دروس من التجربة الصينية للنهوض بسلسلة القيمة العالمية
على الرغم من التباطؤ العرضي لسلسلة التزويد العالمية، حافظت الصين على مسارها التصديري كأكبر مصدر للمنتجات المختلفة في العالم بحيث تجاوز حجم الصادرات لديها صادرات أي دولة أخرى في العالم مما جعلها لاعباً حاسماً في التجارة العالمية، هذا وتشمل هذه الصادرات مجموعة واسعة من المنتجات بما في ذلك الإلكترونيات والآلات والمنسوجات والأثاث وقطع غيار السيارات، كما نجحت في تنويع أسواق صادراتها خلال العقد الماضي. بينما يستمر الشركاء التجاريون التقليديون مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في أن يكونوا وجهات رئيسية للصادرات الصينية، عززت الصين أيضًا وجودها في الأسواق الناشئة لا سيما في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية حيث ساعد هذا التنويع الجغرافي في التخفيف من المخاطر المرتبطة بالاعتماد المفرط على أسواق محددة. من الجدير بالذكر أن العقد الماضي قد شهد زيادة في التوترات التجارية والتغييرات السياسية العالمية والتي أثرت على صادرات الصين تشمل هذه الحرب التجارية مع الولايات المتحدة والتي أدت إلى فرض الرسوم الجمركية والقيود التجارية على بعض المنتجات بحيث أثرهذا وبشكل سلبي على الميزان التجاري الثنائي بين الصين وبعض شركائها التجاريين الرئيسيين.
كان لتفشي جائحة COVID-19 في عام 2020 تأثير كبير على التجارة العالمية بما في ذلك صادرات الصين وخصوصاً في المراحل الأولى من الوباء والتي سببت اضطرابات في سلاسل الإنتاج والإمداد وادت الى انخفاض مؤقت للصادرات ومع ذلك تمكنت الصين من التعافي بسرعة نسبية حيث تمكنت من إدارة الفيروس بشكل فعال وتنفيذ بعض التدابير لدعم قطاع التصنيع لديها.
يقدم صعود الصين في سلسلة القيمة العالمية دروسًا قيمة للبلدان الأخرى التي تسعى إلى تعزيز قدرتها التنافسية ومشاركتها في التجارة العالمية، فمن خلال قصص النجاح الصينية يمكن للبلدان الاخرى وخصوصا النامية منها اكتساب رؤى ثاقبة للاستراتيجيات التي تدفع نموها الاقتصادي واندماجها الفعال في سلاسل القيمة العالمية (GVCs) حيث يمكن لدولة بسيطة الامكانات كالاردن أن تتعلم عدة دروس من التنمية السريعة للصين لتسريع نموها الاقتصادي وتحريك عجلة التنمية لديها. كان لتركيز الصين على تطوير البنية التحتية لديها محوراً رئيسيًا لنموها السريع كما لعبت استثماراتها في البنية التحتية بما في ذلك الموانئ والطرق والسكك الحديدية وشبكات الاتصالات دورًا مهمًا في دعم مشاركتها في سلاسل القيمة العالمية بحيث تعمل البنية التحتية الحديثة والمتطورة على التقليل من كلف النقل وتعزز الاتصال وتحسن كفاءة سلاسل التوريد حيث يجب على البلدان النامية الاستثمار في مشاريعها لتحسين الاتصال على المستوى الوطني، الاقليمي والعالمي وتقليل الحواجز التجارية وتسهيل حركة السلع والخدمات.
يمكن للاردن وعلى خطى جمهورية الصين الشعبية إعطاء الأولوية للاستثمار في شبكات النقل والبنية التحتية للطاقة والاتصالات السلكية واللاسلكية وغيرها من المشاريع الحيوية حيث إن تطوير البنية التحتية الحديثة والفعالة سيسهل التجارة والترابط والتكامل الاقتصادي داخل الدولة وخارجها ويعمل على جذب الاستثمارات الاجنبية وتعزيز التنمية الاقتصادية. من جانب اخر، ان لعملية التصنيع دورا هاماً في تعزيز النمو الاقتصادي والاندماج في الاقتصاد العالمي حيث يجب التركيزعلى السياسة والتنمية الصناعية كشرط هام وفعال في الاندماج فيما يعرف بسلاسل القيمة العالمية.
ان الدروس المستوحاه من التجربة الصينية هي ان الصين اصبحت مركزًا صناعيًا عالميًا من خلال إعطاء الأولوية لقطاعات صناعية هامه مثل صناعة الإلكترونيات والسيارات والمنسوجات والآلات وجذب الاستثمار الاجنبي المباشر والذي بدوره ساهم في خلق فرص العمل ومواجهة الفقروالبطالة المتفشي، هذا و يجب على الدول ان تسعى جاهدة لتحديد الأولويات وتطوير قدرات التصنيع المتخصصة لديها من خلال خلق مناخات استثمارية مواتية لجذب المستثمرين الأجانب وتعزيز التنمية الصناعية، كما يجب علينا الاستفادة من الموارد الطبيعية ذات الميزة النسبية والقوى العاملة المدربة والمؤهله لتطوير القدرة التنافسية والتي تعرف بالصناعات التحويلية والعمل على جذب الاستثمارات وتقديم الحوافز وتطويرالمجمعات الصناعية أو المناطق الاقتصادية الخاصة .
تحتاج البلدان ذات الاقتصاديات النامية إلى تعزيز روح المبادرة والابتكارو تعزيز ثقافة تنظيم المشاريع والتركيز على الابتكار الموجه للتحول الاقتصادي. من جانب اخر، يجب على تلك الدول إنشاء نظام بيئي داعم لريادة الأعمال وتوفير الوصول إلى التمويل للشركات الناشئة وإنشاء حاضنات اعمال ومراكز تكنولوجية متخصصة. كما كان لاستثمار الصين في التعليم وتنمية المهارات دور فعال في اقتصادها الناجح والذي ساعد على التعليم وتنمية المهارات وكذلك رعاية وابراز مجموعة كبيرة من العمال المهرة من منطلق الاستثمار في جودة التعليم والتدريب المهني والتعليم الفني والذي يعمل على تعزز رأس المال البشري ويزيد من قدرتها التنافسية في سلاسل القيمة العالمية. إن تسليح القوى العاملة بالمهارات والمعرفة اللازمة سيجذب المستثمرين الأجانب وسوف يمكين الشركات المحلية من المشاركة في أنشطة ذات قيمة مضافة أعلى ضمن سلاسل القيمة.
يجب على الاردن العمل جاهداً لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر كما الصين والتي نجحت من خلال تقديم الحوافز وإنشاء مناطق اقتصادية خاصة وتنفيذ سياسات ملائمة للاستثماروالتي ساهمت بفاعلية في جذب الاستثمارات لديها، كما أن تنفيذ سياسات تسهل الوصول الى الاسواق وتقديم الحوافز وإنشاء المناطق الاقتصادية الخاصة (SEZs) تمكن الحكومات من خلق مناخ استثماري مواتٍ بسيط اللوائح غيربيروقراطي مقدم للحوافز لجذب الشركات متعددة الجنسيات ومعززللمشاريع المشتركة التي تساهم في جلب التقنيات المتقدمة والخبرة الإدارية من الوصول إلى الأسواق المحلية كل هذا يساعد على تمكين الشركات المحلية من الاندماج في سلاسل القيمة العالمية.
واخيراً، من الضروري للبلدان النامية ان تتعلم من هذه الدروس مع الأخذ في الاعتبار حساب التحديات والفرص الفريدة كمسار وسياسة هامه للحد من الفقر والبطالة وتحسين رفاهية الشعوب.