اختيار التخصص الجامعي.. كيفية الموائمة بين الرغبة وسوق العمل

 بعد إعلان نتائج الثانوية العامة وانتظار بداية عام جامعي دراسي جديد يثار الحديث حول التخصصات المطلوبة في السوق الأردني، هربا من شبح البطالة المنتظرة بعد سنوات أربع من دراسة تخصصات راكدة أو مشبعة.  

 
 

ويتزامن ذلك مع محاولات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، استحداث برامج بكالوريوس جديدة في تخصصات مختلفة في الجامعات الأردنية تتواءم مع سوق العمل، فيما توقف القبول في بعض التخصصات بالجامعات الرسمية إلا أنه يستمر القبول فيها بالجامعات الخاصة أو عبر برامج الموازي.

وقرر مجلس التعليم العالي في جلسته التي عقدها الخميس برئاسة وزير التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور عزمي محافظة إيقاف القبول في (74) تخصصا لمرحلة البكالوريوس، و(114) تخصصا في مرحلة الدبلوم المتوسط للعام الجامعي المقبل 2023-2024، وذلك بسبب اكتمال الطاقات الاستيعابية الخاصة لهذه التخصصات.

ويشار إلى أن قائمة التخصصات المطلوبة والتخصصات المتوقع إيقاف استقبالها سندا لأحكام المادة (40/ ب) في نظام الخدمة المدنية رقم (9) لعام 2020، وفق دراسة العرض والطلب التي يطلقها ديوان الخدمة المدنية.

للإطلاع عن قائمة التخصصات:أنقر هنا

ما بين رغبة الطلبة وحاجة السوق

وما بين رغبة الطلبة في تحقيق أحلامهم وطموحاتهم من خلال دراسة بعض تخصصات التي قد تكون مشبعة أو راكدة أو حاجة السوق، يطرح تساؤل حول عمق الفجوة ما بين الرغبة والطموح وحاجة سوق العمل وتصنيفات التخصصات.

وحول ذلك، تقول الخبيرة التربوية، الدكتورة بشرى عربيات إن الطلبة وذويهم يصطدمون بعد النتائج الثانوية العامة أمام تحدي اختيار التخصص، الذي من المفترض أن يكون مناقش ومستعد له، قبل ذلك بكثير.

وتضيف عربيات لـ"الغد" إن فكرة تعبئة طلب القبول الموحد بـ11 تخصصا، يجب أن تنتهي لإرباكها للطلبة وذويهم، مطالبة بتحديدها بـ3 أو 4 تخصصات، حتى لا نُبعد الطلبة عن تخصصاتهم المرغوبة.

وتؤكد التربوية إنه يجب تقديم رغبة الطلبة على حساب حاجة العمل أو تنصيف التخصص في حال كان مشبعا أو راكدًا؛ لأن ذلك ينعكس على إبداع الطالب وتمييزه، فالتخصصات مجملًا أصبحت بحاجة إلى مهارات ودورات بالتزامن مع الحصول على الشهادة الجامعية.

ويتفق وزير التعليم العالي السابق، وجيه عويس، مع رأي عربيات، إذ يؤكد ضرورة دراسة الطلبة ما يرغبون من التخصصات بعيدًا عن تصنيفات الوزارة أو ديوان الخدمة المدنية، بحكم أن جميع التخصصات أصبحت مرتبطة بالمهارات والدورات التأهيلية وعدم انحصار الفرص في السوق الأردني.

ويشير عويس خلال حديثه لـ"الغد" إلى أنه في العام 2015 تم إعداد "الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية"، والتي دعت لوجود سنة تحضيرية للطلبة قبل دراسة التخصصات، إلا أنه لم يتم الأخذ بها.

ويوضح أنه نتيجة السياسة التعليمية الأردنية آخر15 عامًا وصلنا لمرحلة صفوف البطالة في تخصصات لا يجب أن تكون مطلوب، مثل: تخصصات الطب وطب الاسنان والهندسة، وهذا يعني "أننا وصلنا لنقطة صعبة دون وجود حل يعيدنا للسابق"، حسب قوله.

وأمام ندرة التخصصات المطلوبة في الأردن، وقلة المستحدثة، تتحدث أصوات حول المطلوب من الجهات الرسمية المختلفة لإيجاد حل ما بين حاجة السوق وحجم الخريجين، وفي هذا الصدد يعتقد الخبير الاقتصادي، حسام عايش، أن المطلوب في الأردن اليوم، هو صياغة خطة لتطوير التعليم الجامعي، مع ما سبق من معطيات مقلقة، فيجب أن تجدد التخصصات نفسها كما الاقتصاد الذي يجدد نفسه، وفق حديثه.

ويقول عايش لـ”الغد” إنه يجب أن تتواءم التخصصات مع حاجة السوق العالمي وليس الأردني فحسب، وذلك يتطلب تمكين وتأهيل الطلبة والخريجين من أدوات المعرفة للعمل في الخارج، ما يعني تغيير أدوات التعليم القديمة التقليدية، المتوقف بعضها على دراسة التخصص فقط. ومن ضمن الحلول التي برزت في السنوات الأخيرة، التوجه العام نحو دراسة استحداث تخصصات تكنولوجيا المعلومات (IT)، التي تشهد إقبالا واسعا لدراستها في الجامعات الأردنية.

ويضيف إن استحداث تخصصات جديدة أمر جيد، وذهاب مئات الطلبة لدراسة التخصصات الجديدة يعزز تلك التخصصات، غير أنها ستتوقف لاحقا عن القبول، مدللا بتخصصات العلوم الإدارية التي شهدت إقبالا ماضيا فيما أصبحت اليوم مشبعة وراكدة، فالمطلوب ليس فقط استحداث تخصصات وإنما التأهيل واستحداث وظائف في القطاعين العام والخاص.

وأشار إلى أن التخصصات الراكدة محليا ربما تكون مطلوبة خارجيا، ويجب تسويقها بشكل أفضل.

وفي وجهة نظر مختلفة، يرى مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية، أحمد عوض، أن بوابة تصنيفات التخصصات، من حيث المبدأ غير سليمة، حيث أن يتم الاعتماد على تصنيفات ديوان الخدمة الذي يتحدث عن القطاع العام فقط والذي يعمل به نحو 400 ألف، بينما نجد مليونا و700 ألف يعملون بالسوق المنظم أي القطاع الخاص.

ويشير عوض لـ”الغد” إلى أن الأهم من تسويق الخريجين في الخارج؛ تحسين جودة التعليم وتمكين حقيقي لمحتوى شهادة الخريجين، بغض النظر عن التخصصات، حيث إن أكثر من النصف يعملون في خارج تخصصاتهم، وهي ظاهرة عالمية.

ويبين أن المرحلة الثانية تأتي بعد التأهيل، تسويق تلك الأيدي العاملة في الأسواق العربية والعالمية، من خلال مذكرات التفاهم مع الدول المشغلة، وذلك دور الحكومة ممثلة بوزارة العمل، لتعبيد الطريق أمام الخريجين في تلك الأسواق وتحديدا في سوق الخليج.

ويتجاوز عدد المغتربين الأردنيين في الخارج مليون فرد، موزعين على نحو 70 دولة، بحسب إحصاءات صادرة عن وزارة الخارجية وشؤون المغتربين، وأن 79.5 % من المغتربين متواجدون في دول الخليج العربي، و11 % في الولايات المتحدة وكندا، و3.4 % في أوروبا، و3 % في باقي الدول العربية، والنسبة المتبقية في باقي دول العالم.الغد