عن دلالات استقالة د.القطب من رئاسة المركز الوطني لمكافحة الاوبئة
لم تكن استقالة رئيسة المركز الوطني لمكافحة الأوبئة والامراض، الدكتورة رائدة القطب ، مفاجئة ، على الاقل ، لكل من يعرفها ، أو يتابع شؤون وشجون المركز ، منذ ولادته الى يومنا .
وللحقيقة ، فان الاقالة او الاستقالة، أيهما اولا ، كانت متوقعة، وفي الحالتين ، هي نتيجة حتمية ، لا مفر منها ، للفشل الذي واجهه المركز ، فسبقت الاستقالة الاقالة ، وربما جاءت متأخرة ، ولم يكن يخامرني أدنى شك بأنها قادمة لا محالة ، ليقيني بأن شخصية الدكتورة القطب ، لا تقبل الفشل ولا ترضاه لسيرتها الحافلة بالنجاح.
انشئ المركز قبل عامين ، برغبة ملكية سامية ، في ظل ازمة صحية عالمية ، ما زالت تداعياتها ، ترخي بظلالها الثقيلة ، على مناحي الحياة كافة ، بما فيها الاجتماعية والنفسية ، ولم يتمكن المركز من تحقيق اي من أهدافه وغاياته ، وبقي مجرد رقم في قائمة المؤسسات المستقلة ، التي لا يدل على وجودها اي أثر ، باستثناء اللوحة التي تُزين مقارها ، وتحمل اسم المؤسسة ، وهذه حقيقة مرة ، يتجرعها الوطن كالسم .
استقالت الدكتورة القطب من رئاسة المركز ، لكن الاخير حتما باق ،وله اهداف وغايات وادوار رئيسة ، ولذلك من الضروري الوقوف على اسباب الاستقالة وظروفها ودوافعها ، لتكون درسا وعبرة ، للمستقبل ، اذا ما قيض للمركز ان يبقى على قيد الحياة ، والاهم ان يحقق الأهداف الطموحة المتوخاة .
حتى اللحظة ، لم يرشح اي معلومة من مصدر رسمي ، تشير إلى اسباب وظروف وملابسات الاستقالة ، والى ان تبق صاحبتها ، البحصة من تحت لسانها ، نذهب إلى ما رشح من معلومات من مصادر مطلعة ، فضلا عن ربطها بالمعطيات على أرض الواقع.
وأميل الى الاعتقاد بأن الدكتورة القطب لا يمكن ان تقدم استقالة غير مسببه ، وارجح أن العنوان العريض لأسباب الاستقالة ، يتمثل في التعبير عن الاحتجاج رفضا لواقع المركز ، وغياب الدعم اللازم والضروري لتمكينه من اداء مهامه ، وأخال انها وجهت أصابع الاتهام لرعاة فشله ، في كتاب استقالتها .
وفي التحليل للمعطيات ، فانه لا يخفى على المهتمين والمتابعين للشان الصحي ، شكل العلاقة السائدة بين وزارة الصحة والمركز الوطني لمكافحة الاوبئة والامراض ، والتي تنطوي على حالة تناحرية تنافسية ، في الوقت الذي تتطلب فيه المصلحة الوطنية ، أن تسود بينهما حالة تكاملية ، دونها ، لن يحقق اي منهما ، اي تقدم يذكر على صعيد مواجهة التحديات الصحية ، ومكافحة الاوبئة والأمراض القائمة ، والمحتملة التي لا تنفك الجهات الصحية الدولية التحذير منها والدعوة لاخذ التدابير لمجابهتها .
وعلى مذبح التناحر ، وتنازع الصلاحيات في ظل ازدواجيتها ، والتنافس بشراسة على السبق في التصدي اعلاميا لعديد من القضايا ، شكلا ، ولاسيما المستجدة ، والسباق المحموم في التصريحات الجوفاء، وإصدار البيانات، في غير اوانها، ودون مبرر ، بانت عورات المركز وسقط في مستنقع الفشل .
ويوجه عديد من المطلعين على المشهد ، اصابع الاتهام في اعاقة عمل المركز الى وزارة الصحة ، التي لم تبد التعاون اللازم معه ، وتلكؤها في تلبية احتياجاته ومتطلبات عمله ، ولا سيما على صعيد المعلومات وتوفيرها في الوقت المناسب .
وفي الوقت ، الذي يشير فيه مطلعون إلى عدم رغبة الوزارة في التعاون مع المركز ، فإنهم يدللون على ذلك ، بطرح التساؤول : لماذا رفض وزير الصحة توقيع اتفاقية الشراكة مع المركز، والتي من شأنها اعانته وتمكينه من تنفيذ مهامه وتحقيق الأهداف والغايات التي انشء لأجلها ؟؟.
بالمختصر المفيد ، فإن استقالة الدكتورة القطب، يجب أن لا تمر مرور الكرام ، وتنتهي بتعيين رئيس جديد للمركز ، وكفى المؤمنين شر القتال ، إذ لا بد من إعادة فتح ملف المركز ، وكشف الخفايا التي حالت دون نجاحه وتلافيها ، وتوفير الامكانات المادية والمعنوية اللازمة لاداء مهامه وتحقيق أهدافه وغاياته ، ومنحه الاستقلالية الحقيقية ، وتحريره من أي تبعيات تقيده وتبقيه اسيرا لامزجة أشخاص - ربما - يغلبون المصلحة الخاصة على المصالح الوطنية العليا، ولست مع الطروحات التى ترى أن يكون تحت مظلة وزارة الصحة ، ودائرة من اداراته.
ولعل على رأس الأولويات في فتح الملف ، التأكيد المطلق على التخلص من ازدواجية الصلاحيات وتنازعها ، وتحديد الأدوار بشكل قاطع ،غير قابل للتفسير والتأويل ، والتصدي بجدية ، لكل أشكال التناحر والتنافس ، واغتيال الآخر في صراع على البقاء ، بقاء الأشخاص على حساب المؤسسة ودورها ومهامها .
المركز الوطني لمكافحة الأوبئة والأمراض، ولد من رحم المعاناة والازمة ، وفرضته الضرورة ، والطموح ، والارادة السياسية العليا ، ويجب تخليصه من اسباب الفشل ، والعجز عن اداء المهام ، وتفكيك عناصر الصراع تحت وابل الشعارات ، وفيما عدا ذلك ، فالاجدى اصدار شهادة وفاة المركز ، فذلك افضل من إستمرار الانفاق وهدر المال العام بلا طائلة .