لايفات "تيك توك".. هل تذيب منظومة الأسرة العربية؟
كان الوجه المظلم من منصة "تيك توك" هو الأكثر فتكاً بمتغيرات العائلة العربية، فبالرغم من كونها نافذة ترفيهية تهدف إلى تسلية المشاهد وإمتاعه بالدرجة الأولى، إلا أنها حملت في طياتها ظواهر مجتمعية تقتحم منظومة الأخلاق والتربية.
لايف تيك توك يدمر الأسر ويفكك العلاقات
المجتمع يتعرض لأزمة أخلاقية نتيجة سوء استخدام مواقع التواصل الاجتماعي
انعكاسات قادمة تنبئ عن سوء تربية
في إطلالة على جوهر خاصية اللايف التي تعتبر طريقة سهلة للكسب المادي بحسب الكثيرين، كان هناك الكثير من النماذج المطروحة، تستحق الدراسة كحالة متفردة ولما تحمله من قيم ومعانٍ هابطة.
لايف "أنا سمكة".. الأكثر جدلاً
إذ احتوت بعض مقاطع اللايف فيديوهات لأشخاص يصورون أثناء نومهم عبر خاصية تيك توك لغايات الكسب المادي، وبعضهم يقومون بالطهي في غرفة النوم، أو أناس يتمثلون في هيئة سمكة بغية الحصول على المشاهدات وحصد التريند.
وما هو أغرب أن بعض المحتويات الغريبة حصدت مشاهدات بالآلاف، إذ يدخل إليها الكثيرون لإشباع فضولهم، وكان الجزء الأخطر من الرواية، أن أبطالها يتأثرون بتفاصيلها وينساقون نحوها دون رقابة أو حذر.
يتحدث الباحث في علم الاجتماع المغربي محمد أكديد لـ 24: "أن مواقع التواصل الاجتماعي باتت أكثر حضوراً في الواقع اليومي للناس من خلال تقنيات اللايف".
الدول العربية متضررة من تقنية البث المباشر
إذ يعبر أكديد عن مصطلح يطلق على جيل اليوم، قائلاً: "بات يطلق على الجيل الحالي جيل تيك توك"، تبعاً للتأثير الكبير على تحقيق انتشار هذه المنصة في الدول العربية".
ووفقاً لتعداد المشاهد المريبة المنشورة على هذه المنصة، يشير أكديد إلى أن كثيراً منها "يحتوي مقاطع مصورة لشباب بألبسة مثيرة وأغاني مختلفة وحركات ساخرة وفي الغالب لا أخلاقية".
وكان للبثوث والفيديوهات تأثير وخيم على الجانب النفسي للكثيرين، فكما يرى أكديد "المخاطر النفسية تتعلق بتغذية دوافع نرجسية من خلال حب الظهور المتواصل للمؤثرين أمام الجمهور".
حاولنا في حديثنا مع أكديد التجول في ما يجول لخبراء الاجتماع بما يخص اندثار الخصوصية العربية إذ علق قائلاً:"هذه التقنيات مثل لايف تيك توك، بإمكانها تدمير الأسر وتفكيك العلاقات، فضلاً عن تعميق العزلة الاجتماعية لدى المراهقين خصوصاً كانوا مؤثرين أو مجرد متابعين".
عادةً ما تؤدي متابعة البثوث والمقاطع القصيرة في تيك توك إلى الهوس والإدمان عليها، أو إلى السقوط في هوة الاكتئاب في حال تراجع أو انحسار التفاعل مع المحتوى المقدم من قبل الأشخاص الذين يقومون بهذه البثوث".
البث المباشر.. يخترق الخصوصية
في حين تتمثل خطورة هذه المحتويات اجتماعياً وفقاً لأكديد "بسهولة اختراق خصوصية الأشخاص، تحديداً فئة الأطفال والمراهقين، وتعريض حياتهم الشخصية والأسرية لأخطار متعددة منها الابتزاز والاستغلال الجنسي".
من جهة أخرى، يوضح أكديد لـ 24 تجربته في تعليم المراهقين قائلاً: "درّست تلاميذ في سن المراهقة وتبين لي خلال هذه التجربة مدى تأثير السوشال ميديا خصوصاً التيك توك على شخصياتهم".
ويضيف "عادة ما يكون لذلك تداعيات سلبية على تحصيلهم الدراسي، وقد يؤدي ارتباطهم المرضي أحياناً إلى تراجع مستواهم وتبلد قدراتهم الذهنية".
وكان إحدى اللايفات التي تترك انطباعاً مُسيئاً وساخراً خالي من أي قيمة، لايف "أنا سمكة"، والذي يتعمد صاحبه إثارة الجدل من خلال قوله "أنا سمكة" والتقلد بحركات سمكة، إذ تعتبر مهزلة للطابع الإنساني والأخلاقي والسلوكي، وإشارة لمحتوى نفسي هابط يُقدم للجمهور.
تتعدد البثوث التي تذهب بعقل المشاهدين بعيداً عن المنظومة الأخلاقية والتربوية، إذ كان لبعض البثوث ظاهرة تنبئ بزوال المنظومة العقلانية للشباب العربي، فعلى سبيل المثال فيديو لشخص يعدد حبات الأرز، أو يقشر البيضة، يحصد مئات المشاهدات في ظاهرة فريدة من نوعها.
المشاهدات تتسيد الموقف الأخلاقي
لا يختلف كثيراً رأي الخبيرة التربوية الأردنية بشرى عربيات، إذ تأسف في حديثها لـ 24 على " ما وصلت إليه المنظومة الأخلاقية والتأثير السلبي لاستخدامات تقنية البث المباشر".
وتعتبر عربيات "أن اقتحام تقنية اللايف لخصوصيات البيت، تعرض واضح للمجتمع إلى أزمة أخلاقية نتيجة سوء استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، إذ أن تقنية الفيديو المُباشر بحسب عربيات عادة ما تحمل رسائل تهدف إلى انحدار بمستوى التفكير واختراق الخصوصية مقابل الحصول على أكبر عدد من المشاهدات".
تتطرق عربيات إلى مفاصل البنية الأخلاقية التي تعصف بها تقنية اللايف قائلة: "يعتقد هؤلاء أنهم مؤثرون أو صانعو محتوى، إلا أن تأثيرهم سلبي جداً، لأن أغلب الرسائل المُقدمة تافهة".
إنذار بانخفاض الوعي
وفي نتاج الأمر تعتبر عربيات أن لهذه المتغيرات انعكاسات قادمة تنبئ عن سوء في التربية وتراجع لمستوى التفكير، وإنذار بانخفاض الوعي الجمعي".
وبرأيها "كل هذه الممارسات لها انعكاسات سلبية على المجتمع بأكمله وخصوصاً فئة الشباب والأطفال والمراهقين؛ الأمر الذي يؤدي إلى نتائج عكسية لا تُحمد عُقباها".
كما أن غياب الضابط الاجتماعي لاستخدام مثل هذه التطبيقات غير موجود، وتقول: "يبدو أنه مقصود هدم منظومة القيم، لأن هذه التطبيقات تجارة لا تهدف إلى الخسارة المادية وفي المقابل لا تهتم بالخسائر القيمية والأخلاقية والإنسانية".