عام على التحديث السياسي..هل يستكمل المشروع؟
كتب . رامي عياصره
عكفت الحكومة على مراجعة شاملة لمشروع التحديث على المسارين الاقتصادي والاداري بعد مرور عام كامل على اطلاقه تحت عنوان " عام على التحديث " في حين تم استثناء مسار التحديث السياسي مع انه الأهم باعتباره هو الذي يقود المسارين الاقتصادي والاداري باعتبار ان مشروع التحديث الثلاثي الأبعاد هو مشروع الدولة الأردنية في المئوية الثانية وهو مشروع عابر للحكومات.
اعتقد انه من المهم تقويم التجربة على مسار التحديث السياسي حتى الآن علماً انها لازالت في بداية الطريق وقد تم الانجاز منها على مرحلتين : الاولى : تشريعية من خلال التعديلات الدستورية والتي احدثت جدلا كبيرا من خلال التأشير على انها سلبت قدرا مهما من ولاية الحكومة واعطته لمجلس الأمن الوطني بدعوى ضمان حيادية الاجهزة الأمنية والقوات المسلحة في حال وصلنا الى حكومات برلمانية حزبية منتخبة بعد عشر سنوات على اقرب تقدير فيما عرف حينها انها حالة اشبة باعادة تقاسم السلطة . وفي المسار التشريعي كذلك تم إقرار قانوني انتخاب واحزاب متقدم نظريا على كل انظمة الانتخاب منذ سن قانون الصوت الواحد سئ الصيت عام 1993 م والذي يعد حقيقة بأنه انقلاب على حالة التحول الديمقراطي التي جرت عام 1989م التي انهت فترة الاحكام العرفية. ولعلنا هنا أمام مشهد تشريعي جديد يعطي الاحزاب حصة مخصصة من البرلمان القادم بعدد 41 مقعدا ترتفع نسبتها في الانتخابات اللاحقة لتصل الى 65% من البرلمان بعد ثلاث دورات انتخابية. بالاضافة لادخال العمل الحزبي على القطاع الاعرض في المجتمع الاردني وهو قطاع الشباب من خلال نسبة وجود الشباب في الاحزاب عند تأسيسها وفي القوائم الانتخابية الحزبية وفي شرعنة العمل الحزبي في الجامعات.
المرحلة الثانية في مشروع تحديث المنظومة السياسية تمثلت في التطبيق العملي للمسار التشريعي من خلال الانطلاق في انشاء الاحزاب السياسية الجديدة وتوفيق اوضاع القائمة في انتظار المحطة الانتخابية الأولى في انتخابات 2024 إذا ما جرت في موعدها .
غير ذلك لم ينجز شئ على أرض الواقع بما فيها نظام ممارسة العمل الحزبي في الجامعات الذي بقي ينتظر التعليمات والتي جاءت بنظامها وتعليماتها حتى الآن مقيدة ومحبطة الى حد كبير.
باعتقادي وبتقويم موضوعي أقول ان ما جرى من تحديث سياسي على المسار التشريعي فيما يتعلق بقانون الانتخاب والاحزاب خطوة كبيرة ومهمة وتشي بجدية النظام السياسي للولوج بالدولة الأردنية الى المئوية الثانية بخطوة إصلاحية كبيرة تؤسس لمرحلة جديدة أكثر انفتاحا.
ولكن ما جرى من ممارسات في التطبيق والمتمثل باسقاط قانوني الانتخاب والاحزاب على أرض الواقع هو الذي أحدث الإشكالات وحمل في ثناياه الكثير من التناقضات بين التأكيدات والضمانات الملكية وبين الوقائع على الأرض ، الأمر الذي عزز حالة التشكيك من النخب وعزز المخاوف الشعبية وعمقت حالة العزوف عن العملية برمتها انعكست على نسبة المشاركة الشعبية في الانتساب للاحزاب حيث لم تتعدَّ ال(1%) .
هناك اجواء عامة سلبية كانت سائدة قبل واثناء ولادة منظومة التحديث السياسي واستمرت حتى الآن تمثلت في نقص اوكسجين الحريات ادت الى الاختناق التي تشهده الحالة السياسية العامة اليوم.
هناك بؤر توتر لقطاعات عريضة من الشعب الاردني لم تحل ولم تغير من المناخات العامة مثل ازمة نقابة المعلمين ، وهناك ملاحقات مستمرة لمن ينظم للاحزاب السياسية، هناك تعطيل لانتخابات اتحادات الطلبة داخل الجامعات التي من المفترض أن تجري سنويا ونحن نتحدث عن عام على التحديث ، بمعنى أنه كان من المفترض أن تعطي الشباب في الجامعات ممارسات عملية مرتين على الأقل قبل خوض معترك الانتخابات العامة ، هناك معالجات أمنية لأي اضراب مطلبي كما جرى مع اضراب الشاحنات ، هناك تقييد لحق التنظيم المتعلق بالجمعيات الخيرية مؤسسات المجتمع المدني ، هناك ملف المعتقلين السياسيين والاستمرار بتوقيفهم اثناء المحاكمات بما يعد عقوبة مسبقة تخالف ابسط معايير حقوق الإنسان، هناك قانون عفو عام ينتظرة عشرات الآلاف من الأردنيين ربما يريحهم قليلاً لازال يراوح مكانه، هناك توسع في التجريم وتغليظ للعقوبات من خلال التشريعات والقوانين التي صدرت خلال عام كان آخرها قانون الجرائم الإلكترونية الذي أحدث حالة من خيبة الأمل في نفوس الجميع بل وأحدث حالة من الذعر والتخوف في وقت حساس على حرية الرأي والتعبير في حين كنا بحاجة لجرعة معاكسة له.
هناك ازمة اقتصادية تشدد الخناق على الاردنيين في حياتهم اليومية وعلى رأسها التضخم وتآكل المداخيل وارتفاع جنوني لاسعار المحروقات التي بمجموعها تنهش رواتب الموظفين ومداخيل العاملين.
هناك وهناك الكثير من الهموم والشجون تحول دون مجرد تفكير الأردنيين والاهتمام بكل مخرجات منظومة التحديث السياسي علاوة على الانخراط بها او على أقل تقدير التصديق بجديتها وجدواها .
ما اود قوله أن على عقل الدولة الأردنية اليوم إعادة تقويم حقيقي ليس لمخرجات منظومة التحديث فحسب وانما اعادة النظر بجملة السياسات والاجراءات التي رافقت التطبيق من ممارسات لأذرع الدولة التنفيذية لم تحسن ادارة المشهد من جهة، ولم تفطن ربما لقضية في غاية الأهمية وهي تهيئة الأجواء والمناخات العامة فلحقت النخب بالجمهور بحالة التشاؤم والنظرة السلبية للمرحلة الجديدة المنشودة الأمر الذي أدى الى حالة عدم التفاؤل ولعلها وصلت الى حالة اليأس.
كنا دوما نقول أن الإصلاح بحاجة الى إصلاحيين، وأن مشروعاً بحجم تحديث منظومة الحكم في الاردن تحتاج الى رجال دولة لهم امتداد وعمق شعبي يخلق حالة المصداقية وليست الى طبقة موظفين لا يمتلكون الرأي ولا الرؤية .
فهل بات المشهد الحزبي والمشهد السياسي برمته اليوم حجر عثرة في عيون صاحب القرار الأمر الذي قد يجهض التجربة قبل أن تبدأ ؟ أم أنّه وبعد مرور عام على انطلاقة قطار التحديث وقبل عام على وصولة لمحطته الانتخابية البرلمانية الاولى المقبلة يمكن استدراك ما فات؟ باعتقادي نعم، يمكن الاستدراك من خلال السير بخطى ايجابية تتقدم نحو الأمام ، علماً أن أي تأجيل او ازاحة في الجدول الزمني لإنفاذ خطوات التحديث السياسي سيؤدي بالنتيجة الى احباط المشروع برمته واسقاطه بالضربة القاضية ربما قبل أن يبدأ .