عن الوزارة والوزير والوظيفة العامة
المؤسف حقا انه لو وضعت عدة أسماء لوزراء في هذه الحكومة أو الحكومات التي سبقتها، ووجهت لهم سؤالا واحدا يتمثل في ما هو أخر كتاب قرأته "معاليك" ، ستكتشف أن هؤلاء الوزراء، بل حتى غالبية ممن هم أدنى منهم رتبة وظيفية لم يقرأوا كتابا واحدا منذ أن غادروا مقاعد الدراسة...!
في العقود السابقة أجزم أن غالبية الوزراء إن لم اقل جميعهم، هم من المثقفين وليس المتعلمين فقط ،وكان للاحزاب العقائدية والجامعات والنقابات دور أساسي في تثقيفهم فكانوا رجال سياسة، ورجال وطن وموقف ورجال دولة ، يتصرفون على قاعدة أن الوطن ملكهم ولهم ،بعكس وزراء الصدفة الذين صادفنا بعضهم خلال العقدين الماضيين والذين يتعاطون مع الوطن وقضايا الناس على قاعدة عقد التأجير، ما أن تنتهي مدة العقد" الايجار" حتى "يخلع" المستأجرالى بيت " وطن" أخر وهكذا......!
في العقود الماضية كان الوزير مثقف يحدثك عن توماس سميث وكتابه " الجمهورية الانجليزية ، أو عن كتاب فرنسيس باكون وما كان يكتب ، وتوماس هوبزالذي كتب عن " عناصر القانون " وكتاب المواطن " وعن الفيلسوف جون لوك ، وجان بول سارتر وجيل دولوز، أو مقدمة إبن خلدون من المدينة الفاضلة ، أو فلسفة ابن رشد التي تعتمد على عدم وجود تعارض بين الدين والفلسفة، وغيرها من الكتب التي يكون هذا الوزير قد إبتاعها في أخر رحلة له خارج الاردن ، نعم كان الوزراء يشترون الكتب بل كانوا يهدون الكتب "للمحبين"، فأين نحن اليوم من وزراء عرفناهم في الماضي... وبعض وزراء العقدين الماضيين؟ ، اين نحن من وزراء كانوا يغرقون في العمل من أجل مصالح الناس والوطن، ووزراء يغرقون في التقاط الصور مع المعجبين والمعجبات من أجل شيء من "الشو الاعلامي " ..؟
قبل أيام جمعتني الصدفة بأحد الوزراء الحاليين ، وكان الحديث عن الوزير وأهمية موقعه في توجيه السياسة العامة للدولة وأنه يستطيع فرض أجنداته السياسية الوطنية الكبرى التي تهم الوطن والمواطن، وتحدثنا عن المرحوم الاستاذ حسين مجلي الذي استقال لانه رفض تمرير مشاريع على حساب الوطن ، وحدثت الوزيرعن حسن خريس وكيف كان يرفض الدخول في الوزارات الا في إطار ما يحمل من افكار،وكذلك عن عبد الله الريماوي وقاسم الريماوي وسعيد العزه ، وعن عبد الحليم النمر وصالح المعشر والحزب الوطني الاشتراكي ورئيسه سليمان النابلسي الذي لم ينجح في الانتخابات لكن زميله عبد الحليم النمر صاحب اعلى الاصوات انتخابيا تنازل له ليكون النابلسي رئيسا للوزراء ، وحدثت الوزيرعن المرحوم الدكتور جمال الشاعر الذي لم يدخل الوزارة "بالرغم من مطالبة وضغوط المرحوم محمد رسول الكيلاني "كما اخبرني الكيلاني شخصيا وايضا جمال الشاعر"، الا مع المرحوم رئيس الوزراء الاسبق الشريف عبد الحميد شرف وذلك لان حكومة الشريف شرف في غالبيتها تكونت من أهل السياسة وأركانها ولديهم فكر ومشروع ، وحدثت الوزير ايضا عن المرحوم حمد الفرحان حيث قلت للوزير"الحالي " إن المرحوم حمد الفرحان استقال بعد ساعات من أداء اليمين الدستورية، فاندهش الرجل وقال من هم هؤلاء الذين تتحدث عنهم ..؟ وهل يعقل ان هناك من يرفض أن يصبح وزيرا أو رئيسا للوزراء في الاردن ...؟ فضحك صاحب المضيف "المعزب" الوزير الاسبق.. وقال له انظر الى جانبك فهذا الرجل "يقصدني " رفض ان يصبح وزيرا في حكومة دولة طاهر المصري ..فاستغرب الوزير الحالي وزاده الامر اندهاشا ...!
شخصيا خضت هذه التجربة والتي أعتقد انني دفعت ثمنها لغاية الان بل وصل الامر أن بناتي يحاربن على قاعدة مواقفي السياسية لغاية الان وهذا شرف لي ، فقد رفضت الدخول بالوزارة بعد أن عرض المرحوم سالم النحاس أن اكون أحد الوزراء في " كوتة "احزاب المعارضة والتي خصص لها" 6" مقاعد في حكومة دولة الاخ الكبير طاهر المصري التي تم تكليفه بتشكيلها في العام 1991 ، حيث رفضت الاحزاب الدخول في الحكومة تخوفا من استحقاقات ما بعد حرب الخليج الثانية ، وخاصة مع بداية الحديث عن إتفاقيات السلام ما بين العرب ودولة الكيان الصهيوني.....ونتيجة للحوارات بين الاحزاب والشخصيات الوطنية الاعضاء في التجمع الديمقراطي والتي تم جزء منها في مكتب سعادة الاخ الكبير عيسى العابد الريموني ، حينما اقترح المرحوم الفريق المتقاعد مشهور حديثة الجازي ان يتم اختيار اشخاص من اعضاء التجمع الديمقراطي من غير اعضاء الاحزاب حيث كان التجمع يضم شخصيات ممثلة للاحزاب وشخصيات وطنية مستقلة وشخصيات قومية ويسارية ، وفعلا بدأ الحديث مع المستقلين وانها منهم ، حيث وجه لي السيدان النحاس والفريق مشهور حديثة الجازي وبحضور السيد عيسى العابد الريموني الدعوة الى ان اصبح وزيرا في حكومة دولة طاهر المصري ، وبالرغم من الموافقة المبدئية ، الا انني في نفس اليوم التقيت الاخ العزيز جميل النمري الذي أطلعني على موقف حزب " حشد" من المشاركة في الحكومة والقائم على انه هناك تخوف من دخول حكومة دولة طاهر المصري من المشاركة في ما يسمى بمشروع السلام تحت الضغوط الامريكية التي مارستها ادارة بوش الاب على الاردن وبلدان عربية اخرى مشيرا الى ان النائب انذاك " بسام حدادين" يتبنى هذا الرأي ، وعندما سألت الصديق الاخ بسام حدادين عن هذا الموقف قال نحن كحزب لن نشارك في الحكومة ، وتستطيع انت المشاركة او الرفض " حينها لم أكن من مؤسسي "حشد " ولكنني انصحك بعدم المشاركة خاصة ان الحزب الشيوعي بقيادة عيسى مدانات لن يشارك في هذه الحكومة ، وفعلا وبعد 48 ساعة اطلعت المرحومين مشهور حديثة الجازي و سالم النحاس على موقفي كما اطلعت دولة طاهر المصري على الموقف ذاته ، وبعد ذلك تم اختيار الذوات اصحاب الدولة والمعالي فيما بعد :وهم دولة علي ابو الراغب ومعالي الاخ ممدوح العبادي ومعالي الاخ صالح ارشيدات ومعالي عبد الكريم الدغمي ومعالي سليم الزعبي ومعالي محمد فارس الطراونه للمشاركة في الحكومة عن التجمع.
وتكررت التجربة مع دولة معروف البخيت الذي عرض ان اكون مديرا عاما لدئرة الشؤون الفلسطينية في العام 2011، خلفا لمعالي الاخ الصديق وجيه العزايزه ، وذلك حينما اتصل بي دولة البخيت مساء طالبا مني ان التقيه في منزله بعد ساعة من الاتصال الهاتفي ، وكنت حينها برفقة مدير عام البريد الاردني انذاك الاخ احمد عبيدات تلبية لدعوة اقامها شقيق زوجته في منطقة ام البساتين ، لكنني رفضت الا اذا تم تغيير اسم الدائرة وان يتم ربطها مباشرة برئيس الوزراء وليس بوزارة الخارجية ، او ان يتم تعيني مستشارا سياسيا ، كما تكرر ذلك مع دولة فايز الطراونة الذي قال وامام معالي الاخ شراري كساب الشخانبة، بعد أن قمت بجهد لتجسير الفجوة بين حكومة الدكتور الطراونة والاحزاب والنقابات بناء على طلب دولة الرئيس وبالتعاون مع معالي الاخ شراري كساب الشخانبة "اطلب ما تريد مني فانا اريدك معي" ، فقلت له يا دولة الرئيس لدي طلب ليس لي ولكن لشخص كلفني صديقي احمد علي عبيدات ان اتدخل لصالحه، وارجو ان تلبي لي هذا الطلب ،وهو متعلق بأمين عام وزارة الاتصالات انذاك الدكتور خالد ذيب اللحام، الذي اقاله او رفض التجديد له الوزير في الحكومة انذاك عاطف التل، وهنا ايضا تدخل معالي الاخ شراري كساب الشخانبة ، راجيا دولة الرئيس ان يحل هذه المشكلة قائلا: لقد تحدثت مع الوزير التل لكنه " حاط اجريه بالحيط "، وفعلا قال دولة المرحوم فايز الطراونة ابشر خلص "بنجيبه" مستشار بالرئاسة ،وفعلا هذا ما تم ، واخبرت مدير عام البريد الاردني السيد أحمد عبيدات بما تم لانه هو من طلب مني التدخل لصالح اللحام ، وقد اندهش حينها انني لم اطلب شيئا لنفسي من دولة المرحوم فايز الطراونة .....
الخلاصة اقول لكل من يعتقدون انهم من خلال المنصب يكتسبون الاحترام... الوطن اهم من كل الوظائف .. والمناصب لا يمكن ان تعطي للانسان الاحترام ،فالتجارب أثبتت أن خدمة الوطن بإخلاص من أي موقع وفي أي موقع كان تعطي للانسان القيمة وليس وليس العكس .. فهل من يتفكر ويتعض ليساهم بقيادة مركب الوطن بكل امانة واخلاص ...
صفحة من مذكراتي بين الإعلام والسياسه، يتبع ................