الدولة والتعليم : ما خلف السطور




يُعَدّ التعليم أداة الدولة في تحقيق ما تريد من شعبها: أفرادا ومجموعات، فكرا واتجاهات من جانب، وازدهارا وغير ذلك من جانب آخر. فقد بات من البدهي معرفة أن النظام التربوي والتعليمي هو السبب الرئيس في مشكلات المجتمع كافة في قطاعاته المختلفة، كما هو في الوقت ذاته المدخل الرئيس لحل هذه المشكلات. وأن النظام التربوي والتعليمي نظام اجتماعي يؤثر ويتأثر بمجتمعه إيجابا وسلبا، وأنه يعمل معا بكل مكوّناته بشكل متكامل ومتفاعل، يقود كل مكوّن منها إلى الآخر ويدعمه؛ وصولا إلى ذروة التفاعل وإلانجاز.

وعند تشخيص واقع التعليم في الأردن بعيون فاحصة، وقلوب محايدة وفقا للمنهجيات العلمية المعروفة، نستخلص حقيقة فاتت على المنظرين للنظام وقادته، وتقف عموما وراء الحال الراكدة له التي تراوح بين التحسّن والتراجع - دون التقدم للمستويات المنشودة منه - على الرغم من الإنفاق الحكومي المناسب، ودعم الجهات الدولية له فنيا وماليا، وهذه الحقيقة هي : أن الفلسفة التي قام عليها النظام التربوي والتعليمي القائم حاليا عند تصميمه كان يرمي إلى هذه النتيجة التي وصلنا إليها؛ وبهذا يكون المصممون والمنظرون قد حققوا هدفهم في السيطرة على المتعلمين والمجتمع، وجعلهم يحفظون ويرددون ويسلكون ويتثقفون على ما أرادوه لهم، وأهملوا عن عمد وإصرار تمكين الجيل، وتشريبهم فكرا حرّا يمكّنهم من التفهم والمحاكمة والاختيار، والمبادرة والسعي لحياة ناجحة مزدهرة.

وكان من المفروض أن تكون الفلسفة العادلة هي التي يجب أن تقف وراء النظام، وتسنده في إعداد المتعلمين والمجتمع، وتقودهم إلى حياة مزدهرة حرة تقوم على العدل وتكافؤ الفرص، والاحتياجات الفردية والمجتمعية - الأخلاقية والمعنوية والمادية - دون الالتفات لتوجيه أصحاب القرار لمقتضيات مصالحهم وغاياتهم المتغيرة والمتناقضة؛ تبعا لتغيرهم السريع وتغير التوجهات التي تقف خلفهم وتحركهم بين الفينة والأخرى؛ بوصفهم المراجع والداعمين والمنظرين لهذا النظام التعليمي وذاك. ولو ترك هذا الأمر للقادة التربويين المخلصين للوطن وناسه ومستقبله، ورفاهه، فإنه سيقودهم ببساطة إلى الوصول لمبتغاهم عن طريق بناء الإنسان المستقل المؤمن بقدراته، القادر على اتخاذ القرارات؛ استنادا إلى منظومات القيم النبيلة التي ينبغي له اكتسابها وتشرّبها، والقيم الوطنية والانتماء للأرض وتعظيم الإنجازات.

ولهذا، فالإنفاق الحكومي بالغا ما بلغ (انظر الجدول أدناه)، ومؤهلات الكوادرالبشرية عالية الدرجات، وعدد أيام الدراسة وطول اليوم الدراسي، وتطوير المناهج، وإدماج التكنولوجيا في التعليم، وغيرها الكثير من الأفكار التطويرية، لن تفلح في تحقيق الأهداف الاستراتيجية التي تنشد التعليم النوعي القائم على التفكير المفضي إلى نجاح الأفراد في حياتهم المستقبلية المتجددة، وازدهار المجتمع بشكل عام،..... ما لم تتغير الفلسفة والمرتكزات الرئيسة التي وقفت خلف تصميم النظام.

وببساطه أقول: كيف لمجتمع يعمرأهله بالاختلاف (وليس الخلاف) والتنوّع في المكان، والمناخ والفكر والاتجاهات، والحاجات والمتطلبات والثقافة والأمنيات أن يتم التعامل معه بواحدية اللون، والفكر والتوجهات، والشخوص التي تنهل قراراتها، وسياساتها من جعبة واحدة، وتسعى بقوتها غير الشرعية لصهر هذا الكل المختلف في بوتقة واحدة .....الله أكبر!! وتقول، وتؤكد على أنها تعمل للصالح العام وازدهار المجتمع .

لقد آن الأوان للمجتمع وقادته إدراك أن التطوير بعمومه يحتاج للقيم النبيلة الجوهرية التي تضمن الجدية، والإخلاص للناس وللأرض، قبل الحاجة للمال والدرجات العلمية، وطول اليوم الدراسي، وعدد أيام الدراسة وتطوير المناهج، وتوظيف التكنولوجيا على أهمية كل ذلك. فقد ثبت في الدراسات والمسوح العالمية الموثوقة أن حجم الإنفاق على التعليم وغيره من عوامل ليس لها ذلك التأثير الحاسم في تحقيق الأهداف، كما يخطط لها، وفي الجدول الآتي الإجابة الواضحة على ذلك، حيث تجد سنغافورة، وقطر، والإمارات.. هذه الدول المتقدمة تعليميا أقل إنفاقا على التعليم من الكويت، والسعودية، الأكثر إنفاقا، والأقل في مستواهما التعليمي.