"باب أمل" أم "كارثة متوقعة"؟.. "قروض الحج" تثير جدلا واسعا في مصر
أعلنت عدد من البنوك الحكومية والخاصة في مصر توفير قروض لأداء فريضة الحج، موضحة أنها وسيلة لمساعدة المواطنين في تحمل تكاليفه المرتفعة.
لكن "قروض الحج" التي أعلنتها هذه البنوك أثارت جدلا في أوساط المجتمع المصري بسبب تخوف البعض من القيمة الكبيرة للقرض ومدى قدرة المواطنين على سدادها، كما خلقت نقاشا دينيا حول شرعية هذا القرض لأداء واحدة من الفرائض الخمس لدى المسلمين.
حلم يداعب البسطاء
قالت سمية عبدالسلام، معلمة متقاعدة، لموقع "الحرة" إن حلمها منذ أعوام عدة هو "أداء فريضة الحج وزيارة بيت الله، ولا تتمنى شيئا آخر سواه"، موضحة أنها تسعى لجمع المال المطلوب منذ سنوات، لكن بسبب الزيادة في الأسعار، أصبح الحلم بعيد المنال.
وأضافت سمية، أرملة ولديها ثلاثة أبناء، أنها رأت إعلانات البنوك كثيرا في الفترة الأخيرة، وبدأت تفكر في الأمر، وبالفعل توجهت إلى أحد البنوك لتستفسر عن القرض، لكنها اكتشفت أن شروطه صعبة.
وتابعت أن أبناءها حذروها من مخاطر هذه القروض، التي قد تصل إلى السجن في حال عدم سدادها، خاصة أن فوائدها تتراوح ما بين 16 في المئة إلى 21 في المئة، وهو أمر مجحف بالنسبة للعديد من المواطنين والموظفين من الطبقة الوسطى.
لكن سمية أوضحت أنها بدأت تشعر ببعض الأمل، لوجود وسيلة تمكنها من أداء فريضة الحج، حتى لو بشروط صعبة، وقالت إن "الدين هو جهاد.. وأنا سأجاهد لأداء الفريضة".
وتشترط أربعة بنوك مصرية، من بينها بنكان إسلاميان، هما "فصيل" و"بركة"، منح القرض لمن يتجاوز عمره 21 عاما بتمويلات تتراوح قيمتها بين 400 ألف جنيه و500 ألف جنيه، أي بما قيمته 12947 دولارا أميركيا، بينما تصل فترة السداد إلى 10 سنوات بفوائد سنوية تبدأ من 16 في المئة وحتى 21 في المئة، وتشترط بعض البنوك أن تكون فترة السداد خلال سنة واحدة فقط.
ويُمنح القرض لفئات مختلفة، من بينهم الموظفون العاملون ومن هم على المعاش التقاعدي، عن طريق تعهد جهة العمل بتحويل الراتب أو المعاش لسداد القسط الشهري للقرض، وفقا لموقع "بنك مصر".
وقال محمد إبراهيم عبادة، موظف متقاعد كان متخصصا بالتأمين، لموقع "الحرة": "أعرف أن القروض حرام، لكن ليس الحرام أيضا هو رفع الأسعار بهذه الطريقة على البسطاء؟ أوليس الحرام هو أن يعمل الإنسان أكثر من 30 عاما وفي نهاية حياته لا يستطيع تحقيق حلمه الوحيد بزيارة بيت الله؟".
وأضاف أنه يرى إعلانات "قروض الحج" في كل مكان، وبعدها شجعه أصدقاؤه في المسجد على التوجه لأحد البنوك والسؤال عن الأمر، ووجدوا أنهم يمكنهم استيفاء الشروط المطلوبة.
لكنه تحدث عن مشكلة واجهها من قبل أبنائه، الذين اعترضوا على الأمر، خوفا من مصير هذه القروض عليهم في حالة وفاته أو مرضه.
وأوضح أنه لن يسمح لأبنائه أن يفرضوا آراءهم عليه، قائلا: "أنا حر، أفعل بمعاشي ما يحلو لي، خاصة أنني زوَّجتهم جميعا ولا يحتاجون إلي، وأنا سأتحمل مشاكلي بنفسي".
قرض محفوف بالمخاطر
وقال الخبير المصرفي، كريم أبو سعدة، لموقع "الحرة" إن هذه القروض لن يتم منحها مباشرة للشخص الذي يرغب في الحج، بل سيدفعها البنك إلى الشركات السياحية العاملة بالحج، على أن يُسدَّد القرض للبنك بفوائده سنويا.
وتحدث أبو سعدة عن مخاطر هذه القروض على المواطنين البسطاء، قائلا إن "البنوك حاليا في مصر تعاني من أزمة كبيرة في الاقتراض بسبب الفوائد المرتفعة، وكوسيلة للربح، ظهرت فكرة قروض الحج مستغلين أحلام المواطنين، خاصة كبار السن، الذين ليسوا على دراية كبيرة بشروط البنوك ومخاطر القروض".
وأوضح الخبير المصرفي أن "البنوك اشترطت في حال تعثر الشخص في سداد القرض، أن يحصل البنك على مرتبه أو معاشه كاملا دون الرجوع إليه، وينطبق هذا الأمر على البنوك الإسلامية والحكومية، التي أوضح أن لا فرق بينها في الشروط".
وحذر أن هذا القرض سيتسبب في أزمة كبيرة لدى المواطنين البسطاء، خاصة لدى كبار السن، بسبب ارتفاع نسبة المخاطرة وتعثر الناس عن السداد، في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية في مصر.
وقال أبو سعدة إن هذه القروض لم تتم دراستها بشكل جيد، لأنه "من الصعب أن يلتزم الموظفون وأصحاب المعاشات بقيمة القرض التي تصل إلى نصف مليون جنيه لمدة 10 سنوات"، مضيفا أنه "في حال تعرض الشخص المقترض إلى مرض ما يحتاج مصاريف كبيرة لعلاجه، كيف سيتحمل نفقات هذه العلاج، خاصة أن البنك سيستولى على معاشه أو راتبه".
وتابع أنه في حالة وفاة المقترض، فستنتقل أعباء هذا القرض إلى أسرته من بعده، وسُيمثل الأمر عبئا كبيرا، خاصة أنه في بعض الحالات تُوقف الحكومة معاش الموظف بعد وفاته.
وأكد أن "قروض الحج" ما هي إلا عبارة عن وسيلة لتحقيق مكاسب للبنوك ولشركات السياحة التي تعثرت في الفترة الأخيرة بسبب ارتفاع تكاليف الحج والعمرة.
وحذر أبو سعدة من التلاعب بهذه الفئة من المواطنين البسطاء في هذا التوقيت الاقتصادي الصعب، لأنهم لن يتحملوا الاستمرار في تسديد هذا القرض أو السجن، وسنرى "حالات كارثية" بسبب هذا الأمر.
وتعاني مصر من أزمة اقتصادية عميقة، مدفوعة بنقص الدولار وخفض قيمة الجنيه المصري ثلاث مرات سابقا، ما تسبب في ارتفاع نسب التضخم إلى أعلى معدلاته منذ أكثر من خمس سنوات، بما يزيد عن 30 في المئة، وفقا لوكالة "بلومبيرغ".
لكن الخبير المصرفي الذي يعمل بأحد البنوك الحكومية، أحمد حسني، قال لموقع "الحرة" إنه ليس هناك داع لتخويف الناس من هذه القروض، لأنها قد تكون ببساطة حلم يسعون إليه طول حياتهم.
وأضاف أنه رغم مخاطر الأمر، إلا أنه قد يشكل "باب أمل" للكثيرين، لكنه نصح الناس بدارسة أوضاعهم جيدا حتى يتجنبوا التعثر.
وأوضح أنه في العديد من دول العالم المتقدم، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، يعيش المواطنون طول حياتهم في تسديد القروض وفوائدها، سواء في التعليم أو شراء سيارات أو منازل.
ورغم اعترافه بأن الفوائد على القروض في مصر مرتفعة بشدة بسبب انخفاض قيمة الجنيه، إلا أنه يعتقد أن البعض قد تتناسب ظروفه مع هذا الوضع.
وطالب حسني بعدم فرض الوصاية المجتمعية والدينية على الناس، لأن ظروف الأشخاص تختلف، مؤكدا أهمية إعطاء مساحة حرية شخصية.
خلاف شرعي
أثار الحديث عن "قروض الحج" بالبنوك تساؤلات بشأن مشروعية أموال الحج وتأدية المناسك من الناحية الشرعية، وسط جدل بدخوله في إطار "الاقتراض الربوي".
وقالت دار الإفتاء المصرية على صفحتها الرسمية على "فيسبوك"، في 2 سبتمبر الماضي، إن تمويل خدمات الحج والعمرة عن طريق البنك بالتقسيط "أمر جائز شرعا"، واشترطت أن تكون القيمة المطلوبة محددة سلفا ويتم الاتفاق فيها بوضوح بين الطرفين على آجال السداد، وفق فتوى صدرت عنها عام 2022.
لكن أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، عبدالكريم محمد سواح، قال لموقع "الحرة" إن الحج فريضة جعلها الله على المستطيع، ولذلك لا ينبغي على الإنسان أن يتكلف لهذه الفريضة" إن لم تكن لديه القدرة المادية، مضيفا "الحج غير واجب عليه، ولا ينبغي أن يقترض لشيء لا يجب عليه".
وتابع: "لا تكلف نفسك أن تقترض وأنت لست واجبا عليك الحج، فالشرط في الحج الاستطاعة سواء بدنيا أو ماديا".
وانتقد سواح السماح لهذه البنوك بـ "التلاعب بمشاعر البسطاء"، لتوريطهم في أمور أكبر من إمكانياتهم وقدراتهم.
وقال الباحث في الشريعة والقانون، أسامة عبدالتواب، لموقع "الحرة" إن فريضة الحج واجبة بشرط القدرة والاستطاعة، استنادا إلى قول الله تعالى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}، وحث غير المستطيعين على عدم إقحام أنفسهم في دائرة الربا، حسب تعبيره.
وأضاف عبدالتواب أن القرض المطروح "ربوي"، وتابع"لا يقبل الله حج من اقترض بالربا، فالله طيب لا يقبل إلا طيبا، والحج فريضة في حق المستطيع، وغير المستطيع تسقط عنه الفريضة".
وأوضح أنه بدلا من أن تسمح الحكومة للبنوك باستغلال أحلام الناس البسيطة، كان من الممكن أن تقدم تخفيضات وتسهيلات للناس، مشيرا إلى أنه حتى القرعات العشوائية السنوية، التي كان تقدمها الحكومة للمواطنين على عدد معين من تأشيرات الحج، تم تعليقها بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية.
الحرة