلاثين .
أهم تحديات المرحلة القادمة :
هناك تحديات قديمة متجددة وهناك تحديات ماثلة ومن أهمها :
أولا : الإحتلال الإستعماري الإسرائيلي لفلسطين والجولان وسياسته العدوانية التوسعية وكيفية مواجهته بعيدا عن تكرار بيانات الشجب والإستنكار والحث والركون إلى حسن أخلاق الدول النافذة وصاحبة القرار من الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن .
ثانيا : التصدي لمؤامرة القوى الخارجية وادواتها الهادفة إلى تفتيت وتقسيم وزعزعة إستقرار بعض الدول العربية بذرائع وخطابات مختلفة وأهمية المبادرة لإتخاذ إجراءات وسياسات وقائية لإجهاض كافة اشكال المؤامرات والإستهدافات الهادفة للهيمنة على مفاصل القرار العربي والسطو على مقدراته .
ثالثا : الخروج من مربع الإعتماد على إستيراد السلاح إلى مربع صناعته وتطويره .
رابعا : تعزيز التكامل العربي على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والعسكرية وفق خطة موحدة أو توافقية ممنهجة لا تتأثر بالخلافات البيئية القائمة أو الطارئة .
خامسا : تعزيز وحدة ومنعة الجبهات الداخلية وبالتالي منعة وقوة الوطن والأمن القومي العربي من خلال تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان ومحاربة الفقر والبطالة على مستوى الوطن العربي الكبير من خلال وضع سياسة إقتصادية إنتاجية تكاملية ترسخ وتعزز الأمن الإقتصادي الذاتي تحقيقا للتنمية المستدامة .
سادساً : رفع وتطوير مستوى التعليم بمراحله المختلفة والتوسع بإنشاء مؤسسات البحث والتكنولوجيا فلا يعقل أن يبقى الوطن العربي الغني بالعقول والكفاءات والإمكانيات مستوردا للتكنولوجيا أو ناقلا لها فسلاح العلم سيبقى يعلو ولا يعلى عليه .
سابعا : تحديد ثوابت التعامل مع التكتلات والدول الكبرى خاصة وفق المصالح المشتركة وبمدى قرب مواقف تلك الدول والتكتلات من قضايانا ومصالحنا الإستراتيجية ويبقى الموقف من الإحتلال الإستعماري الإسرائيلي العنصري ودعم حقوق الشعب الفلسطيني بالحرية والإستقلال وتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف البوصلة .
التعامل بإرادة جادة مع التحديات أعلاه يتطلب تشكيل غرفة عمليات مشتركة نواتها السعودية وفلسطين والأردن ومصر والجزائر تتولى مهمة الإتصال والتنسيق مع كافة الدول العربية للوقوف على تحدياتها وأولوياتها كمقدمة لإعداد الخطط اللازمة والبرامج اللازمة لتنفيذها بمشاركة من يرغب الإنضمام لأعمال اللجنة من الدول العربية .
اتمنى لرئيس القمة العربية 32 سمو الأمير محمد بن سلمان التوفيق والنجاح بسياسته المتوازنة بالتعامل مع الدول النافذة منطلقا من مصلحة السعودية ونموها وإزدهارها وأمنها اولا ومصلحة الدول العربية وإزدهارها وإستقرارها وأمنها ثانيا .
الشعب الفلسطيني طليعة الشعب العربي يتطلع لقيادة الأمير محمد بن سلمان بالأمل والثقة على بذل كل الجهود عربيا وإسلاميا ودوليا لعزل ومعاقبة سلطات الإحتلال الإستعماري الإسرائيلي العنصري ولتأمين وإدامة الدعم لنضال الشعب الفلسطيني وصموده بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني سياسياً وإقتصاديا وماليا حتى دحر الإحتلال الإستعماري الإسرائيلي العنصري الإرهابي عن أراض الدولة الفلسطينية المحتلة وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه بتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس وتمكين اللاجئين الفلسطينيين من العودة إلى مدنهم وقراهم التي طردوا منها عنوة عام 1948 تنفيذا للقرارات الدولية وإعلاءا لقيم العدالة والحق والمساواة.......؟!
آن الأوان لتوظيف عناصر القوة التي يتمتع بها الوطن العربي الكبير من المكانة الإستراتيجية الجيوسياسية والثروات الطبيعية وغير الطبيعية الدفينة منها والمستثمرة وغيرها من عناصر القوة كسلاح في مواجهة كافة المؤامرات والتحديات التي تستهدف وحدة وأمن وإستقرار الوطن العربي قطريا وقوميا...
لا مكان لضعيف على خارطة العالم بنظامه العالمي سواء الحالي أو الجديد....؟!