سيرة مناضل وطالب علم!
البارحه كنت على موعد مع صانعي مجد الصحافة الافذاذ أيام الزمن الجميل!!
البارحه كنت أتفيأ ظلال مجدٍ مضى .. لكن مخزونه البهّي ما يزال ماثلاً في ثنايا القلب وحنايا الوجدان!
البارحه – يا ناس- عشت لحظات عمري البهيه حين كنت بمعية قُطبي صحافتنا الوطنيه و رُكني الكلمة المطبوعه في بلدنا الفارسين العملاقين الحاج جمعه حماد والاستاذ محمود الشريف طيب الله ثراهما.. كنت بمعيتيهما حُلماً مطبوعاً على الورق.. ويا ليت الحلم كان حقيقه!!
البارحه كنت مع قامتين باسقتين تتلمذت في مدرستهما المرموقه .. وترعرعت لثغتي الاولى في مجال الكلمة المطبوعه.. ولقفت منهما كيف يكون الحرف المتمرد رُمحاً ..والكلمة الصادقة رصاصه.. والعبارة الهادفه قاذفة قنابل!!
وتعلمت منهما كيف يغدو رصاص المطبعة رصاصاً يصيب كبد الحقيقه!!
فالاعتزاز يملأ وجداني حين بدأت تلميذاً في مدرسة المجد الصحفيه.. وذات الاعتزاز يداعب خيالي حين اصبحت في وقت لاحق شريكاً في الصحافة (مهنة وحرفاً واستثماراً).. وشريكاً في الهم والوجع وتحمل المسؤولية الى جانب العمالقة الافذاذ!!
البارحه قبلت وجنات زملائي الراحلين الافذاذ الاساتذه الغوالي مع حفظ الالقاب جمعه حماد ومحمود الشريف وحسن التل ومحمود الكايد وسليمان عرار وعرفات حجازي وابراهيم سكجها وطارق مصاروه وعبدالرحيم عمر وعبدالحميد المجالي ونبيل الشريف وفهد الفانك ويوسف حنا ومحمد الجيلاني ورجا العيسى ويعقوب عويس وموسى عبدالسلام ومحمود الحوساني ولطفي ملحس واحمد الدباس وعبدالحفيظ محمد وجون حلبي ومحمد الشريده وسليمان عويس وخالد محادين وابراهيم العجلوني وسليم المعاني ونبيل عمرو وحازم مبيضين الذين ضحّوا في مجال الصحافة وتبيان الحقيقة وخدمة القضية المقدسه. واعتذر لمن غفلت عن ذكر اسمه لأن ذاكرتي تخونني احياناً!!
والبارحه ايضاً صافحت فرسان الصحافة الأحياء والذين التقيتهم، على الورق، في (شق العرب) شق عميد صحافتنا الحاج جمعه حماد الصحفي العريق الذي يجمع ولا يفرّق .. والسياسي العميق الذي كان حلمه واعز امنياته زوال الحدود والسدود بين الدول العربيه وصيرورة الوطن العربي وطناً كبيراً من حيث الجغرافيا والدور والاهميه.. وطناً عزيزاً يحكمه القانون وحده!!
كنا البارحه نحن معشر الصحفين "معازيب" في شق البدوي الشجاع (أبي أسعد) نجتمع على الخير والمودة .. زوادتنا ومادة حديثنا السيرة العطرة الموسومة (حياة طالب علم) التي نسج خيوطها ومفاصلها الراحل الكبير الاستاذ جمعه حماد.. وكنا نستمع لرواية عميدنا الحكيم الحاج جمعه حماد وقصة نجاح "فيلق" باكمله هو (جمعه) ذاته الذي دخل كار الصحافه من اوسع واصعب ابوابه!!
واستهل المبدع الاستاذ جمعه حماد سيرته ومسيرته العطره بانضمامه للمقاومة الباسله في (بئر السبع) ضد يهود المستعمرات الصهيونيه في منطقة قبيلة (الترابين) ومشاركته في المعارك بالذخيرة الحيّه وسرد صور البطوله والتضحيه من اجل الأرض والوطن.
ويسترسل شيخنا في البوح ليسرد واقعةً حدثت بين عميدنا الحاج جمعه وشهيد الوطن والقضية الراحل العظيم (وصفي التل).. ويقول صاحب السيرة وكاتبها مايلي: (دعاني الى مكتبه يناقشني في موضوع حسّاس نشرته جريدة (المنار) التي كانت تصدر من القدس في الستينات .. واشتد بيننا النقاش في كلمات حاده أذكرها كأني كنت معه الساعه، وخرجت ما أكاد أرى موطىىء قدمي ..كان ذلك الساعة الواحدة والنصف بعد الظهر وقد خيل الي ان الجريدة مقضي عليها لا محاله!!
وفي الساعة الخامسه رن جرس الهاتف واذا بالمتحدث رئيس الوزراء وصفي التل ليقول يا حاج جمعه.. لقد كنت انت على حق ونحن على باطل!! هكذا وبكل بساطه.. وانتهى الحديث)!! .. فتصور يا رعاك الله الديمقراطية الحقه من لدن النموذج والقدوة وصفي التل!!
ويعرّج الكاتب وصاحب السيرة الذاتيه العطره الحاج جمعه حماد نحو نبوءة (وصفي التل) التي تحققت فيقول: جئته قبل كارثة حزيران عام 1967 م وكان العرب –كل العرب- يعيشون في رقصة عجيبه يرقص فيها الاعلام العربي بكل أدواته.. فوجدت (وصفي) حزيناً كأنما اطبقت عليه هموم الدنيا كلها .. وقال لي: أخاف على ما تحت ايدينا.. واخاف على القدس.. اني اخشى ان تتبدل المواقف فتصبح البطولة العربيه ان نعود الى (أريحا) بعد ان كانت العودة المنشودة الى حيفا ويافا والشاطيء الخالد!!
ويتحدث عميدنا عن تأسيس جريدة (الجوردن تايمز) .. وقد أكرمني طيّب الله ثراه حين ذكر دوري في مجال حديثه عن تأسيس هذه الجريده التي اعتبرها بمثابة شقيقة لوحيدتي (مُنى)!! والصحيفه بالمناسبه لها قصة معي أود ان ارويها لكم وهاكموها!!
كان ذلك في يوم من ايام الزمن البهي حين هاتفني الغالي معالي سليمان عرار رئيس تحرير (الرأي) والذي كان يتسلم للتّو حقيبة وزارة الداخليه.. وبطريقته المحببه قال: يا أخوي يا عبدالسلام وين انت يا زلمه؟! فقلت ها انذا اهاتفك يا ابا عمر!! أنا في اذاعة المملكه الاردنيه الهاشميه واستمع اليك جيداً.. وانت على ما أظن تسمعني جيداً!! فضحك وقال رحمه الله أعرف ذلك ولكن اترك كل شيء في يدك واذهب على الفور عند الحاج جمعه حماد في مؤسسة (الرأي) فهو بانتظارك لامر هام!! فقلت على الفور: وغوشتني يا أبو عمر ما الخطب؟! هل هذه مذكرة جلب لي من معالي وزير الداخليه سليمان عرار أم هي دعوة رقيقة من زميلنا رئيس تحرير (الرأي) الاستاذ سليمان عرار؟! فقال ضاحكاً: احسبها كما تشاء!! ولكن اتمنى ان تذهب الى مكتب الحاج (ابو أسعد) لأن عميدنا في انتظارك!!
وبالفعل ذهبت الى مؤسسة (الرأي) ودلفت الى عرين الحاج جمعه.. وقبلت وجنته وقلت: يا عميد الدار ها انذا بين يديك!! ان شاء الله خير!! فقال طبعا خير!
أنا اود ان اخبرك عن رغبة جلالة سيدنا الملك الحسين بضرورة ايجاد جريدة يوميه ناطقة باللغة الانجليزيه يخاطب الاردن من خلالها العالم بأسره .. وتكون مرآة للوطن ومنبراً لخطابه السياسي.. وبرهاناً على انفتاحه ومعرضاً لتطلعاته!!
وكما تعلم فأن رغبة سيدنا هي بمثابة امر نلبيه عن طيبة خاطر.. وأود أن ابشرك ان الاختيار قد وقع عليك انت وكوكبة من الزملاء لتولي هذه المهمة فأنا اعهد اليك الان بموضوع تنفيذ الرغبه الملكيه واختيار من ترى من الزملاء لمعاونتك في هذه المهمة النبيله، وبالمناسبه فقد خصصت مقراً للجريدة الوليده بجانب مكتبي لكي نشرع بالامر فوراً!!
وقلت لعميدنا الحاج جمعه ان هذا شرف عظيم يسبغه عليّ جلالة الحسين لذا سأصدع لتنفيذ رغبة قائد الوطن!!
وباختصار شديد فقد شرعنا نحن الاربعه نعم اربعة فقط يشكلون كادر الجريده وهم: العبد الفقير لله كاتب السطور واسمي عبدالسلام الطراونه وزميلي رئيس قسم الانجليزي في الاذاعة الاردنيه السيد جواد زاده والسيد تيدي ليدجر وزوجته السيده مارغريت ليدجر..!
وكنت أنا وزملائي الثلاثه نعمل يومياً وحتى مطلع الفجر!!
ومن طريف ما يذكر انني كنت متزوجاً حديثاً.. وكنت المح الحيرة كي لا اقول الغيره الممزوجه بالاعتزاز على محيا زوجتي تجاه ضرتها الجديده التي سلبتني منها!!
وبعد شهور معدوده انجزنا المهمة الموكولة لنا وسلمنا بروفة عدد الصفر او العدد التجريبي ان شئت الى اصحاب مؤسسة (الرأي) واصحاب الرأي وعلى رأسهم الحاج جمعه حماد طيب الله ثراه.
ولشدما كانت غبطة وحبور عميد الصحافه الاستاذ جمعه حماد وهو يضع الوليد الجديد بين يديه ونحن نتحلق من حوله وقال لنا والفرحة تعلو وجهه: الله يعطيكم العافيه.. ابدعتم!!
ثم تسلم راية ومسؤولية الجريده من بعدنا زملاء اكفياء بعد ان استأذنت شيخنا وعميدنا وقلت له: مبروك يا حاج .. (الجوردان تايمز) وارجو ان تسمح لي بالعودة الى رحاب الكلمة المسموعه في الاذاعه بعد ان انجزت المهمة في مجال الكلمة المطبوعه! واعترف الان انني تركت قلبي هناك!!
ولشدما كانت دهشة عميد الصحافه بالغه حين ودع الفريق والذي لا يتعدى عدد مناضليه اصابع اليد الواحده!!
فسلام على فارس مقدام تربطني واياه اعمدة ثلاثه هي: البداوة.. والصحافة.. ومحبة (وصفي) .. وقبل الثلاثه المذكوره لا بل على رأسها محبة الوطن الغالي والذود عن القضية المقدسه والتضحيه من أجلها!
وسلام على شيخنا الجليل الذي رحل عنا ولم يرحل منا!!
وسلام على الكاتب الكبير.. والمناضل الشرس ضد المستعمرين الصهاينه.
وسلام على روح عميد الصحافة.. وعميد الشجاعة.. وفارس الكلمة!
سلام على الرمز النبيل الذي وضع الأصبع عل مواضع وسبل الابداع التي تنتهجها السلطة الرابعه (الصحافه) في مجال خدمة الوطن والحق والناس والقضية المقدسه!
وسلام على صاحب الوجه الصبوح.. والابتسامة الجاده والجبين العالي.
وها انذا ارفع اكف الضراعة الى الباري عز وجل لاشاطر زميلي الاستاذ بلال التل الذي اطلق دعاء بالغ الدلاله لدى رحيل الرمز الكبير جمعه حماد بحيث اوجز في سطر سيرة ومسيرة الراحل الكبير حين قال: (اللهم اجعله وجيهاً في الآخرة كما جعلته وجيهاً في الدنيا).
ولعل ابلغ ما اختتم به في مجال الحديث عن سيرة ومسيرة عميدنا الاستاذ جمعه حماد جهامة ما ورد من شهادة صادقة بحق الراحل الكبير من قبل معالي وزير الخارجيه الاسبق والاديب الكبير أكرم زعيتر حيث كتب بضع كلمات لكنها تشكل اطروحة لا بل تاريخاً لسيرة عظيمه!
قال المفكر الفذ زعيتر (ألا ان ما كتب جمعه بلاغاً لقوم يعقلون)!
وفي ختام الختام أقول: نعم المادح والممدوح!