عن حتمية التنوع و استحالة الالغاء لصالح لون سياسي واحد ..
ما الذي يمنع ان تشهد بلادنا انفراجة سياسية تنهي حالة التوتير و الشحن و التمييز على الهوية السياسية بين ابناء الوطن الذي يحتفل باستقلاله ال ٧٧ ؟
الاردن عاش عقودا من النجاح الاستثنائي في احتواء المعارضة و اصحاب الرأي الاخر ، و رفضْ استعدائهم وشيطنتهم ، عقود تم فيها التعامل معهم كجزء لا يتجزأ من المعادلة الوطنية و فسيفسائها الباهية ، عقود تم فيها التعامل مع المعارضة في سياقات وطنية تثري الحوارات و تعالج الاختلالات وتصوب الاعوجاج اينما وجد .. عقود تم فيها التعامل مع ما يقولونه بمنتهى النضج والايجابية ، فما الذي تغير و لماذا هذا الاقصاء والتهميش والاستعداء لمكون مهم في المجتمع ؟
لماذا تستمر السلطة في سجن النشطاء والسياسيين ؟ ما الذي يمنع تبيض السجون وانهاء هذا الفصل الطارئ من الاستقواء والتنكيل ؟ لماذا تتجاهل السلطة انهم مواطنون لهم حقوق كفلها الدستور ؟ لماذا هذه القسوة غير المبررة وغير المفهومة ؟ ما سر هذا التنمر الرسمي و نحن هنا نتحدث عن نشطاء تجاوزت فترة اعتقالهم و توقيفهم اداريا شهورا دون محاكمات عادلة ؟
لماذا ترفض السلطة اطفاء بؤر التوتر و احتواء الاصوات المعارضة والتعاطي الايجابي معها ؟ على ماذا تراهن وكيف يمكن ان تتعايش مع فكرة ان هناك شرائحا حانقة تزداد احساسا بفقدان الامل و الفرصة جراء هذا النهج الاقصائي غير محسوب النتائج ؟
لماذا تقف السلطة في طريق تأسيس احزاب سياسية تعمل تحت مظلة الدستور والقانون ، وتصادر حق الناس في التنظيم الحزبي ؟ لماذا ترفض عودة نقابة المعلمين ؟ لماذا تتجاهل الاحكام القضائية القطعية بخصوص نقابة المعلمين ؟ كيف يمكن ان نتحدث عن استقلالية القضاء وسيادة القانون عندما ترفض السلطة التنفيذية تطبيق احكام القضاء و تتجاهل قراراته ، وخاصة تلك المتعلقة باخلاء سبيل النشطاء ، الذي يجري نسخها بقرارات يتخذها الحكام الاداريون متكئين على تفسير خاطئ لقانون منع الجرائم ؟
لا يوجد ما يستدعي هذا النزق الرسمي ، وهذا الاقصاء ، وهذا التفرد والاعتقاد باحتكار الحقيقة و الشعور الوطني، قوى المعارضة لم تكن يوما خطرا على نظامنا السياسي ، لم تسعى لزعزعة امن واستقرار دولتنا ، فما هي مسوغات هذا التصعيد غير المفهوم ؟
لا يوجد مجتمع في الدنيا متجانس تماما ، لا توجد دولة ناسها بلون سياسي واحد ، التنوع هو سنة الحياة والمجتمعات ، فلماذا تريد السلطة ان تخالف طبيعة الاشياء و نواميس الحياة ، القوة الغاشمة لا يمكن ان تقهر الفطرة ، لم تنجح اعتى الديكتاتوريات في الكون بهذا السعي ، لماذا يعتقد بعض صناع القرار ان ذلك ممكنا في دولتنا ؟!!
ونحن نحتفي باستقلالنا ، كنا نتوقع ان نشهد انفراجة سياسية ، تعيد الامور الى سياقاتها الطبيعية ، ولكن للاسف هذا لم يحدث ، فهل سنشهد رفعا للقبضة الامنية ، و عودة الى تلك الحالة المتقدمة من التعايش والاحتواء واحترام التنوع ، واستيعاب اصحاب الرأي الاخر والقوى المعارضة لنهج وسياسات وقرارات ليس بالضرورة انها صائبة ولا يأتيها الباطل ..