اليوم العالمي لعمالة الأطفال.. منظومة وطنية لحماية نواة الأسرة

يتذكر العالم غدا في اليوم العالمي لعمالة الأطفال الذي يصادف في الثاني عشر من حزيران كل عام، حق الأطفال بـ "طفولة تليق بأبدانهم الغضة وعقولهم التي ما تزال في طور التفتح والإزهار".
ففي مثل هذا اليوم من كل عام تنصب جهود العالم على مواجهة عمالة الأطفال التي تأتي حقهم بالتعلم والتربية السليمة واكتساب المعارف والتغذية الصحية وتجنيبهم مخاطر العمل في وقت ما يزالون في طور النمو البدني والفكري، وهو ما تنبه إليه الأردن مبكرا فطور كل تشريعاته واستراتيجياته لمواجهة هذه الظاهرة لضمان طفولة تليق بإنسانيتهم.
وكالة الأنباء الأردنية (بترا) رصدت، ورغم الجهود الوطنية الحثيثة لمكافحة هذه الظاهرة، عددا من مواقع العمل في الزرقاء ومناطق في العاصمة عمان عددا محدودا من الأطفال الذين يعملون في مواقع مهنية وصناعية منهم متسربون من مدارسهم لظروف عديدة، بيد أن تطبيق القانون والعقوبات التي ينص عليها كانت بالمرصاد لأصحاب العمل الذين يسمحون بتشغيل هذه الفئة العمرية.
تقول أستاذة علم الاجتماع وعلم الجريمة بجامعة مؤتة والمحاضرة غير المتفرغة في الجامعة الأردنية الدكتورة مجد القبالين، إن "عمالة الأطفال تهدد سلامة الطفل وصحته النفسية والعقلية والعاطفية والانفعالية، وهي استغلال لضعف الطفل وعدم قدرته على الدفاع عن نفسه وحقوقه وحماية نفسه".
وتضيف، في كثير من الأحيان تكون عمالة الأطفال "ليست تسربا من المدرسة وإنما بسبب الأوضاع الاقتصادية التي تجبر الاسرة على دفع أبنائها الى سوق العمل الذي لا يرحم الطفولة ولا يفهم الا لغة الكسب".
وتشير الى انه من المعروف لدى المتخصصين في علم الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي والمتخصصين في مجال الأسرة والطفولة، أن الطفل يولد صفحة بيضاء وفي أول ست سنوات من حياته تصقل شخصيته من الأسرة وهي الحاضنة الأولى للطفل، وعندما يغيب دور الأسرة ويحل محلها عمالة الأطفال يبدأ التهديد الحقيقي للمجتمع بأسره كون الأطفال نواته وبذرته الأولى.
وترى القبالين أن خطورة عمالة الأطفال تكمن في أنها تحتم على الطفل التعامل مع شرائح عديدة من المجتمع على اختلاف مستوياتها الاجتماعية والتعليمية لا يملك الطفل القدرة والمهارة على التعامل معها، محذرة من خطورة انعكاسات ذلك على الطفل والمجتمع حيث ينشأ جيل مضطرب وغير سوي ويتملكه شعور عارم بالحرمان
من الاحتواء العاطفي والنفسي.
المحاضر السابق في قسم التمويل في الجامعة الأردنية ورئيس الهيئة الإدارية لجمعية الانتماء، الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الرحمن البلبيسي يرى ان عمالة الأطفال على المدى الطويل تتسبب بخسارة الأسرة بسبب فقدان هؤلاء الأطفال فرصة التعليم الالزامي والثانوي و الجامعي أو التعليم المهني المنهجي ما يبقي الأسرة في حالة عوز معيشي دائم، مشيرا الى أن تلك الخسارة اكبر بكثير من الدخل المرحلي لعمالة الطفل.
وترى المحامية المتخصصة بقضايا الاتجار بالبشر أسماء عميرة، انه يجوز تشغيل الأطفال بين 16 و18 عاما ضمن شروط حددها قانون العمل الأردني، منها أن تكون بيئة العمل آمنة ومناسبة، وان يكون الطفل لائقا صحيا لطبيعة العمل المسموح به، وعلى ان لا يعمل الطفل اكثر من 6 ساعات، وان يكون تأخره في العمل بموافقة ولي أمره، وأن لا يعمل بمهن خطرة.
وتوضح عمايرة أن المادة 389 من قانون العقوبات الأردني والمادة 3 من قانون منع الاتجار بالبشر يمنعان استخدام الأطفال في بيع المياه والعلكة وغيرها في الشوارع لأغراض التسول.
وقال الامين العام للمجلس الوطني لشؤون الاسرة الدكتور محمد مقدادي إن تعداد الأطفال في الأردن يبلغ نحو 3.8 مليون يشكلون نحو 40 بالمئة من السكان، ويشكل الشباب نحو ثلث السكان وتعد هذه الفئة صناع التغيير لمستقبل أفضل، ما يوجب الاستثمار بهم بأفضل وجه.
وبين أنه ووفقا للمسح الوطني لعام 2016 يبلغ عدد الأطفال العاملين النشطين اقتصاديا في الأردن حوالي 76 ألف طفل، 44 الفا منهم يعملون أعمالا خطرة، مشيرا الى أن الاردن خطا خطوات عديدة ومهمة خلال السنوات الماضية في مجال حماية الطفل وحقوقه، بما في ذلك اتخاذ خطوات للحد من مشكلة عمل الأطفال.
وأكد مقدادي أن الأردن من أوائل الدول التي صادقت على أهم الاتفاقيات الدولية في مجال مكافحة عمل الأطفال، منها اتفاقية حقوق الطفل التي أصدرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، واتفاقيتا العمل الدوليتان رقم (138) بشأن "الحد الأدنى لسن الاستخدام" ورقم (182) بشأن "حظر أسوأ أشكال عمل الأطفال".
وأشار الى أن قانون العمل الأردني جاء منسجما مع مبادئ هذه الاتفاقيات، إذ منع تشغيل الحدث إذا لم يكمل السادسة عشر من عمره بأي صورة من الصور، ومنع تشغيله في الأعمال الخطرة أو المرهقة أو المضرة بالصحة قبل بلوغ الثامنة عشرة، ووضع بنودا خاصة لذلك.
كما أشار الى اقرار قانون الأحداث للعام 2014 الذي اعتبر الأطفال العاملين من الفئات المحتاجة للحماية والرعاية على مسودة نظام حماية الحدث العامل خلافا للتشريعات، إضافة الى صدور نظام عمال الزراعة لسنة 2021.
وبين أن الأردن أصدر تعليمات إجراءات التفتيش على النشاط الزراعي لسنة 2021، ونص التعديل على قانون منع الاتجار بالبشر بالعام 2021 "على تشديد العقوبة في حالة التسول المنظم بالغرامة من ثلاثة آلاف ولغاية عشرة آلاف دينار، لافتا الى انه مسألة عمل الأطفال تبقى من القضايا المعقدة لجهة المسببات التي تتداخل بها العوامل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

واكد أنه تم في العام 2022 و2023 تم إطلاق الإستراتيجية الوطنية للحد من عمل الأطفال 2022-2030، والتي عملت وزارة العمل على إعدادها من خلال لجنة وطنية شكلت من رئاسة الوزراء تضم في عضويتها كافه الشركاء من الجهات الحكومية وغير الحكومية والقطاع الخاص.
وتسعى الاستراتيجية للقضاء على عمل الأطفال المخالف للقانون، وحماية الأطفال العاملين وفق القانون مع ضمان بيئة عمل لائقة لهم، وعدم انتقاص حقوقهم الأساسية من خلال التزام الحكومة الأردنية بتحديث وتنفيذ التشريعات الوطنية المتعلقة بعمل الأطفال، والامتثال للاتفاقيات الدولية ذات الصلة بحقوق الأطفال، وتنفيذ البرامج الوقائية والتوعوية، وتفعيل برامج الاستجابة والتدخلات، وبرامج إدماج الطفل والنهوض بقدرات المؤسسات المعنية، والتنسيق وبناء الشراكات، مع الالتزام بمبادئ حقوق الانسان وحقوق الطفل والحوكمة.

وتقول وزارة العمل إن دورها في الاطار الوطني للحد من عمالة الأطفال والمتسولين هو اكتشاف حالات عمل الأطفال واتخاذ الإجراءات القانونية بحق أصحاب العمل المخالفين استنادا للخطة السنوية لمديرية التفتيش حيث يتم توجيه الزيارات التفتيشية والحملات المتخصصة الموجهة للحد من عمل الأطفال واتخاذ الإجراءات القانونية بحق أصحاب العمل المخالفين ويتم بعد ذلك تحويل حالات عمل الأطفال المكتشفة بواسطة النظام الوطني الالكتروني (childlabor.jo) لكل جهة حسب اختصاصها.
وتقول الوزارة: لا شك ان الفقر والعوز هو من أسباب عمل الأطفال، وقد يكون معيل الاسرة متوفى او عاجزا ما يدفع الطفل للعمل، وهذه أمور تتابعها وزارة التنمية الاجتماعية.
من جانبه يؤكد مدير المركز الأردني لحقوق العمل حمادة أبو نجمة أن ظاهرة عمل الأطفال تحد خطير يجب التصدي له بشكل فعال وشامل من خلال استطلاع طبيعة الأسباب التي تساهم في انتشارها، موضحا أن الفقر وبطالة أفراد الأسرة البالغين هو العامل الأهم في تسرب الأطفال إلى سوق العمل.
ودعا ابو نجمة الى التعامل مع أسر الأطفال العاملين بشكل مباشر لتوفير البديل لهم عن تشغيل أطفالهم، وتمكين الأطفال من التعليم والنمو السليم، مشيرا الى أن بعض الأطفال يواجهون صعوبات في الوصول إلى التعليم الجيد، وهذا يزيد من احتمالية انخراطهم في سوق العمل مبكرا.

واكد ان لدينا ما يكفي من التشريعات في موضوع عمل الأطفال وحظره، وهي منسجمة مع معايير العمل الدولية، لكن التشريعات وحدها لا تكفي، مؤكدا أن
للتوعية والتثقيف دورا حاسما في مكافحة عمل الأطفال، ومن الضروري تعزيز الوعي بأضرار وآثار استغلال الأطفال في العمل على صحتهم وسلامتهم جسديا ونفسيا وعلى مستقبلهم.
وقالت المديرة التنفيذية لمؤسسة إنقاذ الطفل الأردن ديالا الخمرة، ان اليوم العالمي للحد من عمل الأطفال هو فرصة لإعادة التأكيد على مسؤوليتنا جميعا تجاه هذه القضية المهمة والجوهرية والتي تؤثر على حاضر ومستقبل أطفالنا.
وأشارت الى أنه ورغم أهمية التدخلات والمتمثلة بزيادة فرق التفتيش على المنشآت وأهمية رفع الغرامات على مشغلي الأطفال، فإن التدخلات الوقائية تبقى الأساس وذلك من خلال مكافحة الفقر والبطالة وتوفير فرص عمل لائقة لأرباب الأسر، والحد من مشكلة التسرب المدرسي، وتوفير برامج تعليمية تراعي الاحتياجات المختلفة للطلبة، ورفع وعي الأسر والمجتمع بالتبعات السلبية الخطيرة لعمل الأطفال وتعريضهم لمخاطر إصابات العمل والعنف.
-- (بترا)