"اللي دارسين جامعات مش لاقيين شغل".. ما دور منظومة التعليم بتزايد عمالة الاطفال في الاردن؟
بهذا القول استهل "أبو الوليد" حديثه إلى "المرصد العمالي الأردني" عند سؤاله عن سبب ترك ابنه وليد (13 سنة) المدرسة وتوجهه للعمل مع أبيه في مهنة النجارة في أحد أحياء الهاشمي الشمالي في شرق عمان.
يبرر أبو الوليد ذلك بحجة إكساب ابنه مهنة تؤمن له مستقبله، حيث، وفق حديثه، إن "مهنة النجارة ستبقى دائما مطلوبة بعكس التخصصات الراكدة التي يدرسها الأردنيون اليوم".
ويؤكد أيضا أنه يتخذ جميع الإجراءات اللازمة لحماية ابنه من أي ضرر قد يصيبه أثناء العمل، إذ لا يسمح له بالاقتراب من المنشار، وأن عمله يقصُر فقط على "أخذ القياسات وحمل الخشب في الوقت الحالي".
أما وليد فلا يعارض عدم ذهابه إلى المدرسة والعمل لدى أبيه، إذ يرى أن من واجبه مساعدة أبيه في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة، وفق حديثه إلى المرصد. وهو يرى أن مستقبله سيكون في هذه المهنة، لذلك لا يوجد أي فائدة من تضييع الوقت في الدراسة.
ويؤكد وليد سعادته بالعمل لدى أبيه، الذي يتقاضى أجرته 5 دنانير يوميا، ومساعدته له وبخاصة مع عدم قدرة أبيه على تشغيل عامل لديه في المحل ودفع راتب كامل له.
"الإحباط قبل دخول التجربة"
في شباط الماضي تناولت وسائل الإعلام الأردنية بالحديث قضية اختفاء الطالبين أيهم العمري وراشد الصبح، اللذين غادرا منزلهما بعد أن تركا رسالة جرى تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي.
كان فحوى الرسالة هو أنهما محبطان من المنظومة التعليمية وأنهما سيلجآن إلى سوق العمل بدلا من مقاعد الدراسة.
أثارت هذه المسألة السؤال عن انفصال محتوى المناهج المدرسية عن بيئة الطلبة وحاجاتهم، إضافة إلى استمرار معدلات البطالة على نسب مرتفعة، وبخاصة بين الحاصلين على شهادات عليا بما يجعل التعليم يبدو في أعين الطلبة بلا جدوى.
الخبير التربوي محمد أبو عمارة تحدث إلى "المرصد العمالي" عن ظاهرة التسرب من المدرسة وبخاصة في المراحل الأساسية المتقدمة. ويقول إن مردها قد يكون "الإحباط الذي يصيب الأجيال الحالية من المنظومة التعليمية لاعتقادهم بأنها بدون جدوى.. اعتمادا على معدلات البطالة".
فبالتالي، والحديث لأبو عمارة، يجد أغلب هؤلاء الطلبة أن دخولهم سوق العمل مباشرة هو استثمار للوقت، ويؤكد أن "هناك خللا في المناهج من حيث الفرق الكبير بين الحلم والواقع.. وهذا ما يجب معالجته".
وهو يرى أن تدني مستوى التعليم الجامعي والتأخر الكبير في تعديل المناهج الدراسية وطرق التعليم وتأهيل المعلمين هي "دليل على تراجع المنظومة التعليمية" بشكل عام.
ويدعو أبو عمارة الحكومة إلى اتخاذ إجراءات توعوبة وإرشادية لمعالجة هذه المشكلة.
ما علاقة التسرب المدرسي بعمالة الأطفال؟
صخر (11 عاما)، خرج من المدرسة العام الماضي بعد أن أكمل الصف الخامس ابتدائي، وذلك بسبب انتقال أهله، وهم من البدو الرّحل، إلى منطقة أخرى في البادية الجنوبية في الشتاء الماضي. وعندما لم يجد مدرسة قريبة منه لجأ ليعمل لدى والده في رعي الغنم ليوفر عليه أجرة تشغيل راع.
بالرغم من الإعلان المستمر بأن نسبة المتسربين من المدارس الحكومية الأردنية تعتبر قليلة بالمقارنة مع مثيلاتها في الدول العربية والمتوسط العالمي، إلا أن هذه النسب تخفي أعدادا كبيرة خلفها وأسبابا عدة لهذه الظاهرة.
وفق التقرير الإحصائي السنوي لعام 2019-2020 الصادر عن إدارة مركز الملكة رانيا لتكنولوجيا التعليم والمعلومات سجلت المملكة 7284 حالة تسرب من المدرسة، وتعتبر هذه آخر إحصائية تم رصدها بسبب عدم إمكانية رصد الحالة أثناء سنوات الدراسة المتأثرة بجائحة كورونا والتعلم عن بعد.
يظهر التقرير استمرار تراجع أعداد الواصلين للصف العاشر من الطلبة سنويا، ما يؤشر إلى أن أعداد المتسربين من التعليم في تزايد مستمر.
ووفق التقارير الإحصائية السنوية الصادرة عن إدارة مركز الملكة رانيا، سجلت محافظات الجنوب أكبر نسبة تسرب من المدارس.
وفي حديثه إلى المرصد العمالي، يقول مدير مديرية التربية والتعليم بمحافظة معان محمد الشقيرات إن أغلب المتسربين من المدارس يلجأون إلى العمل لعدة أسباب أهمها "ضعف المنظومة التعليمية في جذب هؤلاء الطلبة، مثل عدم توافر مدارس قريبة، وبخاصة في مناطق الأطراف في البادية، أو توافرها بصفوف محددة أو بتعليم مختلط الذي لا يناسب الكثيرين.
ويعتقد الشقيرات أن عدم وجود آلية تضمن تنفيذ إلزامية التعليم هي سبب في ازدياد أعداد المتسربين من المدارس الحكومية، حيث أن الإجراء المتبع يكمن في إبلاغ الحاكم الإداري بتسرب الطالب، الذي يقوم بدوره باستدعاء ولي أمره وتوقيعه على تعهد بعدم تكرار غياب الطالب/ة عن المدرسة ، لكن من دون أن يكون هناك عنصر الإلزامية.
إلا أنه وفي الكثير من الأحيان يقوم ولي الأمر بتوضيح أنه لا يرغب بإرسال ابنه أو ابنته إلى المدرسة إما بسبب ظروفه الاقتصادية أو لأي أسباب أخرى، وبالتالي يعود الحاكم الإداري بالرد للمديرية التربوية التابعة للمنطقة ويتم رصد الحالة بدون اتّباع أي إجراء آخر.
وعلى رغم أن قانون العمل الأردني يحظر تشغيل من هم تحت سن الـ16 عاما بأي صورة من الصور، ويحظر أيضا تشغيل الأطفال بين سن 16 – 18 عاما في الأعمال الخطرة، إلا أن الواقع يقول غير ذلك، وفق ورقة الموقف التي أصدرها المرصد العمالي الأردني التابع لمركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة عمالة الأطفال الذي يُصادف 12 حزيران من كل عام.
الناطق باسم وزارة العمل محمد الزيود يقول لـ"المرصد العمالي" إن الوزارة أجرت 7825 زيارة تفتيشية وتم ضبط 236 حالة عمل أطفال خلال الأشهر الخمسة الأولى لهذا العام.
ويشير الزيود إلى أنه عند ضبط أي حالة عمل أطفال "يتم تحرير إنذار لصاحب العمل، يتبعها مخالفة في حال استمرار عمل الطفل المخالف للقانون".
ويؤكد الزيود أن هنالك تنسيقا بين وزارة العمل ووزارتي التربية والتعليم والتنمية الاجتماعية من خلال المنصة الإلكترونية للتبليغ عن حالات عمل الأطفال. إذ أن دور وزارة العمل ضبط الحالات، أما وزارة التربية والتعليم فدورها هو التأكد من التحاق الطفل في العملية التعليمية.
بعد مضي أكثر من ست سنوات على آخر مسح لظاهرة عمل الأطفال في الأردن ومع استمرار معدلات الفقر بالازدياد وبقاء نسبة البطالة من أعلى المستويات، هنا يستدعي السؤال.. هل ستشكل هذه العوامل دافعا لدى المسؤولين لمراجعة المنظومة التعليمية في الأردن؟
(المرصد العمالي الأردني – عائشة الغبن)