الارادة الملكية بين مشروعين..
بعد أن استكمل الرسميون في مختلف مراكز صنع القرار وفي مجلس الأمة بغرفتيه، الاجهاز على الحريات العامة تماما بعد مصادقتهم على مشروع قانون الجرائم الالكترونية، ونحن هنا نتحدث عن الحريات العامة التي كان يفترض أن تُكفل وتُصان ويجري تعزيزها ونحن سائرون أو ننوي السير نحو الاصلاح السياسي، بقي أن نسأل: هل يستطيع أي مسؤول في بلادنا أن يتحدث عن منظومة الاصلاح بعد اليوم؟!
بتقديري، لن تتوقف عمليات التضليل والعبث، وستستمر محاولات التحايل وبيع الوهم والاستعانة بالمتحاذقين من الساسة والكتاب، وهذا سياق مرتبط بعقلية رسمية تدير المشهد تظن أنها قادرة على تضليل الناس والهائهم وتشتيت انتباههم، وتحويل هذا التقويض الممنهج الذي تعرض له نهج الاصلاح بعد اقرار مشروع قانون الجرائم، إلى واقع يمكن قبوله والتعايش معه.
ربما يظنّ الرسميون ان الهيمنة على وسائل الاعلام، والسيطرة على السوشيال ميديا وضبط ايقاعها، كافيان لادارة العقل الجمعي وتوجيه بوصلته وتكوين قناعاته ومواقفه، إلا أن هذا الظن -الخائب- ينطوي على استخفاف بوعي الأردنيين وقدرتهم -ذاتيا- على ادراك الواقع على حقيقته.
الخوف قد يكون سببا مباشرا لسكوت الناس، وقد يكون طموح البعض وتهافتهم سببا آخر في التظاهر أو التصالح مع ما يقال عن مشروع الاصلاح الموءود، ولكن هذا لا يعني أبدا أن أحدا بعد اليوم ستنطلي عليه هذه الخديعة الكبرى..
حتى المراهنون على الهوامش الضيقة التي أتاحتها منظومة التحديث السياسي التي أُقرت، الطامحون بتعظيمها تدريجيا، أصيبوا باحباط شديد، وأظهر غالبيتهم معارضة شديدة لمشروع قانون الجرائم الالكترونية، لادراكهم - وهم من الساسة المتمرسين في العمل العام- أن دلالة اقرار قانون الجرائم الالكترونية يكشف هزالة وضعف هذا الرهان، ويشي بخسارة سياسية فاضحة. وهذه هي حقيقة المعنى والدلالة..
مشروع قانون الجرائم الالكترونية ينتظر الارادة الملكية، واقراره يعني أننا دخلنا في حقبة هي النقيض تماما للاصلاح والتحديث السياسي، هذا أمر يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار قبل المصادقة على هذا القانون.
إن أي حديث عن انتفاء العلاقة بين المشروعين -مشروع تحديث المنظومة السياسية ومشروع قانون الجرائم الالكترونية-، لن يكون مقنعا أبدا ، وسيضع الجميع في حرج شديد، فليس من الممكن أن نجمع بين الشيء ونقيضه في آن معا..