مشروع قانون الجرائم الالكترونية بين المقارنة والمتطلبات



كتب النائب ماجد الرواشدة - 

في الوقت الذي يطرح فيه المركز الوطني للأمن السيبراني استشارة عامة للاستراتيجة الوطنية للأمن السيبراني لا نعلم مصيرها تطل علينا الحكومة بمشروع قانون معدل للجرائم الالكترونية ، وفي الوقت الذي لا يغمض فيه جفن العالم عن التطورات الهائلة والمتسارعة لتقنيات الذكاء الاصطناعي و اكتساحها البنى التكنولوجية والاقتصادية والسياسية و الاجتماعية تقدم لنا الحكومة مشروع قانون معدل للجرائم الالكترونية لم تطلعنا الحكومة على دراسة حقيقية لتقيم اثر الذكاء الاصطناعي على الجرائم الالكترونية وما هي استعدادات الوحدات الحكومية لمواجهة هذه التحديات .

يستند القانون في الولايات المتحدة الامريكية قانون الاحتيال والسرقة الإلكترونية (Computer Fraud and Abuse Act) على ركائز اساسية جميعها تتمحور حول الوصول غير المصرح به دون اذن والاحتيال والوصول الى معلومات دون اذن صاحبها والتسبب بالاضرار الواقعة على البيانات او الانظمة الحاسوبية او المعدات التقنية او التهديد بالابتزاز والقرصنة وسرقة المعلومات الحكومية الحساسة والاساءة الى الوحدات الحكومية بقصد الابتزاز، بينما يستند القانون في المملكة المتحدة قانون الاستخدام غير المصرح به للحواسيب (Computer Misuse Act) على نفس ركائز القانون الامريكي الا انه يختلف في اختصاص التنفيذ حيث ان قانون المملكة المتحدة أعم و أشمل في مجال اختصاص التنفيذ و نطاق التطبيق.

نستنج من القانونين الامريكي والبريطاني انهما يهدفان ومصممان بالدرجة الاولى والاخيرة الى مكافحة الاختراق غير المصرح به ومنع الاحتيال الالكتروني ومكافحة الجرائم السيبرانية وحماية الانظمة الحكومية من الاختراقات والتلاعب وتعزيز الامان الرقمي ولا تتناقض هذه القوانين مع حرية التعبير وحرية الصحافة اي انهما مندرجان تماما تحت "معايير حقوق الانسان" بل وجاء بهما ما يحمي حرية الصحافة والمصدر الصحفي وحق المواطنين في الوصول الى المعلومات الحكومية تحت مفهوم الحكومة الشفافة وهناك أيضا استثناءات صحفية خصوصا في القانون الامريكي تتيح للصحافة النشر دون تداعيات وقوانين تبيح حماية حق عدم الإفصاح عن المصدر الصحفي، وهذا ينعكس ايجابيا على حقوق الانسان ومثل هذه القوانين تعتبر إجراءات قانونية فعالة تهدف إلى حماية الأنظمة الحاسوبية والبيانات الحساسة والمعلومات الشخصية من الاختراقات غير المصرح بها والسرقة الإلكترونية والاحتيال السيبراني من خلال مكافحة هذه الجرائم، يتم تعزيز الثقة في الاقتصاد الرقمي وتشجيع الاستثمار في التكنولوجيا والأمان السيبراني كما تدعم هذه القوانين التجارة الإلكترونية والتجارة الرقمية من خلال توفير بيئة أكثر أمانًا للتعاملات عبر الإنترنت وبالتالي يترتب عن تطبيق هذه القوانين العديد من الانعكاسات الإيجابية على كافة القطاعات، مثل تحسين الأمان السيبراني وحماية الملكية الفكرية وتشجيع الابتكار والاستثمار في التكنولوجيا وتعزيز الثقة في الاقتصاد الرقمي.

والسؤال المطروح هل لمثل هذه الفوائد جاء مشروع تعديل الجرائم الالكترونية؟ هل الحكومة تداعت للتطورات الهائلة في مجال الذكاء الاصطناعي وأثرها على الجريمة الالكترونية، هل اعدت الحكومة العدة لمواجهة التطور المتسارع على ادوات الذكاء الاصطناعي التي قد تستخدم في الجرائم الالكترونية وعلى قدرة الذكاء الاصطناعي في تخصيص الهدف وعلى مواجهة قدرة البرامج المطورة بالذكاء الاصطناعي على التمويه واكتشاف هوية المجرمين وتقنياتهم الخبيثة؟ هل هناك برامج حاسوبية قوية قادرة على تتبع الجريمة الالكترونية من مصدرها؟ وهل هناك تدريب كاف على مستوى عال للقائمين على هذه البرامج؟ وهل دقت الحكومة ناقوس الخطر ببرامج عالية المستوى للوعي والثقيف بالجرائم الالكترونية وتحذير المؤسسات والمواطنين من الوقوع بها ؟ وما هي التدابير التي اتخذتها الحكومة على اثر الجريمة الالكترونية على البنى الحرجة قبل اصدار هذا التعديل؟ والسؤال المهم هل هناك استراتيجية وطنية لمكافحة الجرائم الالكترونية (National Strategy for Combating Cybercrimes) او اطار عمل وطني لمكافحة الجرائم الالكترونية (National Framework for Combating Cybercrimes) او حتى بروشور او هاند بوك (Hand book) للحد من الجريمة الالكترونية و السؤال الأهم هل لدى الحكومة رؤية فيما يتعلق بالفضاء الالكتروني و حيث أن الفضاء الالكتروني هو فضاء عالمي ما اثر التعاون الدولي في هذه المجال وكيف تم تقييمه وهل هناك ما يعكس بالقانون ذلك الاثر ؟

الخوض بمواد مشروع التعديل على القانون يحتاج لعدد من الحلقات التلفزيونية ولعشرات الصفحات الكتابية حول تقييم الاثر المترتب وهل هناك دراسات او ورشات عمل نفذتها الحكومة لتعديل المواد بما يتناسب مع الواقع الاردني، نحن لا ننتقد لمجرد النقد ولكن نسعى للحالة المثلى فالهدف واضح وهو الحد من الجريمة الالكترونية وصحيح ان القانون يعتبر ركيزة اساسية ولكن القانون المستند على تقييم الاثر على كافة القطاعات والقانون المدعم بإجراءات وتدابير احترازية تعتمد بالأساس على تفعيل ادارة المخاطر واتخاذ الاجراءات الاحترازية حتى نحقق الهدف الاسمى من تنفيذ القانون وهو منع الجريمة الالكترونية.