القطاع الصحي .. هل ننقذه قبل فوات الأوان




يعاني القطاع الصحي في الأردن جملة من التحديات التي باتت واضحة للعيان ، وتنذر بعواقب وخيمة ، فشلت الحكومات المتعاقبة عن مواجهتها والتصدي لها بحلول ناجعة تجنب هذا القطاع الانهيار ، وتمنحة فرصة للنجاة ، للحفاظ على السمعة الطبية المرموقة على المستوى الإقليمي، وليحافظ على مستوى جيد من الخدمة الصحية محليا لابناء الوطن.

ورغم الاجراس العديدة التي تُدق بقوة، منبهة ومحذرة من الواقع المرير الذي آل اليه القطاع الصحي من تراجع، ولا سيما القطاع الصحي العام، وتحديدا وزارة الصحة التي ينتفع من خدماتها حوالي ٦٧ بالمئة من المواطنين، فإن الحكومة تضع في اذن طين والأخرى عجين، ولا تستمع الا لصدى صوتها في واد سحيق، بعيدا عن هموم الناس ومعاناتهم ومصالحم الصحية الحقيقية.

هذا الواقع المرير للقطاع الصحي ، والمخاطر التي تتربصه ، وحالة الانهيار الجلية للعيان ، حدت بمجموعة من ابناء الوطن ، منهم وعلى رأسهم اطباء وصيادلة وصحفيون واعلاميون وكتاب وغيرهم من شرائح المجتمع وفئاته، إلى تشكيل تيار ‐ميدانه مبدئيا - منصات التواصل الاجتماعي ، وأعتقد أن لدى الغالبية العظمى من المنضوين في التيار الرغبة في تأطيره تنظيميا، ليحقق أهدافه وغاياته .

وللحقيقة فإن وجود تيار وطني حر مسؤول منظم موحد الأهداف والغايات يعتبر ضرورة ملحة ، إذ أن قرع الاجراس فرادى دون تنسيق وعمل موحد وبتناغم، لا يحقق اي نتيجة تذكر على طريق اصلاح القطاع الصحي ، وفي حال بقي قرع الاجراس فرديا ، فإن اثرها لا يعدو ان يكون زوبعة في فنجان .

وعلى اي حال، يُظهر النقاش الدائر في اروقة التيار، وعيا عميقا بواقع القطاع الصحي، وتشخيصا دقيقا لحالة القطاع المرضية، وأكاد اجزم بأن التيار يمتلك، بما يتوفر لدى المنضوين في ركبه من مكانة مهنية مرموقه في المجالات المختلفة، وتنوع خبراتهم، وتعدد مشاربهم، واحساسهم الواعي المسؤول تجاه القطاع الصحي ومتلقي خدماته، مقومات تقديم الخطة العلاجية المناسبة .

ولست هنا بصدد الإعلان عن التيار ، فهذه مهمة متروكة ومنوطة بمؤسسيه ، وهم الاقدر والادرى ، بالتوقيت الأنسب والانفع ، اذا ما كانت لديهم الرغبة في الاستمرار بتشكيل التيار واستكمال الخطوات اللازمة لذلك .

وانما أود بشكل رئيس في هذه المقالة ، أن اعيد تسليط الضوء على القطاع الصحي ، وإلقاء حجر في المياه الراكدة، إذ يخشى أن يبقى الملف في الظل ، ورهينا بحدث يحركه الى الواجهة ، وما يلبث أن يخفت الصوت ويتلاشى، إلى حين حدث آخر ، فيما انهيار القطاع مستمر ، فنجد أنفسنا في القاع ، ويصبح عندها الصعود حالة مستعصية .

والحال هذه ، ينبغي ابقاء ملف القطاع الصحي مفتوحا ،ولعل من المناسب ،أن نذكر بأبرز قضايا الملف وأكثرها الحاحا في المرحلة الراهنة، وفي أولى صفحاته نقرأ ، ازمة شهادات الإختصاص من الخارج وذلك وفق قانون المجلس الطبي الأردني رقم (18) لعام 2022 المادة (17/ جـ) ، ولا يخفى التداعيات السلبية ،وحالة الحنق في الوسط الطبي .

وفي الملف الطبي نتصفح افول نجم السياحة العلاجية ، ارتفاع أسعار الادوية مقارنة بدول الجوار ، فقدان الادوية ونقصها في القطاع العام ، وكذلك عدم توفر العديد من الاختصاصات الطبية، نقص الكوادر الطبية والصحية من تمريض وصيدلة ومهن أخرى.

وفي الملف انين مواطنين ممزوج بأنين اطباء جراء الاعداد الكبيرة من المرضى المراجعين للمركز الصحية والمستشفيات التابعة لوزارة الصحة، وطوابير الانتظار الطويل امام العيادات في المستشفيات ، والمواعيد التي تصل لاشهر لمراجعة الأخصائيين وإجراء المداخلات الطبية المختلفة .

وفي الملف الصحي حديث لا ينقطع عن الاخطاء الطبية والتلكؤ في انفاذ قانون المسؤولية الطبية والصحية وتشكيل اللجان وأداء مهامها بالشكل الامثل والوقت المناسب ، وربط العديد من الاطباء بين الاعداد الكبيرة من المرضى الذين يراجعونهم وتضاعف إحتمالية ارتكاب الاخطاء الطبية ، بالتوازي مع غياب البرتوكولات الطبية الراسخة المقره ، التي تتيح تفريقا واضحا دقيقا بين الخطأ والمضاعفة الطبية .

ولعل ابرز القضايا التي تلفت الانتباه في سياق الحديث عن القطاع الصحي ، غياب وزير الصحة ،واختبائه خلف اصبعه ، ومحاولاته البائسة في تسويق إنجازات، ما هي إلا اوهام يكشف زيفها واقع حال مستشفيات الوزارة ومراكزها الصحية التي تئن كوادرها من سوء اوضاعها، قبل انين المستفيدين من خدماتها .

باختصار شديد نحن نقف على فوهة بركان ، مكانه واضح ومعروف في القطاع الصحي ، لكن لا نعرف متى يثور ، ويأخذ في طريقه الأخضر واليابس ، وعلينا أن نتخذ التدابر اللازمة قبل أن يثور البركان ، علما أن مؤشرات ثورانه بينه وحالة الغليان تنبء بذلك .

وعود على بدء ، لا بد من قوى تتحرك بسرعة للتبريد ، وأن لا نستمر في دفن رؤوسنا في الرمال ، ونترك الأمر للقدر والصدفة والتحرك بروح الفزعة ، فالعليق لا ينفع عند الغارة ، وسيبقى السؤال معلقا برسم الاجابة ، هل يولد تيار منظم فاعل قادر على التأثير في الرأي العام للضغط على صناع القرار من أجل الإصلاح والتغيير في القطاع الصحي؟؟ .نأمل ذلك ،وهناك تباشير خير ، ونتمنى أن لا يطول الوقت حتى نتشارك الأمر، ونوقف حالة الانهيار في الوقت المناسب ،قبل فوات الأوان.