لقاء الاردنية..حضرت مشاريع الحكومة التفكيكية ورؤى التدمير الخلاقة السياسية والاقتصادية وغاب صوت الشباب



*** لقاء الاردنية٠٠ مغالطات واستعلاء و استعراض وبيع للوهم في عبوات زجاجية على انه رؤى تحديث

 
كتب احمد الحراسيس -  في الجامعة الأردنية، بدا كلّ شيء معدّا ومرتّبا ومنسّقا بشكل مسبق؛ المَحاور والحضور والأسئلة، لا شيء يمكن أن يُفاجئ الرئيس أو يُحرجه أو يعكّر مزاجه، ولعلّ هذا ما يفسّر "جعصة" الرجل واسترخائه المبالغ فيه خلال اللقاء الحواري الذي جمعه بحشد من الشباب، الأربعاء.. وقد وصل حجم الترتيب إلى تدخّل المُحاور في بعض الأحيان لتصحيح أسئلة المتداخلين و رفضه لبعضها  و تصميمه على تعديل بعضها الاخر و تحويرها..

خلال اللقاء الحواري الذي امتدّ لنحو ساعة ونصف، وحمل شعار "رؤى التحديث: الشباب محور الاهتمام"، أدركنا كمراقبين سبب احتجاب رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة وأركان حكومته عن الظهور الإعلامي، وسبب اختفاء الرجل في الأزمات التي مرّت بها البلاد، إذ كلّما تحدث الرئيس كشف عن سوءات حكومته وكارثية سياساته وأفكاره ورؤاه، سواء ما يتعلق منها بالجانب السياسي أو الاقتصادي أو الاداري!

التحديث السياسي

الرئيس حاول استغلال الفرصة لبيع الوهم  في عبوات زجاجية على انها رؤى تحديث ، فبدأ اللقاء متطرقا لخارطة تحديث المنظومة السياسية، والتأكيد على أن المستقبل هو للأحزاب ومحاولة تشجيع الشباب على الانخراط في الأحزاب السياسية والترشح للانتخابات القادمة، متجاهلا الواقع السياسي المرير، وما تعرّضت له أحزاب مثل "الشراكة والانقاذ" ومنتسبو هذا الحزب من تنكيل، ومتجاهلا ما يتعرّض له كلّ من لا يُسبّح بحمد الحكومة من حصار وتضييق ومحاربة في لقمة عيشه ولقمة عيش أبنائه!

لم يكن الأردنيون بحاجة لأن يسمعوا رئيس الوزراء وهو يتحدث بزهو عن الانتخابات النيابية ومجلس النواب ، وهو  يتحدث عن "نقلة" افتراضية لا وجود لها على ارض الواقع ، ولا أن يسمعوا توبيخ الرئيس أحد أعضاء مجلس النواب لانتقاده البطء الشديد في تنفيذ الرؤية الاقتصادية، فالأردنيون جميعا يعرفون كيف تعاملت السلطة مع كلّ نائب حاول التمرّد على الحكومة والتصدّي لسياساتها، فكان مصيره إما التجميد أو الفصل أو حتى حلّ اللجنة النيابية التي يرأسها، هذا عدا عن حرمانه وقواعده من الخدمات التي يتمّ الاغداق بها على الآخرين!

الحقيقة أن تصريحات الخصاونة كلّها في مجال التحديث السياسي تتحطّم على صخرة الواقع المرير، خاصة وأننا لم نشهد هندسة للانتخابات النيابية والنقابية كما جرى خلال السنوات الأخيرة ومنذ تسلّمه رئاسة الوزراء، ولم نشهد تقييدا للحريات العامة والحريات الصحفية كما شهدناه منذ اطلاق أعمال اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية حتى أن ترتيب الأردن على مؤشر الحريات الصحفية تراجع عالميا (26) مرتبة العام الماضي حسب "مراسلون بلا حدود"، والثابت اننا لم نشهد تغولا وتعديا على الحقوق والحريات بهذا التقصد و هذه الكيدية من قبل؛ اعتقالات سياسية عبثية ونشطاء يزجون في السجون لاشهر دون اي سند قانوني ، فعن أي تحديث سياسي يتحدث الخصاونة! يبدو ان حالة الانكار وصلت الى مستويات مرضية لا يمكن معها العودة بالوطن الى مسارات التحديث والاصلاح الحقيقية ..

الرؤية الاقتصادية

الرئيس استند في انتقاده عضو مجلس النواب على مبدأ أن "قياس الانجاز في تنفيذ الرؤية الاقتصادية لا يكون بالتشبير"، كما وصفه الرئيس الذي ظلّ يكرر أن هدف "توفير مليون فرصة عمل خلال (10) سنوات، لا يعني بالضرورة توفير (100) ألف فرصة عمل سنويا"، ملمحا إلى أن قياس الانجاز يكون بعد انتهاء تنفيذ الرؤية، أي بعد عشر سنوات، وهو ما يعني ضمنيا أن الرئيس يرفض أي محاولة لتقييم أثر الرؤية الاقتصادية على حياة المواطنين في الوقت الراهن ، وأن الرئيس يطلب "عطوة" عشر سنوات لتقييم عمله، وعندها تكون الطيور قد طارت بأرزاقها، ويكون الأردنيون قد "أكلوا الفيلم" بالكامل ، مديونية وعجز وبطالة وصلت الى معدلات كارثية..

وعود الخصاونة تشبه إلى حدّ كبير وعود رئيس هيئة الطاقة الذرية خالد طوقان الأردنيين قبل نحو (10) سنوات بتشغيل المفاعل النووي الأردني عام 2023، ليأتي طوقان في هذا العام ويقول إن انتاج الكهرباء من الطاقة النووية سيبدأ مطلع العقد القادم.

في خضمّ شرحه للرؤية الاقتصادية، وقع الخصاونة في العديد من التناقضات، كان أبرزها الادعاء بأن الحديث عن كون "الأردن غنيّ بالثروات والموارد الطبيعية هو وهم، وأن الأردن غني بالموارد البشرية"، وذلك بخلاف ما ذكر الرئيس في اللقاء نفسه من كون المؤشرات على وجود معادن وثروات طبيعية مبشّرة جدّا، بالاضافة إلى قوله بأن الأردن عبارة عن "متحف أثري"، إلى جانب تصريحات وزير الطاقة المتلاحقة حول كميات الصخر الزيتي والذهب والنحاس والسيليكا والفوسفات غير المستغلة في الأردن.

تطوير القطاع العام

المصيبة الأكبر تكشفت لدى حديث رئيس الوزراء، ومن بعده نائبه ناصر الشريدة، حول رؤية الحكومة لخطة تطوير القطاع العام، فقد أكد الخصاونة عزمه إلغاء ديوان الخدمة المدنية، ووقف العمل بنظام الدور والترتيب التنافسي، والتحوّل نحو التعيين المباشر عبر الوزارات والدوائر والمؤسسات الحكومية نفسها، بالاضافة إلى تغييرات أخرى ستطال آلية التعيين، فيما أشار الشريدة إلى أن تعيين الموظفين في القطاع العام سيكون وفق عقود سنوية لا تُجدد تلقائيا، وسيملك الوزير المباشر صلاحية انهاء خدمات الموظف دون ابداء الأسباب.

الأردنيون اليوم يشتكون غياب العدالة في التعيينات بالرغم من وجود ديوان الخدمة المدنية ووجود تعليمات تحدد أسس اختيار الموظفين، ولعلّ المراقبين والسواد الأعظم من المتقدمين بطلبات توظيف للديوان يشككون بنزاهة التعيينات التي تجري في القطاع العام، لكن مع ذلك، فإنهم مقتنعون بوجود دور وترتيب تنافسي لا يمكن تجاوزه، وأن الترشيح للوظائف يكون مستندا إلى هذا الدور، أما التحوّل للتعيين المباشر فهذا يفتح الباب واسعا أمام التدخلات والوساطات، ليصبح معيار اختيار الموظفين ليس الكفاءة والجدارة كما تدعي الحكومة بل "حجم الواسطة".

كما يعرف الموظفون في القطاع العام حجم سطوة الأجهزة الأمنية وأثر الواسطات على القرارات المتعلقة بترفيعهم وترقيتهم في وظائفهم، تماما كما شاهدنا جميعا كيف جرت إحالة معلمين في وزارة التربية والتعليم إلى التقاعد المبكر بسبب نشاطهم النقابي فقط..

وفقا للنظام الجديد الذي تتجه الحكومة لتطبيقه، ستتحوّل وظائف القطاع العام إلى مكافآت للنواب وأصحاب السلطة والنفوذ، كما سيصبح الموظف العامّ مقيّدا في كلّ شيء، بما في ذلك آرائه السياسية والنقابية، وهنا نسأل عن مصير الموظفين الحزبيين فيما لو كان صاحب القرار في مؤسسته من حزب منافس مثلا؟! من يضمن أن يلاقي هؤلاء مصير المعلمين النقابيين الذين أحيلوا إلى التقاعد المبكر بسبب نشاطهم النقابي؟!

في ظلّ ما نشاهده اليوم من ممارسات رسمية، نستبعد أن يحظى أيّ مواطن بوظيفة حكومية وفق النظام الجديد، إذا كان أحد أفراد عائلته منتسبا لحزب تصنّفه الدولة على أنه معارض، كما لن يحظى أي مواطن بوظيفة مادام لا يملك واسطة أو رافعة..

في لقاء الشباب غاب صوت الشباب وتم مصادرة مستقبلهم !

الجلسة الحوارية الأولى التي أدارها الإعلامي هاني البدري، كان المتابع ينتظر أن يطرح أحدهم وجهة نظر المواطن العادي، لكن ذلك لم يحدث، فقد كانت الأسئلة معدّة مسبقا ومختارة بعناية من قبل مدير الجلسة، حتى وصل الأمر إلى حدّ رفض سؤال من إحدى المتداخلات لكونه يختلف عن السؤال المسبق الذي اختاره البدري، بالاضافة إلى قيامه بتصحيح سؤال إحدى المتداخلات التي نسيت نصّ سؤالها.

المثير، أن البدري حاول الغمز من قناة مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية ومصداقية استطلاعه الأخير الذي أشار إلى أن (91%) من الأردنيين لا يعرفون عن "الرؤية الاقتصادية"، مستندا في ذلك إلى أن منظمي الجلسة الحوارية أجروا استطلاعا لرأي الحاضرين وتبيّن لهم أن (81%) من الحاضرين اطلعوا على رؤية التحديث، حيث قال البدري "الاستطلاع الذي أجريناه يخالف كثيرا من الدراسات اللي بجوز مصطنعة أو مبالع فيها.. أو يمكن  نتائجنا مبالغ فيها".

وبالاضافة إلى البدري، كان موقف رئيس اللجنة الادارية في مجلس النواب، النائب يزن شديفات، مفاجئا للغاية، حيث تبنّى النائب الشابّ وجهة النظر الحكومية فيما يتعلق بإلغاء ديوان الخدمة المدنية وتغيير آلية التعيين في القطاع العام، مستندا في ذلك إلى حجة أن المواطن يرغب بالوظيفة العامة بهدف الحصول على راتب دون أن يقوم بأي عمل، رغم أن السبب الحقيقي هو البحث عن "الأمان الوظيفي" في ظلّ غياب الحماية القانونية للعاملين في القطاع الخاص، ولنا في ما شهدته جامعة فيلادلفيا مؤخرا نموذج، بالاضافة إلى كون كلّ استثمار في القطاع الخاص أصبح مهددا بالاغلاق نتيجة النهج الاقتصادي الذي تتبعه الحكومات.

شديفات أورد خلال حديثه القصير العديد من المغالطات، ولعلّ أبرزها ادعاؤه بأن الأردن دولة رعوية، بمعنى أن "الحكومة تصرف على المواطن"، رغم اقرار رئيس الوزراء في الجلسة الأولى بأن "المواطن يدفع (87%) من راتب الموظف في القطاع العام"، ورغم أن (75%) من ايرادات الخزينة المحلية هي ايرادات ضريبية.. أي أن المواطن هو من يصرف على الحكومة وليس العكس، وبالرغم من ذلك لا نجد المواطن يحصل على الخدمات التي تليق به.

استعلاء واستعراض ومغالطات..

الحقيقة التي يكاد يتفق عليها الأردنيون أن حكومة بشر الخصاونة لم ولن تحقق أي منجز اقتصادي، لا بالشبر ولا بالفتر، وأننا شهدنا في عهدها نكسة على كافة المستويات ومختلف المجالات؛ السياسية والاقتصادية والخدمية، وأننا نشهد مرحلة تحويل القطاع العام إلى شركة مساهمة خاصة، وهو ما يعكس العقلية التي تقود البلاد إلى الهاوية عبر تفكيك مؤسسات الدولة وهدم واسطها..