التسحيج والكرامة

 
أصبحت معتقدا أن أهم القيم التي تسيطر على الأردنيين هي الكرامة الشخصية وصيانتها والدفاع عنها، فالأردني قد يتحمل صعوبات العيش المختلفة، وأوقات العمل الطويلة، ويتحمل نقص الخدمات الحكومية وضعفها، ولكنه يثور غاضبا إذا تم الاعتداء على كرامته، أو أهانته، والتجاوز عليه وعلى عرضه، والشواهد على ذلك كثيرة.
أكتب ذلك بعد نقاش طويل مع أحد من يوصفون (بالسحيجة)، وهو مصطلح يطلق كما نعلم على من يؤيدون كل ما يصدر عن أجهزة الحكومة المختلفة، ويتحمسون للدفاع عنها، بالرغم من عدم امتلاكهم الأدلة المقنعة التي تعزز موقفهم هذا، وقد جرى الحوار على هامش مناسبة اجتماعية جمعتنا على طاولة واحدة، وكان يدافع فيها بحماسة عن قانون الجرائم الإلكترونية، وعن موقف النواب في مواجهة (ما أسماه الزعرنة) التي يمارسها البعض على وسائل التواصل..
وبعد نقاش منطقي وهادىء، خفف من هجومه قليلا، فسألته: لنفترض جدلا أن الحكومة طرحت قانونا خاطئا من وجهة نظرك أنت، هل ستدافع عنه بالرغم من عدم قناعتك؟ تردد قليلا، واعتدل في جلسته، وبعد برهة صمت قال: صعب علي والله، ولكن دعني أشرح لك نظريتي في الحياة، وبعد خبرة امتدت أكثر من عشرين عاما: إن الدولة إذا أرادت شيئا فإنها قادرة على تنفيذه، حتى لو رفضه جميع أبناء الشعب!! فلماذا أعرّض نفسي لغضب الدولة؟ وأنت تعرف ماذا ستخسر إذا غضبت عليك الدولة؟ أهم ما ستخسره مكانتك الاجتماعية وتأثيرك وخدمتك لأهلك ومعارفك، وأبسط مثال على ذلم أنني حاليا لما أدخل على المحافظ يقوم من كرسيه ويستقبلني بالأحضان، ويستجيب لأغلب طلباتي ضمن حدود صلاحياته.
نظر يمنة ويسرة، وكأنه سيتحدث بسر خطير، وقال لي: والله إن الجميع عارف وين الصح وين الخطأ، ولكن يا عمي الحكي كله ما يستاهل يسحبك شرطي على النظارة ليلة، أو يدخل عليك الأمن بالليل ويروعوا أولادك وزوجتك، مثل ما حصل مع فلان (ذكر اسم أحد الحراكيين المعتقلين) والسؤال ليش تعمل هيك، وليش ما تحافظ على كرامتك وكرامة عيالك؟ وخصوصا إن الكلام ما يغير شيء.
لفت نظري بحديثه إلى أهمية الكرامة عند هذا (الشخص) وأنها بالنسبة له تعدل كل المواقف حتى لو لم يكن مقتنعا بها، وقد صدمت لوهلة بسبب هذا المنطق الذي يتحدث به، فقلت له: عارف أين مشكلتنا يا صديقي مع منطقك هذا؟ قال أين؟ قلت: مشكلتنا أننا حريصون على كرامتنا الشخصية كثيرا، لدرجة أننا مستعدون للتضحية بكرامة الوطن من أجل الحفاظ عليها.