فولكسفاغن تسقط عن عرش السيارات الكهربائية في الصين امام منافس محلي



قبل بضعة أيام، أحدث الخبر عن تقدم شركة "بي واي دي" BYD الصينية الغضة العود نسبياً على "فولسفاكن" العريقة في مبيعات السيارات الكهربائية في بلاد "العم ماو"، خضة عالمية كبرى في تلك الصناعة التي تعتبر حاضراً من أقوى مجالات التنافس الصناعي عالمياً. ومن المعلوم أن الصين تحتل المرتبة الأولى في انتاج السيارات الكهربائية عالمياً. ووفق موقع "ستاتيستا" Statista للإحصاءات، يتوقع أن يصل انتاج بكين من السيارات الكهربائية بأنواعها كلها، ما يزيد على الـ13 مليون سيارة، وتليها ألمانيا التي تصنع ما يزيد قليلاً عن 4.4 مليون سيارة. [وتبقى "تيسلا" Tesla الأميركية أكبر شركة مفردة منتجة لذلك النوع من السيارات]. ولم يحل ذلك دون إيلاء الإعلام العالمي اهتماماً كبيراً للخبر المتعلق بشركتي "بي واي دي" الصينية و"فولكسفاغن" الألمانية.

والأرجح أن قوة تلك الضربة الصينية لم تقتصر على أن "واي بي دي" التي تأسست في 1995، التي لم تدخل صناعة السيارات إلا في 2003. إذ يلفت أن الشركة نفسها تعتبر من عملاقة صناعة البطاريات القابلة للشحن، بما في ذلك تلك التي تشغل الهواتف الخليوية. وخلال عشر سنوات تلت انطلاقتها، باتت تلك الشركة تنتج نصف بطاريات الخليوي في العالم، إضافة إلى كونها تحتل المرتبة الرابعة عالمياً في انتاج البطاريات القابلة لإعادة الشحن بأنواعها كافة. وتوضيحاً، تعتبر البطاريات القابلة للشحن النقطة المحورية في صناعة المركبات الكهربائية، بما في ذلك الأنواع الهجينة التي تستعين بالوقود الإحفوري، إضافة إلى طاقة بطارياتها. وبعبارة اخرى، لم يأت التقدم الصيني كأنه صاعقة انقضت من سماء صافية، وفق تعبير مجازي رائج، بل استند إلى تمرس "بي واي دي" بصناعة الطاقة الأساسية التي تحرّك المركبات الكهربائية، ما قد يعني أن تقدمها سيستمر مستقبلاً.

واستكمالاً، يصعب عدم الالتفات إلى ثنية مهمة في المنافسة الشرسة عالمياً ضمن صناعة المركبات الكهربائية، تتمثل في الرقاقات الإلكترونية. وقد دخلت تلك الأدوات الذكية إلى صناعة مركبات النقل الآلية كلها، بتؤدة ثم بتسارع. ولأسباب تقنية يصعب شرحها في هذه السطور، تمتلك الرقاقات الإلكترونية أهمية في المركبات الكهربائية تفوق كثيراً وضعيتها بالنسبة إلى المركبات التي تعمل بالوقود الإحفوري.

ولعله ليس غربياً أن يتبادر إلى الأذهان صورة الصراع الضاري على تايوان التي تحتضن "الشركة التايوانية لصناعة أشباه الموصلات" Taiwanese Semiconductors Manufacturing Company، وهي الصانعة للرقاقات الإلكترونية الأكثر تقدماً والأشد ذكاءاً في العالم. هل تعني تلك المعطيات أن تلك الصناعة الذكية المتقدمة ستؤجج الصراع في تايوان، خصوصاً بين العملاقين الصيني والأميركي؟ هل يحدث العكس، بمعنى أن تعمل شركات الصناعة المتصلة بثورة المعلوماتية والاتصالات المتقدمة، بطرق ربما تؤدي إلى تخفيف ذلك التوتر، وتقليصه إلى تنافس في الأموال والعقول؟ ماذا عن دور نقل التكنولوجيا في ذلك المجال؟ ماذا لو تمكنت الصين بطريقة أو اخرى، من نقل تقنيات "الشركة التايوانية لصناعة أشباه الموصلات" إلى أراضيها؟ الأرجح أن الأسئلة عن تلك الأمور تتكاثر كأنما بلا نهاية.

سباق بسرعة الضوء

في مثل بارز عن اهتمام الإعلام العالمي بخبر تقدم "بي واي دي" على "فولكسفاغن" في سوق الصين للسيارات الكهربائية، أفردت صحيفة "لوموند" الفرنسية مقالاً مطولاً لشرح دلالة ذلك الحدث. وتحت عنوان "صناعة السيارات الألمانية مشلولة أمام الصين"، استهل المقال الفرنسي معالجته للخبر برأي أبداه وولفانغ بورشه، العضو في الهيئة المشرفة على "فولكسفاغن" وحفيد الصناعي الألماني الشهير فرديناند بورشه الذي ابتكر مفهوم "سيارة الشعب" في حينما صنع تلك السيارة التي اشتهرت بإسم "الخنفسة" في 1937، بدعم من زعيم النازية أدولف هتلر.

ووفق بورشه، يشكل إعلان "فولكسفاغن" عن تراجعها عن مكانة الصدارة في السيارات الكهربائية في الصين، خلال الفصل الأول من عام 2023، وتقدم "بي واي دي" إلى المرتبة الأولى، يشكل فاصلاً تاريخياً. وكذلك شدد بورشه على أن الشركة الألمانية لم تكن يوماً أكثر غنىً مما هي عليه الآن، إذ قدرت قيمة أعمالها بـ280 مليار يورو ومداخيلها بـ22.5 مليار يورو، خلال العام المنصرم.

في المقابل، عانت الشركة الألمانية ما يشبه الكابوس المريع، الذي حملته أرقام مبيعاتها للسيارات الكهربائية في الصين، وتراجعها من المرتبة الأولى فيها التي احتلتها طيلة العقدين الماضيين. وزاد في الطين بلة، أن "بي واي دي"، لم تدخل صناعة السيارات إلا في العام 2003.

ويقود ذلك إلى التنبه لثنية اخرى لم يعالجها مقال "لوموند"، تتمثل في أن الشركة الصينية تتولى بنفسها أعمال هندسة المركبات الكهربائية وتصميمها، بدعم من مؤسسات الدولة الصينية.

وفي سياق متصل، لاحظ مقال "لوموند" أن "بي واي دي" استطاعت صنع سيارات كهربائية بنوعية متقدمة وبأسعار مقبولة تقل كثيراً عن أسعار نظيراتها التي تصنعها "فولكسفاغن".

ولعل ذلك يظهر بعداً آخر في صناعة المركبات الكهربائية تتمثّل في السعر النهائي للمنتج عند وصوله إلى المستهلك. وبصورة بديهية، تعين الأسعار التي تكون في متناول شرائح واسعة من الناس.

إذاً، هل ستحصل أمور مشابهة في الأسواق العالمية؟ هل تصبح السيارات الكهربائية الصينية أكثر رواجاً، بفضل تنافسيتها في النوعية، بالإضافة الى رخص أسعارها، على غرار ما حصل مع الصناعية الصينية في السلع اليومية؟ لعله سؤال مفتوح أمام تحدي الزمن.

وفي الإطار نفسه، لفت مقال "لوموند" إلى أن شركة "فولكسفاغن" تعتمد بشكل كبير على الصين حيث تبيع أربعة من كل عشرة سيارات كهربائية تنتجها.

واستكمالاً، رأى المقال أن ذلك الحدث نفسه يحمل رسالة إلى صُنّاع السيارات الألمانية كلهم، بما في ذلك "مرسيدس" و"بي أم دبليو". إذ تعتبر الصين السوق الأولى في مبيع المركبات بأنواعها كلها. ووفق تعبير ساخر في المقال، لقد شرع صُناع المركبات التقليدية العاملة بالوقود، في "اتخاذ هيئة تشبه الديناصورات" ضمن السوق الصينية المستمة بالديناميكية المستمرة. وخلال هذا العام، في "معرض شنغهاي للسيارات"، أحست الشركات الألمانية المنتجة للسيارات التي تهيمن تقليدياً على السوق الصينية، بأنها تتراجع أمام المركبات الجيدة والرخيصة التي تنتجها الشركات المحلية، بما فيها الكهربائية.

ووفق المقال نفسه، تتضمن الأرقام المحملة بالخطر المحدق بشركات المركبات الآلية الألمانية، أن السيارات الكهربائية تشكّل ربع المبيعات الجديدة من تلك السلعة في الصين. ولم تحصل شركات "مرسيدس" و"بي أم دبليو" و"أودي" و"فولكسفاغن"، إلا على خمسة في المئة من سوق السيارات الكهربائية في الصين.

وأخيراً، وفق تعبير المقال، "يستطيع المرء أن يتحدث عن حقبة جديدة".


(إندبندنت العربية)