قانون المسؤولية الطبية والصحية لمصلحة مَن وضع العصي في دولابه ؟!

 

سنوات طويلة ، شهدت جدلا واسعا ، وحوارات لم تنقطع الى يومنا ، بين مؤيد لقانون المسؤولية الطبية والصحية وداعم  ، ومعارض للقانون او محايد ومتردد ، قبل واثناء وبعد صدوره ونشره في الجريدة الرسمية نهاية شهر ايار عام ٢٠١٨.

وفي الوقت الذي احتفى المؤيدون للقانون بنفاذه ، فإن  معارضوه،  لم يكفوا حتى اليوم  ،  عن الرهان على الفشل في التطبيق ، ولهم اسبابهم ومنطلقاتهم ومبرراتهم المعلنة حينا ،والمبطنة احيانا .

 ويضع مؤيدوا القانون ايديهم  على قلوبهم ، خشية أن يفقد القانون مبرر وجوده ، بسبب عديد من الممارسات الخاطئة ، وتلكؤ بعض الجهات عن اداء دورها في توفير البيئة المناسبة لانفاذه  ، على افضل وجه ، ليحقق الاهداف والغايات المتوخاه .
وبعد أكثر من اربع سنوات على نفاذ القانون والعمل بموجبه ، وتصاعد وتيرة الشكاوى ، واتساع حالة التذمر ، من أطراف المعادلة ، اصبح السؤال عن مصير القانون مشروعا ، وتَرجُح في هذا المقام كفة الرأي السائد بين المطلعين على واقع الحال ، ويختزلونه ، بالقول : ان القانون حاضر غائب ، فهل هو كذلك ؟؟ .

يرى خبراء مُلمون بالتفاصيل ، وقد واكبوا رحلة القانون في جميع المراحل ، منذ ولادة الفكرة ، وحتى انفاذه  ، إن  الوضع الراهن ، لا يبعث على الرضا ، وانه اذا ما  استمر على هذا النحو دون تدخل اصحاب القرار ، فانه يعني بمنتهى البساطة " سقوط " القانون موضوعيا وعمليا ،
 والسؤال المطروح  : لماذا  ؟؟.

بموجب المادة 17 من القانون ينشأ في المجلس الصحي العالي صندوق يسمى صندوق التأمين ضد اخطاء المسؤولية الطبية والصحية ويلتزم مكان تقديم الخدمة بالتأمين على مقدمي الخدمة العاملين لديه في هذا الصندوق وتُحدد إدارة الصندوق وجميع الشؤون المتعلقة به بمقتضى نظام يصدر لهذه الغاية .

ولعل تفعيل هذا الصندوق يعتبر من اهم متطلبات انفاذ القانون، لكن وزير الصحة رئيس المجلس الصحي العالي لم يتخذ أي مبادرة جدية في سبيل ذلك ، لا بل أن الوزارة لا تحرك ساكنا في هذا الاتجاه .

وربما يقول أحدهم أن وزارة الصحة قد عممت على الجهات المعنية بضرورة الالتزام بما ورد في القانون من مواد ، لكن يبقى السؤال قائما ، ما قيمة التعميم إذا كانت الوزارة  لم تفي بالتزاماتها بدفع المبالغ المالية المستحقة عليها من قيمة الرسوم لصندوق التأمين ؟! وبأي منطق ومن أي منطلق تطالب الاخرين بالالتزم وهي تدير ظهرها ؟!. ولماذا تلوم الوزارة المؤسسات العامة لعدم التزامها بمستحقات الصندوق  ، وكل ما تفعله انها تحذو حذو الوزارة في عدم الالتزام ؟!.

 ويرى مراقبون أن لجنة المعايير الطبية والصحية لاعتماد القواعد المهنية ما زالت تراوح مكانها ، وذلك يشكل عصيا في دواليب القانون تحول دون حركته ليسهم في تطور القطاع الصحي وتعزيز الثقة به محليا واقليميا وعالميا.  
ولا نبالغ اذا قلنا بان  اللجنة الفنية العليا ، هي الأهم في القانون من الناحية الفنية ،  وكذلك اللجان الفرعية المتخصصة لأبداء الراي في القضايا والشكاوى المحوّلة اليها من الجهات المعنية و اصدار القرار بشأنها ،  ويسجل لهذه اللجان انها الوحيدة التي بدأت العمل ،فور  تشكيلها من بداية سريان القانون .

وتواجه هذه اللجان عنتا يبعث على الاستغراب ، ويشي بأن أمرا ما دبر بليل ، لاحباط اعضائها والحيلولة دون اداء مهامهم، ويشكل ذلك في نهاية المطاف البداية الحقيقية للقضاء على القانون ،والمعول الاكبر لهدم اركانه وتفتيت عموده الفقري وشل حركته ليموت ببطء شديد .

وللحقيقة ، فإن هذه اللجان بذلت منذ تشكيلها جهودا كبيرة في النظر بالقضايا والشكاوى المحولة اليها ، إذ انها انهت أكثر من نصف الملفات البالغة حوالي ألفا،  منذ سريان القانون ، فلماذا لم تفي وزارة الصحة ، بصفتها الجهة المسؤولة، بالتزاماتها المالية المستحقة لاعضاء اللجان لقاء الخبرات التي قدموها ؟! .

 والسؤال المطروح بقوة ، هل يستمر أعضاء اللجان في النظر في القضايا والشكاوى  المحولة اليهم ، أم انهم سيتوقفون عن اداء دورهم بسبب عنت لجنة أدارة صندوق التامين ضد اخطاء المسؤولية الطبية والصحية .

اعتقد أن عزوف عديد من الخبراء عن المشاركة في عمل اللجان ، ليس الا بداية كرة الثلج المتدحرجة  ، وقمة جبل الجليد  ، والقادم اخطر   اذا ما احجم الخبراء الذين يتجاوز عددهم ٣٠٠ عن المشاركة في اللجان !!.

ولا بد ، أن ندق ناقوس الخطر ، ونحذر بصدق من مغبة هذا العنت وتبعاته وتداعياته ، إذ  ستتراكم القضايا و الشكاوى وفي ذلك تعطيل  لمصالح المواطنين و ضيوف المملكة بقصد الاستشفاء و العلاج  ، وفي المحصلة سيفقد القانون أهم مبررات وجوده ، ويخسر القطاع الصحي قيمة حقيقية مضافة في مسيرة تطوره !!.

وخلاصة القول ، مطلوب اليوم حماية القانون من الضياع ، ولا بد في سبيل ذلك من تدخل سريع لوزير 
 الصحة/رئيس المجلس الصحي العالي ، أم انه يعمل بتناغم وتنسيق مع لجنة ادارة الصندوق لحرمان اللجان من حقوقها المالية ؟؟ والى ان يتم التدخل الايجابي لحل الاشكالات،  ونزع العصي من دواليب حركة القانون سيبقى السؤال معلقا برسم الاجابة ، لمصلحة من وضع العصي في دواليب القانون والحيلولة دون انفاذه كما ينبغي ؟؟.