تنسيقية المطالبة بسحب "الجرائم الإلكترونية " : ماضون في برنامجنا التصعيدي ونطلب لقاء الملك



- قررت إلغاء تسليم المذكرة القانونية والسياسية لرئيسي "النواب" و "الأعيان" بعد رفض دخول شباب الأحزاب لحضور جلسة التصويت على القانون اليوم  ونشرها إعلامياً

- أعلنت عن مسيرة جماهيرية الجمعة رفضاً للقانون وحملت الحكومة والنواب مسؤولية إقرار  القانون

- أكدت أن  قانون الجرائم الالكترونية معيب فضيحة تشريعية وعودة إلى عهد ما قبل الأحكام العرفية وانقلاب على وعود التحديث السياسي

بيان صادر عن اللجنة التنسيقية للمطالبة بسحب مشروع قانون الجرائم الالكترونية

بعد قيام رئيس مجلس النواب السيد أحمد الصفدي برفض دخول شباب الأحزاب إلى الشرفة لحضور جلسة مناقشة مشروع قانون الجرائم الالكترونية صباح اليوم الخميس، فقد تقرر إلغاء تسليم المذكرة القانونية- السياسية التي كتبتها اللجنة القانونية التي شكلتها التنسيقية والتي كان من المفترض تسليمها قبل الجلسة لرئيسي مجلسي النواب والأعيان، وتقرر نشر المذكرة للإعلام لتعميم الفائدة بعد توجيهها إلى رئيس مجلس الوزراء والوزراء للمطالبة بسحب القانون، ورئيسي مجلسي الاعيان والنواب وأعضاء المجلسين للمطالبة برد القانون...

وإننا في التنسيقية ماضون في برنامجنا التصعيدي ضد قانون الجرائم الالكترونية المعيب والمشوه والذي نعتبره فضيحة تشريعية وعودة إلى عهد ما قبل الأحكام العرفية وانقلابا على وعود التحديث السياسي، وسيكون لنا مسيرة حاشدة يوم الجمعة بعد صلاة الظهر تنطلق من أمام المسجد الحسيني، تحمل كلا من الحكومة ومجلس النواب المسؤولية التامة عن إقرار هذا القانون الذي ينتهك الدستور والمواثيق الدولية ويخرج عن القواعد العامة في الجزاء، والذي سيتسبب في تكميم الافواه وانتشار الفساد وتراجع مرتبة الاردن على مقاييس الحريات ومقاييس الشفافية والنزاهة ومكافحة الفساد، وليس أدل على ذلك من النقد الحاد الذي وجهته 14 منظمة حقوق إنسان دولية بالاضافة الى الخارجية الأمريكية للأردن، ومطالبة الحكومة الاردنية بسحب مشروع القانون.

ونحن ندعو الشعب الاردني للمشاركة في مسيرة الجمعة دفاعا عن حريته وحقه الدستوري في التعبير عن الرأي وحق الصحافة والإعلام في الحرية والاستقلالية والمهنية، لأنه إن أقر هذا القانون فلن يكون بوسع أحد أن ينتقد أي مسؤول أو موظف عام بعد اليوم.

كما أننا نطلب من جلالة الملك مقابلة أعضاء اللجنة التنسيقية لشرح وجهة نظرنا حول مشروع القانون الذي نراه خطرا كبيرا يتهدد الحريات ويغتال منظومة التحديث السياسي قبل أن ترى النور، بل ويهدد استقرار النظام السياسي نفسه.

وفيما يلي نص المذكرة التي صاغتها اللجنة القانونية المشكلة من السادة والسيدات التالية أسماؤهم: د. رلى الحروب، المحامي لؤي عبيدات، المحامي معتصم أبو رمان، المحامي د. محمود العبابنة، المحامي زهير الرواشدة، المحامي باسل الرواشدة، المحامي يوسف حمدان، المحامي مصطفى فريحات.

بسم الله الرحمن الرحيم
(( ولا تلبسوا الحق بالباطل ، وتكتموا الحق وأنتم تعلمون ))

مذكرة مقدمة من اللجنة التنسيقية للمطالبة بسحب مشروع قانون الجرائم الالكترونية

( اللجنة مكونة من الأحزاب والهيئات الاعتبارية التالية: حزب العمال، حزب جبهة العمل الإسلامي، حزب الائتلاف الوطني، حزب الشورى الإسلامي، حزب المستقبل والحياة، حزب الوحدة الشعبية، حزب الشعب الديمقراطي حشد، الحزب الشيوعي، حزب البعث العربي الاشتراكي، الحزب الديمقراطي الاجتماعي، حزب الشعلة، حزب الشراكة والإنقاذ، جمعية المذيعين الاردنيين، الاتحاد العام للنقابات العمالية المستقلة، الحملة الوطنية للدفاع عن عمال الاردن (صوت العمال)، الجمعية الوطنية لحقوق الانسان، مركز عمان لدراسات حقوق الإنسان، مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية، الملتقى الوطني/الكرك، تجمع اتحرك لمجابهة التطبيع، رابطة المرأة الاردنية (رما)، حملة صحتنا حق، كتلة التجديد العربية الطلابية، الحملة الوطنية من اجل حقوق الطلبة "ذبحتونا"، رابطة النساء الديمقراطيات الأردنيات – رند، تجمع اتحرك لمجابهة التطبيع، رابطة المرأة الاردنية(رما)، حملة صحتنا حق، كتلة التجديد العربية الطلابية، التجمع الوطني لزارعي القوقعة الصوتية، الشبكة الأردنية لحقوق الإنسان والشعوب، بالإضافة إلى مئات السياسيين والصحافيين والاعلاميين والحقوقيين وناشري المواقع الالكترونية والنشطاء)

دولة رئيس الوزراء وأعضاء مجلس الوزراء

السادة رئيسي وأعضاء مجلسي الاعيان والنواب 

بعد التحية والتقدير،

فقد جاء مشروع قانون الجرائم الإلكترونية صادما بمضمونه ومفاجئا في توقيته، مشبعا بالجموح اللافت نحو مصادرة حقوق الأردنيين بالتعبير والمشاركة وإبداء الرأي، زاخرا بالمخالفات الدستورية والحقوقية والقانونية، ركيكا في صياغته وتركيب مواده، خارجا عن قواعد الهندسة التشريعية .

وإننا نحن الموقعين على هذه المذكرة لنستهجن أيما استهجان إحالته من الحكومة إلى مجلس الأمة قبل يوم واحد من افتتاح أعمال الدورة الاستثنائية ودونما أن يطلع عليه أحد قبلها أو يتم التشاور فيه مع أحد، ودونما أن ينشر على موقع ديوان التشريع والرأي لأخذ التغذية الراجعة عليه، كما نستنكر منحه صفة الاستعجال في مجلس النواب، والإسراع في إقراره من قبل اللجنة القانونية دونما تمهل وترو ودونما استشارة للجهات المعنية وعلى رأسها الأحزاب السياسية التي تم تجاهلها في الأيام المعدودات التي أجرت فيها اللجنة القانونية مشاوراتها، لنفاجأ بها وهي تهرول نحو إرسال القانون لعموم المجلس للتصويت عليه، وكأننا أمام خطر وشيك يراد استباقه أو فراغ تشريعي يخشى فيه من ارتكاب جرائم وإفلات مرتكبيها من العقاب، وهو الامر المخالف للواقع.

وعليه، فإننا نطالب برد مشروع القانون من قبل مجلس الأمة الموقر، أو سحبه من قبل الحكومة، واضعين بين أيديكم جملة الأسباب الدستورية والقانونية والحقوقية التي نؤسس عليها موقفنا الرافض لمشروع قانون الجرائم الإلكترونية والذي نجد أن إصلاح نصوصه صعب، فهو بحاجة إلى إعادة بناء كاملة، وذلك على الوجه الآتي:

أولا : لقد استقر إجماع معظم فقهاء وأساتذة وشراح القانون على أن المقصود بالجرائم الإلكترونية هو (( تلك الأنشطة الإجرامية التي تستهدف العدوان على مصالح مشروعة والتي لا يمكن القيام بها ومقارفتها الا من خلال الوسائل الإلكترونية أو أدوات التواصل الاجتماعي او النظم المعلوماتية او الشبكات العنكبوتية ، أو تلك الأنشطة الاجرامية التي تستهدف هذه الوسائل والتقنيات والنظم والشبكات بالتخريب والاختراق والسرقة والتزوير والقرصنة وسرقة حقوق الملكية الفكرية )) فهي نوع خاص من الجرائم فرضه التطور التكنولوجي، وبذلك فإن هذه الجرائم إما أن يكون محلها هذه التقنيات والنظم والشبكات والوسائل ، وإما أنه لا سبيل لارتكابها الا عبر هذه الأدوات المذكورة آنفا .

وعلى ذلك ، يخرج من نطاق الجرائم الإلكترونية ، تلك الأنشطة التي يمكن مقارفتها بشكل مباشر وعبر الوسائل التقليدية ودون حاجة للجوء الى التقنيات التكنولوجية ووسائل التواصل الاجتماعي ، فيخرج من عداد الجرائم الإلكترونية جرائم مثل الذم والقدح والتحقير، وخطاب الكراهية ، واثارة النعرات المذهبية والطائفية، والحض على النزاع بين مختلف عناصر الامة ، وإذاعة أنباء كاذبة .. الخ ، ويخرج من عدادها سلوكيات مثل تلك السلوكيات الموصوفة ب (( اغتيال الشخصية )) ، إذ لا حاجة لإدراج هذه الجرائم في مشروع القانون موضع الجدل ، خصوصا وأنها كانت وما تزال محل عناية المشرع ، وموضع تنظيم دقيق في قانون العقوبات، وهو الامر الذي يستدعي رد مشروع قانون الجرائم الإلكترونية برمته ، وإعادة إخضاعه لنقاش متخصص من قبل الجهات صاحبة العلاقة ومن بينها الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني ونقابة المحامين والنشطاء الحقوقيين.

إن القوانين ليست أرضا مشاعا ، ولا ميدانا مستباحا يزج فيه بكل ما تشتهي الانفس وتستدعي الحاجات الضيقة والمصالح الفردية والرغبات الآنية، إنما هي أدوات مجتمعية ترمي لتنظيم السلوكيات الاجتماعية وفق النواظم القائمة على العمومية والتجريد ، بحيث تخضع لتنظيم رصين وهندسة دقيقة ، فلا يجوز أن تستهدف إلا حماية المصالح المشروعة المسماة باسمها ، والتي أقرت لأجل تحصينها وضمان عدم الاعتداء عليها ، ومن هنا تغدو المواد 15 و 16 و17 و18 و19 على وجه الخصوص من مشروع القانون موضع الجدل ، يضاف اليها المواد 25 و 27 و 28 و 39 ، خارجة عن السياق ، ومقترنة بقرينة الشذوذ ، فلا محل لها في مشروع قانون الجرائم الإلكترونية ، ذلك أن زجها فيه يغدو من قبيل العزف النشاز ، والغناء خارج السرب .

ثانيا : إن الإصرار على إقرار مشروع قانون الجرائم الإلكترونية كما ورد من الحكومة ، والإصرار على تلك الجزاءات والعقوبات الجسيمة جدا وغير المسبوقة في قوانين جزائية أخرى ، ينطوي على رغبة مفضوحة في لجم المواطنين وإسكاتهم وتكميم أفواههم ومنعهم من التمتع بحرية ابداء الرأي والتعبير عن آرائهم في كل ما ينوب وطنهم من شؤون ويعتري مسيرته من تحديات ، وهو منهج خطير سيقذف البلاد الى ما بعد المراحل العرفية والى ما بعد الخطوط الساخنة ، وسيفضي لا محالة الى تراجع ترتيب الأردن في على صعيد احترام الحقوق والحريات العامة ، فضلا عن حرمان المواطنين من التمتع بحق دستوري يعد من اكثر الحقوق قداسة وإحاطة بالضمانات ، ويشكل إخلالا بمقتضيات وغايات المادة 128 من الدستور الأردني التي شددت على (( سمو الحقوق الدستورية )) وبطلان القوانين العادية التي تتضمن نصوصا تنال من جوهر الحقوق والحريات العامة وتمس أساسياتها ، فضلا عن ان هذا النهج يصادم بشكل فج المواثيق والعهود الدولية الخاصة بحقوق الانسان وحرياته وفي المقدمة منها المادة ( 5 / 1 ) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي جاء فيها :

(( ليس في هذا العهد أي حكم يجوز تأويله على نحو يفيد انطوائه على حق لأي دولة او جماعه او شخص بمباشرة أي نشاط او القيام بأي عمل يهدف إلى إهدار أي من الحقوق أو الحريات المعترف بها في هذا العهد او الى فرض قيود عليها أوسع من تلك المنصوص عليها فيه )).

وكذلك نص المادة ( 19 / 2 ) من العهد المذكور والتي جاء فيها ما يلي :
(( لكل إنسان حق في حرية التعبير ، ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها الى آخرين دونما اعتبار للحدود ، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع او في قالب فني او بأية وسيلة أخرى )) .

ونذكر بنص المادة ( 27 ) من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات والتي جاء فيها :
(( لا يجوز لطرف في معاهدة أن يحتج بنصوص قانونه الداخلي كمبرر لإخفاقه في تنفيذ المعاهدة )) .

كما نذكر بموقف القضاء الأردني من المواثيق والعهود الدولية التي انضم لها الأردن وصادق عليها، ومنها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي نشر في الجريدة الرسمية بتاريخ 16 / 6 / 2006 وغدا جزءا من النظام القانوني الأردني ، إذ استقر اجتهاد القضاء الأردني على ان المواثيق والعهود الدولية التي يصادق عليها الأردن وتستنفذ كافة المتطلبات الدستورية تدنو على نصوص الدستور ولكنها تسمو على القوانين العادية ، مما يستدعي أن لا تصدر السلطة التشريعية قوانين تصادمها وتناقض غاياتها ومراميها كما هو حال مشروع قانون الجرائم الإلكترونية المرفوض شعبيا وحقوقيا ودستوريا .

ثالثا : إن المغالاة في العقوبات بهذا الشكل الشاذ كما هو وارد في مشروع القانون، يخرج القوانين العقابية عن أهدافها المستقرة فقها وقضاء حيث ترمي هذه القوانين الى تحقيق الردع العام والردع الخاص وإصلاح الخارجين على القانون ، لتتحول – أي هذه القوانين – إلى أدوات للانتقام ، وأسلحه تسعى من خلالها قوى النفوذ والتحالف الطبقي لتوظيفها للبطش بمعارضي النهج السياسي والاقتصادي والاجتماعي وتعطيل قدراتهم وإخراجهم من ساحة التنافس السياسي .

وإن الإشارة الى مثل هذه المغالاة في العقوبات لا يعني بأي حال قبولنا بمنطق التسويات والخصومات والحسميات ، فموقفنا الذي لا تراجع عنه يتلخص بسحب القانون من ساحة التداول أو رده من قبل السلطة التشريعية بغرفتيها .
رابعا : إذا كان من المستساغ فقها وقضاء التمييز بين الجناة على أساس النتيجة الإجرامية المتحققة، أو على أساس طبيعة الشخص او المال المعتدى عليه ، فعلى سبيل المثال ووفقا لحكم المادة 330 من قانون العقوبات يغدو مقدار العقوبة أكثر جسامة إذا ما ازهقت جريمة الضرب المفضي الى الموت روح طفل لم يكمل الخامسة عشر او موظف عام اثناء ممارسته لوظيفته او من اجل ما اجراه بحكم الوظيفة او شخص من ذوي الإعاقة ، أكثر من مقدارها اذا ما أزهقت روح من لا ينتمي الى الفئات المذكورة ، إلا أنه لا محل ولا مسوغ في الفقه الجزائي لأي تفريق بين الجناة إذا ما قام هذا التمييز على أساس الوسيلة التي جرى ارتكاب الجريمة بواسطتها.
إن هذا المشروع إن جرى إقراره فإنه سيكون خروجا مستهجنا على قواعد وعلوم التشريع ، واذا كان مبررا إحاطة بعض الفئات الضعيفة بحماية أكبر من باقي الفئات فيسعى المشرع لتغليظ عقوبات الجرائم التي تستهدفها ، فإن ما هو غير مبرر ولا منطقي التمييز بين الجناة على أساس الوسيلة التي ارتكبوا بواسطتها جريمتهم ، وهو ما جاء به مشروع القانون الذي يميز بين العقوبة الواقعة في جرائم القدح والذم والتحقير ان هي ارتكبت وجاهة او عبر وسائل المطبوعات والنشر او ارتكبت عبر وسيلة الكترونية او رقمية فيأتي في الأخيرة بغرامات باهظة مجموعة مع السجن الذي قد يصل الى ثلاث سنوات، في حين أن عقوبتها في قانون العقوبات دون ذلك بكثير، وهو ما يعد مثلبة صارخة على مشروع هذا القانون ، وعيبا حقوقيا ودستوريا مسيئا لسمعة المؤسسة التشريعية إذا أقرته .
خامسا : إن واحدا من أخطر العيوب والمآخذ الدستورية والحقوقية التي جاء بها مشروع القانون ، ما ورد في المادة ( 25 ) منه حينما اعتبر صاحب الموقع الالكتروني أو منصة التواصل الاجتماعي أو المسؤول عن أي حساب أو صفحة أو مجموعه أو قناة مسؤولا عن المحتوى غير القانوني بحيث يتعرض لشبح العقاب عن الجرائم التي ترتكب خلافا لأحكام القانون بالعقوبات المقررة لفاعلها ، و هو منحى خطير يصادم جذور واساسيات العدالة الجزائية التي تعتمد قاعدة ( شخصية المسؤولية الجزائية ) وهي القاعدة المؤسسة على المبدأ القائل ب ( لا يلاحق المرء عن فعل غيره ) و ( لا تزر وازرة وزر أخرى ) ، كما وأن مثل هذا المنحى يصادم نص المادة ( 75 ) من القانون الام وهو قانون العقوبات والتي جاء فيها ما يلي : (( فاعل الجريمة هو من أبرز إلى حيز الوجود العناصر التي تؤلف الجريمة او ساهم مباشرة في تنفيذها )) .
سادسا: بل إن المادة 25 من المشروع لا تنتهك فقط مبدأ شخصية المسؤولية الجزائية وإنما تميز بين الأفراد في التجريم، فهي تمنح مديري المواقع التابعة للحكومة واصحاب الحسابات الشخصية فرصة لشطب التعليقات المسيئة قبل التجريم، ولا تمنح هذا الحق لباقي مستخدمي الشبكة العنكبوتية ومواقع التواصل والمواقع الالكترونية، سواء كانوا من الشخصيات العامة أو الشخصيات الاعتبارية او الشركات أو المؤسسات الخاصة أو الأفراد، وفي هذا انتهاك للمادة السادسة من الدستور التي تقول إن جميع الأردنيين أمام القانون سواء، ومجافاة لمبادئ العدالة والمساواة وهي العمود الفقري الذي تبنى عليه القوانين.
سابعا : وإن الاتيان بمصطلحات غير معرفه قانونيا مثل بعض المصطلحات التي جاء بها مشروع القانون واعتبارها جرائم من على شاكلة مصطلح ( اغتيال الشخصية ) و ( النيل من الوحدة الوطنية ) و ( إثارة الفتن أو النعرات ) تعد عيوبا كبيره من العيوب التي انطوى عليها مشروع القانون، فكيف يمكن للمشرع ان يعاقب على جرم لم يعرفه؟ إن في هذا خروجا على القاعدة الجزائية لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، كما أن الزج بمصطلحات غير حقوقيه ولم يسبق لفقهاء القانون أن أخضعوها للدرس لتبيان عناصر وأركان الجرائم التي تتشكل بسبب ارتكاب السلوكيات التي تقوم عليها ، أمر يتنافى مع مبادئ الشرعية ، وقواعد العدالة الجزائية التي تعتمد على تجريم سلوكيات محرمة لها تعريفات حقوقيه واصطلاحية محدده ومعروفه وتنهض على أركان وعناصر مادية ومعنوية أشبعت شرحا وبيانا ، في حين أن السلوك المتمثل ب (( اغتيال الشخصية )) وباقي المصطلحات الأخرى التي سبق التنويه لها ، لم يسبق لفقهاء القانون أن اعتبروها جريمة ولا يوجد في ادبيات القانون وشروحات فقهائه وعلمائه أي نظريات واضحة يمكن لها أن ترسم معالم الطريق للباحثين والقضاة والمشتغلين في ميادين إنفاذ القانون ، مما يؤدي الى تضليل العدالة والحاق الظلم بكل من تطاله مفاعيل هذه المصطلحات والنصوص .
ثامنا: والأمر ذاته يسري على مصطلحات جرمها مشروع القانون من مثل (ازدراء الأديان) و( الاخبار الكاذبة) و( الكراهية)، وقد جاءت بلا تعاريف في هذا المشروع، وهي ليست معرفة في قانون العقوبات ولا حتى في قانون المطبوعات والنشر، ولا توجد اي اتفاقية دولية تعرفها باستثناء مبادئ كامدن التي تضع معايير لما يمكن اعتباره جريمة كراهية، ولكن مشروع القانون لم يستعن بها ولم يدرجها في المادة ( 2) ضمن التعريفات، اما جرم ازدراء الأديان فهومصطلح فضفاض لا بعد من تعريفه والا بات من المستحيل مناقشة اي مفاهيم دينية في الفضاء العام، كما أن الاخبار الكاذبة بحاجة الى تعريف ايضا، وبيان الفرق بينها وبين الأخبار الزائفة والاشاعات، وهل تعتبر معلومة خاطئة ضمن سياق من المعلومات الصحيحة خبرا كاذبا؟ غياب هذه التعريفات التي تحدد الجرم وماهيته يترك السلطة التقديرية مفتوحة على اوسع أبوابها أمام النيابة العامة لتكييف الجرم كيفما تشاء وامام القضاء لتفسير الفعل حسب فهم القاضي الذي ينظر الدعوى، وهو ما سيؤدي الى تفاوت الأحكام القضائية بخصوص الفعل الواحد، وهذا خروج على قواعد العدالة الجزائية وتشوه بالغ نربأ بالمشرع ان يرتكبه.
تاسعا : وفي إكمال لدائرة التشوهات التي جاء بها مشروع القانون جاءت المادة ( 39 ) منه لتمنح مجلس الوزراء صلاحية إصدار الأنظمة اللازمة لتنفيذ القانون ، وهو أمر مستهجن في سياق القوانين العقابية التي يناط أمر إصدارها وصياغة نصوصها للسلطة التشريعية وحدها دون تدخل من السلطة التنفيذية اعتمادا على المبدأ الحقوقي الراسخ الذي أرسته المادة ( 3 ) من قانون العقوبات والتي جاء فيها ما يلي: (( لا جريمة إلا بنص ولا يقضى بأي عقوبة أو تدبير لم ينص القانون عليهما حين اقتراف الجريمة ... الخ)).
إن واحدا من أهم المبادئ الأساسية التي تقوم عليها العدالة الجزائية أن إقرار تجريم أي سلوك بشري ومقابلته بالجزاء الرادع لا يمكن أن يتم إلا من خلال القوانين العادية التي تصدرها السلطات التشريعية ( البرلمان ) بصفتها المعبر عن ضمير الشعب والقيم على مصالحه ، وبحكم انها وبهذه الصفة الاقدر على تحديد السلوكيات المحرمة والمعتبرة جرائم وفقا لمصالح وقيم المجتمع الذي يمثله سواء كانت الاجتماعية والدينية والسياسية والاقتصادية ، أما ان يؤتى بقانون ينيط بالحكومة مثل هذه الصلاحيات والوظائف فإن في ذلك خروجا سافرا على قيم وأساسيات علوم العدالة الجزائية، بل إنه أمر مخيف ومستهجن لأنه ينذر بنقل سلطة التجريم من يد المشرع الذي يصدر القوانين إلى يد السلطة التنفيذية التي تصدر الأنظمة والتعليمات.
عاشرا: إن توقيع العقوبات ذاتها في مشروع هذا القانون على كل من الفاعل والمحرض والمتدخل والشريك هو خروج آخر على القواعد العامة في قانون العقوبات، فالأصل أن يعاقب المرء على قدر إسهامه في إخراج الجرم إلى حيز الوجود لا أن يتساوى الجميع في العقوبة بغض النظر عن تفاوت إسهامهم في الفعل.
أحد عشر: إن المساواة بين الجريمة الكاملة والشروع فيها من حيث العقوبة هو أمر مستهجن تشريعيا وخروج على القواعد القانونية الراسخة في قانون العقوبات وسائر القوانين الجزائية، وهو الامر الذي جاءت به المواد 4 و10/ ب من مشروع القانون.
اثنا عشر: بمطالعة أولية لمشروع القانون فإن اول ما يلفت الانتباه والتعجب هو الغرامات التعجيزية المدمرة ، فلا يمكن في أي مجتمع ضمان التصرف الإنساني وتحصينه من الوقوع في الخطأ، إلا أن معالجة الخطأ لا تكون بالعقوبات القاسية المستبدة، لأن الهدف الأساسي للعقوبة هو الإصلاح وليس التشفي والانتقام من الجاني ، إن غرامات بعشرات الآلاف على الأفراد- على فرض الوقوع بالخطأ- هي بمثابه إعدام مالي ومهني واجتماعي، قد يطال الصحفيين وأصحاب الرأي والمستثمرين في تكنولوجيا المعلومات الذينً بالإضافة إلى الحبس والغرامة- تتطبق عليهم العقوبات التبعية كمصادرة الأجهزة والأدوات وإغلاق المؤسسة.

ففي مشروع هذا القانون نصت جميع المواد القانونية على عقوبات حدها الادنى ستة اشهر وحرمت القضاء من استعمال الاسباب المخففة تبعاً للظروف ولشخصية الجاني، ونشير بهذا الصدد الى أفعال الذم والقدح والتحقير، حيث تم فرض عقوبة واحدة على الأفعال الثلاثة ، بالرغم من تفاوت العقوبة بين فعل الذم وفعل القدح وفعل التحقيير في قانون العقوبات، كما أن أركان كل فعل تتفاوت أيضا، فقد نص قانون العقوبات في المادة (189) على اركان معينة في الذم والقدح منها ان يكون في مكان يمكن لأشخاص آخرين ان يسمعوه قل عددهم أو كثر، كما أن الذم والقدح الغيابي من شروطه أن يقع أثناء الاجتماع بأشخاص كثر مجتمعين أو منفردين ، فكيف سيكون التكييف في حال كان ذلك على شبكة الإنترنت.

ثلاثة عشر: إن مشروع القانون يعاقب على الافعال حتى وإن لم يترتب عليها ضرر، أي أنه يجرم على مجرد الخطر، وهذا الأمر لا وجود له في القوانين الجزائية إلا في قانون مكافحة الإرهاب.
أربعة عشر: إن العقوبات التي جاء بها مشروع القانون بشكل عام ، والجمع بين الحبس والغرامات الباهظة بدلا من ترك السلطة التقديرية للقضاة للاختيار بين الحبس والغرامة بناء على ظروف الدعوى والمشتكى عليه ليست متدرجة ولا تتناسب مع الجرم المرتكب ولا نتائجه او تأثيراته، كما أنها غير منطقية فلا يعقل أن تنص المواد التي تطال حرية الرأي والتعبير وحرية تداول المعلومات على غرامات مالية تفوق دية القتل الشرعية وتفوق أي غرامات نصت عليها جميع القوانين الجزائية لجرائم خطيرة تمس أمن المجتمع وحياة الافراد، وهذا خروج آخر على مبدئين جزائيين مستقرين هما تدرج العقوبات و تناسب العقوبة مع الجرم.
خمسة عشر: جاء المشروع بحكم يخرق القاعدة العامة في قانون العقوبات من أن شكوى الحق العام في جرائم القدح والذم والتحقير لا تتحرك إلا بناء على الادعاء بالحق الشخصي، ولكن مشروع القانون يمنح النيابة العامة الحق في تحريك الشكوى دونما ادعاء بالحق الشخصي في حال توجيه النقد لاي من سلطات الدولة او مؤسساتها أو هيئاتها أو اي موظف عام، وهو ما يجعل القضاء في مواجهة المواطنين بدلا من ان يكون حكما بينهم، ويحصن كل موظفي الدولة من النقد في ظل أن هذا القانون لا يرسم الخط الفاصل بين النقد المباح والإساءة التي يجرمها القانون.
ستة عشر: هذا المشروع يخالف تشريعات نافذة منها قانون حماية أسرار ووثائق الدولة رقم 50 لسنة 1971 الذي فرق بين الوثائق المهمة والأقل أهمية، بينما لم يفرق مشروع القانون الحالي في العقاب بين الوثائق الأهم والأقل أهمية وعاملها من حيث التجريم كوحدة واحدة.
سبعة عشر: هذا المشروع وضع عقوبات شديدة جدا كالأشغال الشاقة المؤقتة التي تصل إلى خمسة عشر سنة على أفعال جرمية لا تستدعي كل هذا الغلو في العقوبة، هذا عدا عن قيم الغرامات المبالغ فيها، ومثال ذلك المادة 5/ج.
ثمانية عشر: المشروع يخالف الدستور الأردني في جملة أحكام وقواعد، ومنها أنه يخالف الفهم السليم لنص المادة (15/1) من الدستور التي تنص على : (1. تكفل الدولة حرية الرأي، ولكل أردني أن يعرب بحرية عن رأية بالقول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير بشرط أن لا يتجاوز حدود القانون)، مقترنة بنص المادة (128/1) من الدستور التي تنص على: 1. لا يجوز أن تؤثر القوانين التي تصدر بموجب هذا الدستور لتنظيم الحقوق والحريات على جوهر هذه الحقوق أو تمس أساسياتها، كما أنه يقيد حق المواطن في مخاطبة السلطات العامة، وهو الحق الذي نصت عليه المادة 17 من الدستور، حيث أن أي نقد مهما كان مستواه عند مخاطبة هذه السلطات معرض للتجريم، كون المصطلحات الجرمية غير منضبطة بتعريفات واضحة.
تسعة عشر: الجرائم والقضايا التي يتناولها هذا القانون تعطى صفة الاستعجال، ويفصل فيها خلال ثلاثة أشهر، حسب ما نصت عليه المادة 34 من القانون، وفي هذا عبء إضافي على الجهاز القضائي، لا بل، فيه إخلال بقواعد العدالة الجزائية ومبادئ المحاكمة العادلة، وظلم لأطراف الدعوى الذين سيحرمون من تقديم بيناتهم تحت وطأة الزمن القصير الممنوح لهم، وكلنا يعلم أنه حين يتعلق الأمر بمعلومات تحجبها الحكومات او المسؤولون الفاسدون فإن الحصول على البينات يضحي مسألة صعبة وبحاجة إلى وقت، وهو ما لا يسمح به هذا المشروع.
عشرون: إغفال مبدأ تفريد العقوبة، وهو ما تقوم به السلطة التشريعية وذلك بوضع نصوص قانونية تتضمن مقاييس عامة واخرى خاصة لتحديد العقوبة لتحقيق التفريد العقابي كالإعذارات القانونية المعفية والمخففة للعقوبة وكذلك الظروف القانونية المشددة للعقوبة،
فالمشرع عند وضعه هذه الاعذار والظروف يهدف بذلك فسح المجال للقاضي ان يطبق ما يراه مناسباً من عقاب على المجرم حسب ظروف الجريمة والمجرم وبالتالي تطبيق العقوبة الانسب، وبهذا الخصوص فقد ساوت كثير من المواد في العقوبة على افعال تتابين خطورتها ومثال ذلك : العقوبة على الحيازة دون تصريح على برنامج قد يستعمل في الجريمة وإنتاج برنامج قد يستعمل في الجريمة فإن مشروع القانون قد حرم قاضي الموضوع من تخفيض العقوبة عن حدها الأدنى، عدا عن إغفاله العقوبات البديلة التي من الممكن اللجوء اليها.

واحد وعشرون: عدم مراعاة مشروع القانون للتشريعات الأعلى وللقوانين المرتبطة بنفس الغاية، فبالإضافة إلى عدم مراعاة النصوص الدستورية التي سبق الإشار اليها كان لا بد مراعاة قانون العقوبات الذي عالج كثير من الأفعال الجرمية، وكذلك قانون المطبوعات ، وقانون حماية البيانات الإلكترونية، وهو ما لم يفعله مشروع القانون. إن مسألة تداخل القوانين هي التي تمنع المطبق من ابتكار مبادئ قانونية مستقرة بما يتناسب مع الموضوع محل التنظيم.

اثنان وعشرون: مخالفة مبدأ التوافق مع المواثيق والتشريعات الدولية التي صادق عليها الأردن، فقد كفلت الشرعة الدولية (الاعلان العالمي لحقوق الانسان والعهدان الدوليان للحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والثقافية والاجتماعية ) صون حرية الرأي والتعبير بعيداً عن التضييق والتحقيق، فقد جاء بالمادة (19) من الاعلان العالمي لحقوق الانسان ما يلي: - "لكل إنسان الحق في اعتناق الآراء دونما مضايقة والتعبير عنها بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود" وقد تكرر ذلك في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية تعزيزاً لممارسه الفرد أبسط حقوقه القانونية والسياسية.

ثلاثة وعشرون: عدم ملاءمة التشريع لحال المكلف، إذ ينظر الى التشريع ومدى ملاءمته من زاوية المكلف بالتطبيق ، فوضوح التكليف المقرر بالتشريع وعلم المكلف به عنصر من عناصر مشروعية إلزام المكلف بالأحكام المقررة في القانون، فلا يجوز التكليف بغموض أو من خلال العبارات المرسلة أو العصية على فهم الرجل العادي ، حيث لا يشفع له عدم علمه بالقانون لأن القاعدة القانونية الجزائية تنص على : لا يعتبر جهل القانون عذراً لمن يرتكب اي جرم، و بهذا الصدد يقتضي توضيح كثير من العبارات التي لا تعريف محدد ومتفق عليها كما أشرنا إلى ذلك في نقطة سابقة. إن مضمون التكليف في التشريع يرتبط بفقرة التشريع لدى صانعه، ويرتبط بوضوح اللغة الموصلة إلى مضمون التكليف وهذه اللغة يجب أن تحقق هدفاً مزدوج الدقة في تحديد التكليف ووضوح التكليف لدى المكلف، ولنضرب مثالاً على ذلك : لو قام شخص بتصوير أحد رجال الدرك وهو يضرب مواطناً في الشارع العام و قام بتصوير هذه الحادثة و انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي ، و قد ينتج عن ذلك تعريض شخصية رجل الأمن للخطر هذا من جهة و من جهة اخرى فقد وثقت الصورة حاله اعتداء لا مجال لتكذيبها و تستدعي من السلطات الرسمية معالجتها وإصلاح العطب.... فهل نحن بصدد حرية النشر للتوعية أم أن فعل من قام بالتصوير مجرم بحسب نص المادة (24) من مشروع القانون؟


أربعة وعشرون: إن بعض الأحكام في المشروع غير قابلة للتطبيق، وهي عرقلة واضحة لحرية الاستثمار الرقمي، عدا عن كونها اعتداء على سرية البيانات، ومن ذلك مثلا إلزام الشركات الأجنبية التي تنشئ منصات تواصل اجتماعي ولها متابعون فوق المائة الف مستخدم في الاردن بفتح مكاتب لها لتلقي الاشعارات القضائية وطلبات المسؤولين الحكوميين والافصاح عن هوية مستخدميها وبياناتهم السرية، وهذا فيه إعاقة اولا للاستثمارات الرقمية وفيه اعتداء على الحق في السرية وهو أحد الحقوق الرقمية التي أقرتها المفوضية العامة لحقوق الإنسان التابعة لهيئة الأمم المتحدة.
وإن العقوبة المترتبة على عدم امتثال تلك الشركات ستشمل حظر الإعلانات على المنصة وتقييد النطاق الترددي تدريجيًا عبر تقييد الإنترنت لجعل النظام الأساسي بطيئًا أو غير قابل للاستخدام
وهذا يمثل مخاطر جسيمة على الحق في حرية التعبير، ويعيق الوصول إلى المنصات والمواقع الالكترونية والتطبيقات الذكية المستخدمة على اجهزة الهاتف الذكية، في وقت يحرم فيه المواطنون في الأردن فعليا من المساحات والمنتديات للتعبير عن آرائهم، في ظل حظر تطبيقات مثل الكلوب هاوس والتك توك وتقييد حسابات المعارضين السياسيين على الفيس بوك، فإن الحكومة تسعى إلى تعزيز سلطتها على جميع منصات التعبير وتحاول إعادة عقارب الساعة إلى الخلف والعودة إلى ما قبل عصر تكنولوجيا المعلومات والثورة الرقمية.

خمسة وعشرون: هذا المشروع سيضعف القدرة على استخدام برامج البروكسي و(VPN) ، وعلى الرغم من أن تقييد الحق في عدم الكشف عن الهوية من أجل تحديد المشتبه فيهم جنائياً ومنع أو مقاضاة النشاط الإجرامي هي مسألة ضرورية، ولكن أي قيود على التشفير وإخفاء الهوية يجب أن تكون مستهدفة وضرورية ومتناسبة ويتم إجراؤها على أساس كل حالة على حدة. وما نخشاه ان يؤدي إقرار هذا القانون إلى إجبار الأفراد على الاختيار بين الحفاظ على هويتهم آمنة والقدرة على التعبير عن آرائهم بحرية عبر الإنترنت.
وقد ذكر المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير في تقريره لعام 2015 حول التشفير أن "التشفير وإخفاء الهوية يوفران للأفراد والجماعات منطقة خصوصية على الإنترنت لاعتناق الآراء وممارسة حرية التعبير دون تدخل أو هجمات تعسفية وغير قانونية". وهذه مسألة هامة بشكل خاص للمعارضين السياسيين أو المدافعين عن حقوق الإنسان أو الصحفيين الاستقصائيين ، الذين سيتم تقييد مشاركتهم في الخطاب العام إذا أٌقر هذا القانون بصورته التي أرسلت بها اللجنة القانونية إلى المجلس.

ستة وعشرون: يمنح مشروع القانون للنيابة العامة وللقضاء الحق في مصادرة الاجهزة والادوات التي ارتكب " الجرم " بها، بما في ذلك جرائم الرأي، كما يمنحهما القدرة على تعطيل عمل الموقع الالكتروني أو الشبكة العنكبوتية او منصة التواصل الاجتماعي أو الصفحة او القناة وحجبها عن المستخدمين واعتراض سير بياناتها وإغلاق المحل كليا لمدة قد تصل إلى سنة، وهو ما يشكل خطورة على الاستثمارات الرقمية وينذر بخسارات مالية باهظة وتصاعد في أرقام البطالة ويؤدي إلى عزوف المستثمرين عن الاستثمار في قطاع تكنولوجيا المعلومات.

سبعة وعشرون: إن هذا المشروع يتضارب كليا مع السياسة العقابية التي تبنتها المملكة عندما عدلت قانون العقوبات مؤخرا وأقرت العقوبات البديلة عن العقوبات السالبة للحرية، فقد جاءت نصوص القانون لتجمع بين السجن والغرامات الباهظة معا ولم تترك للقضاة لا حرية الاختيار بينهما ولا حرية توقيع عقوبات بديلة عن السجن، وهو ما سيؤدي إلى كثرة القضايا في المحاكم وكثرة المحكومين والموقوفين في ظل أن مشروع القانون هذا يسمح بالتوقيف على ذمة القضية، بما في ذلك قضايا الرأي، خلافا لقانون المطبوعات والنشر المعدل لسنة 2012 والذي منع التوقيف في قضايا المطبوعات والنشر.

ثمانية وعشرون: هذا المشروع يخالف مبدأ قانونيا هو الغرم بالغنم، صحيح أن هذا المبدأ يعمل به في المعاملات المدنية، و لكننا نستشهد به كمبدأ قانوني عام أمام حالة إغفال تعويض من ثبتت براءته أو عدم مسؤوليته بعد ملاحقة النيابة العامة له أو توقيفه على ذمة القضية.
وأخيرا، فإن الأصل في الدول التي تمر بتحول ديمقراطي كالأردن وتزعم أنها تمتلك منظومة تحديث سياسي ستؤدي الى دخول الأحزاب للبرلمان وتداول السلطة سلميا بين الأحزاب أن تفتح الباب على مصراعيه أمام حرية الرأي والتعبير وحرية تداول المعلومات وحرية الاستثمار الرقمي وسائر الحقوق الرقمية، وأن تنحا منحى الدول الحرة والديمقراطية التي لا تجرم ما يتعلق بحرية الرأي والتعبير وتداول المعلومات جزائيا بل مدنيا، فهي لا تعتبرها جرائم وتتعامل معها ضمن القوانين المدنية لا الجزائية، وفي حال الإدانة عند تحريك الادعاء بالحق الشخصي فإن الحكم يكون بالتعويض المدني للمشتكي وليس بالحبس والغرامات لخزينة الدولة، وعليه، فإن الزج بنصوص تطال حرية الرأي والتعبير وتداول المعلومات في هذا المشروع إنما هي طعنة في صدر منظومة التحديث السياسي التي ضمنها جلالة الملك وانقلاب على كل الوعود بتحول ديمقراطي ومحاربة جادة للفساد، فلا ديمقراطية دون حرية تعبير، ولا محاربة للفساد دون حرية تعبير!
إننا نعتبر الحكومة التي أرسلت بهذا المشروع وزجت فيه بنصوص تطال حرية التعبير وحرية الصحافة والإعلام الرقمي عدوا للديمقراطية والحرية والإصلاح السياسي، ويؤسفنا أن ينقاد مجلس الأمة فلا يتصدى لهذا القانون ولا يرده، بل ويمرره بعجلة غريبة غير مفهومة ودونما تبصر ودونما استشارة للأحزاب السياسية والقوى المدنية الحية التي عبر معظمها عن رفضه لهذا المشروع، ودونما احترام لرأي اللجنة التنسيقية للمطالبة بسحب قانون الجرائم الالكترونية والتي تضم هيئات اعتبارية عدة الى جوار مئات الصحافيين والإعلاميين والحقوقيين والسياسيين والنشطاء وناشري المواقع الالكترونية، والتي طالبت بالاستماع إليها مرارا وتكرارا، بل ونتعجب ونستهجن أن تمرره اللجنة القانونية في مجلس النواب دون شطب المواد المقحمة فيه والتي لا شأن لها به، كما وضحنا في النقطة الأولى من هذه المذكرة، ودونما إصلاح للعوار التشريعي الواضح فيه، وهذا أضعف الإيمان، وعليه، فإننا نعتبر مرور القانون بشكله الحالي فضيحة تشريعية وسيكون لنا خطوات تصعيدية قادمة دفاعا عن حريات الأردنيين التي يصادرها مشروع هذا القانون.