"المستشفى الافتراضي".. تشبّث بنهج تسويق الوهم



واخيرا بق وزير الصحة الدكتور فراس هواري البحصة، وأقر بحقيقة واقع القطاع الصحي، بعد ان تمترس لوقت قريب خلف إنجازات وهمية، فشل في تسويقها على العامة قبل الخاصة من المراقبين والمختصين في الشأن الصحي، فلم يجد بدا من المناورة، في آخر أيام الوزارة.

وأعتقد جازما أن بق الوزير للبحصة، ليس سببه أن "الأردن لم يعد بإمكانه تحمل الضغط على القطاع الصحي"، وانما لأسباب تتعلق به شخصيا ، إذ انه هو من لم يعد قادرا على تحمل ضغط المواطنين وشكواهم ،التي لا تنقطع من سوء الأوضاع ، ولا سيما في المستشفيات ، وكذلك تصاعد وتيرة تذمر كوادر الوزارة ، وعدم قدرتها على تحمل ضغوط العمل وبيئته الطاردة ، في ظل عدم استجابة وزارتهم لمطالب تحسين بيئة العمل ماديا ومعنويا على حد سواء .

ونتجاوز اسباب ودواعي بق البحصة ، على أهميتها، إلى الأهم في الوقت الراهن ، وهو استمرار نهج ذر الرماد في العيون ، وحرف الانظار عن الفشل الذريع في إدارة شؤون الوزارة ، بتعليق أزمة الضغط الذي تعانيه مستشفيات الوزارة على مشجب "الهجرات القسرية التي وصلت إلى الأردن خلال نحو 100 عام " ! متناسيا الزيادة الطبيعية في عدد السكان ، ونهج إفراغ المستشفيات من الكفاءات والخبرات ، وغيرها من الأسباب التي يرد لها سوء اوضاع مستشفيات الوزارة .

ويحفل حديث الوزير خلال ندوة نظمتها وكالة الأنباء الأردنية "بترا" بجملة لا تنتهي من التناقضات ، والبعد عن الحقائق وتشويهها ، والاستنتاجات غير المنطقية، والغوص في وحل اغتيال التحليل الموضوعي ، وخلط الأوراق والحابل بالنابل ، لطمس الأسباب الحقيقية لتدني كفاءة القطاع الصحي ، التي "يفكر " الوزير برفعها !!.

وتفكير الوزير يثير ما يضحك ويبكي في آن واحد ، فماذا كان يفعل منذ آذار عام ٢٠٢١ ، حين شغل منصب وزير الصحة ؟! اليوم فقط بعد أكثر من عامين على حمل الحقيبة ، تذكر أن يتفكر في واقع القطاع الصحي ، و"يفكر بحلول جديدة أكثر واقعية وفعالية وعلمية لرفع كفاءة النظام الصحي "!! .

وحين فكر الوزير بحلول أكثر واقعية ، حلق في الفضاء منفصلا عن الواقع ، متشبثا بنهج تسويق الوهم ، ووجد في الفضاء الافتراضي ضالته ، والحل السحري ، لانتشال المستشفيات من عثراتها .

"المستشفى الافتراضي"، لا ليست نكتة، انه الحل السحري ، فالوزارة بحسب وزير الصحة ،تعمل بالتعاون مع وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة على دراسة إنشاء مستشفى افتراضي للتخفيف من دخول المرضى إلى المستشفيات المركزية.

ويسترسل الوزير في الشرح ويستفيض في التفاصيل ويوضح "أن المستشفى الافتراضي المنوي إلكتروني .. يقلل الحاجة لنقل الكوادر إلى المستشفيات الطرفية أو نقل المريض فيها إلى مستشفيات أخرى" .

نعم العلاج عن بعد ، يقرأ الطبيب الاختصاصي الصور والفحوصات الطبية ويصدر التقرير ويرسله إلى الطبيب في المستشفيات الطرفية، لن اعلق هنا ،فالقارىء يميز الغث من السمين ، لكن اسأل كم ستتضاعف معاناة المريض حتى تشخص حالته ويتلقى علاجا "افتراضيا " ، وهل لدى الأخصائيين في المستشفيات التحويلية القدرة على حمل اعباء اضافية فوق التي يحملونها بصبر ايوب !!.

لكن الاخطر في فكرة الوزير ، انها تحمل بعدا خطيرا ، يؤكد نهج تدمير المستشفيات ،ولا سيما الطرفية ، من خلال عدم تطويرها ، وحرمانها من القدرات والكفاءات والاختصاصيين ، واعتمادها كليا على المستشفيات المركزية ، وتدمير الأخيرة بزيادة أحمالها ومضاعفتها ، فتصيب الوزارة بذلك عصفورين بحجر واحد يقذفه الوزير ليصيب القطاع الصحي في مقتل.

وتضعنا تناقضات الوزير في حيره ، فهو يقول ان الوزارة "تدرس مشاريع لإنشاء عدد من المستشفيات الجديدة " ثم يستدرك ، قائلا :" إنشاء مستشفيات جديدة يعد مكلفا على خزينة الدولة، ما يوجب إيجاد خطط بديلة " ، ومع ذلك نسأل كم من الوقت ستحتاج دراسة إنشاء مستشفيات جديدة ، وكم من الوقت سنحتاج حتى ترى هذه المستشفيات النور .

اعتقد سوف ننتظر سنوات طوال طوال ، فمستشفى الأميرة بسمة في محافظة إربد ،الذي جاء بإرادة ملكية ، وضع حجر أساسه في شهر أيار عام ٢٠١٨ ، وبلغت نسبة الانجاز الى يومنا ٥٥ بالمئة بحسب الوزير ، فكم من الوقت يحتاج لإنشاء مستشفيات جديدة ، أعتقد أنه يخدرنا بحلول افتراضية ، يحاول أن يقنعنا بواقعيتها !!.

بقي أن اتمنى ان يأتي التغيير او التعديل الوزاري عاجلا وليس آجلا، فقط ليقطع حبل الأفكار الجهنمية ، التي تقودنا افتراضيا وواقعيا الى الجحيم ، فالمواطن لم يعد قادرا على تحمل المعاناة جراء المرض وبحاجة إلى حلول عملية آنية تخفف معاناته ،" وسوف" دريد لحام ، انكشف سرها.