المعارضة الوطنية وأهمية وجودها في الدولة ..



 كتب   الفريق المتقاعد موسى العدوان - بما أن دولنا العربية لا تؤمن بضرورة وجود المعارضة الوطنية ندّا لحكوماتها، أرغب أن أذكّر بالقصة التالية، التي حدثت وما زالت تحدث في الدول الديمقراطية، التي تسعى للنهوض والتقدم لشعوبها بين دول العالم.

" في أربعينات القرن الماضي دخل على رئيس وزراء بريطانيا ( ونستون تشرشل ) أحد معاونيه فرحا ومبتهجا، لينقل إليه بشرى إصابة الحزب المعارض، بخسارة كبيرة في صناديق الانتخابات، مما سيقلّص عدد مقاعده في البرلمان. ولكن جاء رد فعل تشرشل على غير ما توقع ذلك المعاون، فقد احتلت الغمّة أسارير رئيس الوزراء وردّ قائلا : هذه نكبة إن حدثت . .

فالديمقراطية هي أساسا قوتنا . . وتكون الديمقراطية بكامل عافيتها، حين تتواجد أمامها معارضة قوية، قادرة على أن تزرع لديها الإحساس باليقظة، والخوف من أي خطأ تقع فيه حكومتها، فتتجه لتصويب أعمالها ورفع قدرتها على النجاح.

نحن حكومة تدير دولة مترامية الأطراف، وتحتاج عيونا تراقب وترشد وتصحّح. أما إذا لم يشاركها منافس قوي يكون ندا لها، فستكون الديمقراطية بحيّرة راكدة ساكنة، فاقدة للتيارات الجارية، ويسهل أن يظهر فيها العفن وفساد المياه. ثم – وهذا هو الأهم – أن الناس حين يشعرون أن الديمقراطية معطّلة بسبب ضعف أحد أهم أركانها، وهي المعارضة الوطنية، يتكوّن لديهم شعور بانعدام الثقة في العملية السياسية برمّتها ".

* * *

التعليق :
كانت هذه حكمة تشرشل الزعيم السياسي المخضرم، والتي استخلصها من خبرته وحنكته، التي مارسها في إدارة دولة ديمقراطية حقيقية هي بريطانيا العظمى، وعرف بأن الرأي يحتاج إلى رأي مخالف، يقود إلى إصلاح سياسي ويؤدي إلى تقدم البلاد ونهضتها.

ومن الجدير بالذكر أن تشرشل بعد أن ترأس الحكومة البريطانية لأول مرة، خلال سنوات الحرب العالمية الثانية من عام 1940 – 1945، ثم ترأسها للمرة الثانية من عام 1951 – 1955، ثم انتقل بعد خروجه من الحكومة إل ليترأس حزب المعارضة لمدة 6 سنوات، لم يُتهم بأنه ضد الدولة.

وهذا ما يبين لنا أهمية وجود المعارضة الوطنية، التي تمثل ظاهرة صحية في البلاد. فهل يقتنع المسؤولون في دولنا العربية، بما فعله رجل دولة سياسي عظيم قبل حوالي ثمانية عقود، ويعملون على الاقتداء به قولا وعملا ؟ أم أن هذه البضاعة يصعب تسويقها في تجارتهم، ويعملون على محاربتها وإجهاضها، بشتى الوسائل والأساليب ؟