للمروجين للرواية الرسمية: الملك رأس السلطات والدستور يمنحه حق رد القوانين
كتب أحمد الحراسيس -
بإيقاع منتظم، واصل مؤيدو ومروّجو قانون الجرائم الالكترونية الردّ على النداءات المختلفة التي تدعو الملك إلى ردّ مشروع قانون الجرائم الالكترونية وعدم المصادقة عليه، قبل أن ينشر الكاتب الصحفي حسين الرواشدة أخيرا مقالا خصصه لنقل ما أسماها "الرواية الرسمية" التي خلُص فيه إلى معلومة "أن الملك سيصادق على القانون"، وذلك في الوقت الذي كان يؤمّل فيه أن يُخصص الزميل عامود الرأي المخصص له لبيان وجهة نظره في القانون، سيّما وأن هنالك وسائل إعلام عديدة وكبرى رسمية وشبه رسمية لا تتوانى عن نشر الرواية الرسمية، لا بل تمتنع عن نشر ما يتعارض معها جملة وتفصيلا!
"الرواية الرسمية" التي لم ينشرها غير الرواشدة، تصف المطالبات والدعوات التي وجهها معارضو القانون الذين يشكّلون طيفا واسعا من أبناء الشعب الأردني والأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الحقوقية الدولية بأنها "ابتزاز سياسي" انحرف عن السياق الدستوري لصلاحية الملك في ردّ القوانين، والحقيقة أننا لا نفهم كيف يمكن تصنيف اللجوء إلى الملك بأنه "ابتزاز سياسي"!
واستند الزميل الرواشدة -ناقل الرواية- إلى ثلاثة محاور في محاولة تبرير مصادقة الملك على قانون الجرائم الالكترونية الجدلي؛ أولها أن "الملك أمام قانون أقرّه مجلس الأمة وأن الملك يحترم إرادة هذه المؤسسة"، وثانيها أن "الملك لا يملك حقّ الفيتو"، وثالثها أن "هناك فرقا بين قانون التقاعد المدني الذي ردّه الملك عام 2014 وقانون الجرائم الالكترونية".
أما القول إن "الملك أمام قانون أقرّه مجلس الأمة وأنه يحترم إرادة هذه المؤسسة"، فهذا لا يُلغي صلاحية الملك الدستوري في عدم التصديق على القوانين، فالدستور يشير بوضوح إلى أن الملك هو رأس الدولة ورأس السلطات، والمادة (93) من الدستور تنصّ على أنه "إذا لم ير الملك التصديق على القانون فله فـي غضون ستة أشهر من تاريخ رفعه إليه أن يرده إلى المجلس مشفوعاً ببيان أسباب عدم التصديق". إذن فنحن نتحدث عن صلاحية وحقّ منحه الدستور للملك. ولا ينبغي، ولا يليق بأحد أن يحاول سلبه هذا الحق تحت أيّ ذريعة. والأكيد أن ممارسة هذه الصلاحية لا تعني عدم احترام إرادة هذه المؤسسة لا من قريب ولا من بعيد. وهنا نذكّر الرواشدة وأصحاب الرواية الرسمية، أن الملك تدخّل في عام 2012 لتعديل مشروع قانون الانتخاب الذي أقرّه مجلس الأمة، ودعا مجلس الأمة إلى دورة استثنائية بعد أيام قليلة من اقرار قانون الانتخاب، حيث تضمّن جدول أعمال الدورة الاستثنائية قانون الانتخاب. كما نذكّر أيضا بتدخل الملك لتعديل المادة (23) من قانون هيئة مكافحة الفساد عام 2012 أيضا، وتوجيهه بإلغاء تلك المادة رغم اقرارها في مجلس النواب، وردّ الملك أيضا مشروع قانون اللامركزية عام 2015 لوجود شبهة دستورية وهو ما يؤكد أهمية الارادة الملكية والصلاحية الممنوحة للملك في تجويد القوانين.
عندما منح الدستور الملك حقّ "عدم التصديق على القوانين" إنما أراد منحه صلاحية تمكّنه من مراجعة أي تشريع يجري اقراره من السلطتين التنفيذية والتشريعية، وبما يضمن جودة ذلك التشريع وانسجامه مع تطلعات الشارع، فالملك يقرأ اتجاهات المواطنين ووجهات نظرهم، وبناء على قراءته يقرر إما المصادقة على القوانين أو ردّها إذا كانت لا تحقق المصلحة الوطنية أو لا تحقق الرؤية الملكية لما يُراد أن تكون عليه المملكة في السنوات القادمة.
وأما القول إن "الملك لا يملك حقّ الفيتو فيما يتعلق بالتشريعات" ، ففي ذلك فهم منقوص او مجتزأ للصلاحيات الدستورية الممنوحة للملك، فهو يملك مطلق الصلاحية بعدم المصادقة على القوانين حسب نصّ المادة (93) من الدستور، وهذه محطة تشريعية مهمة وأساسية، ولو كان المشرع يعتبر هذه المحطة "تحصيل حاصل"، فكان من الأولى ان يٌلغها، فالمشرع لا يلغو، والملك أيضا يملك أن يحلّ مجلسي النواب والأعيان حسب نصّ المادة (34) من الدستور، ويملك أن يقيل رئيس الوزراء أيضا حسب نصّ المادة (35) من الدستور.
وأما القول إن قرار الملك بردّ قانون التقاعد المدني عام 2012 جاء لكون الجهة التي أقرّت ذلك القانون هي جهة صاحبة مصلحة مباشرة، فإن الأمر لا يختلف كثيرا عن حالة مشروع قانون الجرائم الالكترونية، فالجهة التي أقرّته أيضا صاحبة مصلحة، فالحكومة وأعضاء مجلس الأمة معنيّون بتحصين أنفسهم من الانتقادات التي قد تطالهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي وعبر وسائل الإعلام، حيث أن القانون يهدد كلّ ناقد أو صاحب رأي بالسجن حتى قبل صدور قرار قضائي قطعي بإدانته!
الزميل الرواشدة، تحدّث في بعض جزئيات المقال عن "غياب مقياس حقيقي لفرز حجم الأغلبية والأقلية"، ويروّج لكون "الملك سيُصادق على القانون على اعتبار أن السلطة التشريعية تعكس رأي الأغلبية"، وهذا مجافٍ للحقيقة والواقع، فنسبة المشاركة في الانتخابات النيابية التي أفرزت هذا البرلمان بلغت (29%)، وإذا أردنا أن نقيس نسبة تمثيل أعضاء المجلس للشعب الأردني فربما لا تتجاوز (15%)، هذا بالاضافة إلى ما تخللته الانتخابات من مخالفات أشارت تقارير رقابية إلى أنها ضربت نزاهة العملية الانتخابية، هذا بالاضافة إلى ما أشار إليه استطلاع مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية من كون نسبة ثقة الأردنيين بمجلس النواب لا تتجاوز (22%)، فعن أيّ أغلبية يتحدث الرواشدة؟!
اليوم، ونحن أمام تشريع خطير أكدت كلّ الجهات الحقوقية أنه يهدد حرية التعبير والرأي بشكل مباشر، لا ينبغي لأحد أن يُمارس وصاية على ارادة الأردنيين من جهة، والارادة الملكية من جهة ثانية، فلا بأس في أن يدعو المؤيدون الملك للمصادقة على القانون، ولا شيء يمنع المعارضين من دعوة الملك لعدم التصديق على القانون، لكن لا يجوز لأحد أن يُصادر حقّ الملك في ردّ القانون وإبداء وجهة نظره في هذا التشريع او غيره من التشريعات .