عام على الحديث عن التحديث .. كيف ينام الرئيس قرير العين !؟
كتب أحمد الحراسيس -
وفقا لمنطق رئيس الوزراء بشر الخصاونة، فإن المواطن الأردني عليه أن ينتظر عشر سنوات حتى يحاكم "رؤية التحديث الاقتصادي"، ويحتاج سنوات حتى يلمس الأثر الايجابي لهذه الرؤية، وعلى رأس تلك الآثار الموعودة تشغيل مليون مواطن أردني، لكن اللافت أن المواطن لن يحتاج كلّ تلك السنوات حتى يلمس الآثار السلبية لهذه الرؤية وللسياسات الاقتصادية الحكومية!
بالأمس، وبالتزامن مع عقد الحكومة ملتقى في البحر الميت، شارك فيه أكثر من (600) شخص ممن صاغوا رؤيتيّ التحديث الاقتصادي والإداري، بثّت وسائل إعلام رسمية تقارير حول توجه الحكومة لرفع تعرفة المياه، بالاضافة إلى مقترح بخصوص نظام الطرق مدفوعة الرسم، وذلك ضمن "البرنامج التنفيذي لرؤية التحديث الاقتصادي"، إلى جانب تقارير وأخبار حول استمرار رفع أسعار المحروقات بفعل الزيادة العالمية في الأسعار والأهم من ذلك بفعل الضريبة المقطوعة المفروضة عليها.
وبالاضافة إلى تعديل تعرفة المياه والطرق المدفوعة، فإن الأردنيين سيلمسون أيضا أثر إلغاء ديوان الخدمة المدنية والتوجه نحو نظام التعيين المباشر بدلا من "الدور والترتيب التنافسي"، حيث ستلمس كلّ عائلة أردنية حجم تفشّي الواسطة وغياب العدالة في التعيينات وفي انهاء الخدمات، سيّما في ظلّ استمرار التعيينات والترفيعات والترقيات وانهاء الخدمات على أسس غير مهنية..
الملتقى شهد حضورا لغالبية وزراء حكومة الخصاونة، حيث شارك الوزراء في جلسات ولقاءات انعقدت على هامش الملتقى، فيما حاول كلّ وزير أو مسؤول إبراز منجزات وزارته خلال العام الماضي، وإظهار تقدّمه في إنفاذ رؤية التحديث الاقتصادي، والواقع أننا لم نسمع ما يمكن أن نعتبره انجازا استثنائيا لأي وزارة من الوزارات، وبدا الأمر وكأن كلّ وزير جمع أخبار ومنجزات وزارته الروتينية والأقل من عادية على مدار عام كامل، وجاء ليعرضها بشكل مثير على أنها حدث استثنائي!
يقول وزير الصحة الدكتور فراس الهواري إن من أهم المؤشرات لقطاع الصحة ضمن رؤية التحديث الاقتصادي إنشاء (36) مركزا صحيا وتجهيزها وتوسعتها ورفع كفاءة (150) مركزا، و(4) مستشفيات جديدة في الطفيلة وعجلون والرويشد ومستشفى الجراحات المتخصصة في البشير. صحيح أن هذه انجازات ايجابية، لكن الربط بين هذه المستشفيات والرؤية الاقتصادية غير مفهوم، فالعمل على هذه المستشفيات بدأ وقطع أشواطا كبيرة في عهد حكومات سابقة، فيما جرى افتتاحها قبل إطلاق الرؤية كلّها.
الأمر الآخر الذي كنّا نودّ لو أن الوزير الهواري بشّرنا به هو سدّ عجز الموارد البشرية في مستشفيات ومراكز الحكومة الصحية من الأخصائيين والأطباء العامين والصيادلة والممرضين والمحاسبين، وانهاء ظاهرة نقص الأدوية، وسداد مديونية المستشفيات الجامعية.
ومن بين التصريحات المثيرة التي جرى إطلاقها في الملتقى، احتلّ تصريح محافظ البنك المركزي، عادل شركس، مرتبة متقدمة بقوله إن "قيم حركات الدفع المحصلة بواسطة نظام "اي فواتيركم" بلغت خلال العام الماضي (10.5) مليار دينار، منها (7.6) مليار دينار هي حصة المؤسسات الحكومية"، والحقيقة أن الأردنيين لم يكونوا بانتظار تصريح رسمي يؤكد أن القطاع العام أصبح مسخّرا لتعظيم أرباح شركة خاصة! بل كان الناس ينتظرون من محافظ البنك المركزي أن يتحدث عن اجراءاته لحماية المقترضين السابقين من رفع الفوائد المتكرر، وتعاظم أرباح البنوك.
وبينما تحدّث وزير التربية والتعليم والتعليم العالي الدكتور عزمي محافظة مطوّلا عن خططه ورؤاه لتطوير التعليم التقني، مازال الأردنيون ينتظرون اليوم الذي ستحظى به المدارس بخدمات تعليمية لائقة متساوية؛ في شرق عمان كما غربها، وفي المحافظات كما في العاصمة، وفي القرى كما المدن. كما أن المدارس مازالت تنتظر تخليصها من ظاهرة التعليم الاضافي، إذ من غير المعقول أن يتمّ تكليف معلّم اضافي بتخصص معين لتدريس مادة من غير تخصصه من أجل اكمال "نصابه". كما لم يحصل الأردنيون على اجابة حول أسباب تخفيض أعداد المقبولين في تخصص الطب بالجامعات الرسمية في الوقت الذي تذهب فيه الوزارة لمنح جامعات خاصة رخصا لفتح كليّات طبية لديها، ولم يأتِ الوزير على ذكر قضية نقابة المعلمين التي كانت بصدد المشاركة في تطوير التعليم من خلال افتتاح أكاديمية لتدريب المعلمين.
الأردنيون لا يريدون استمرار ظاهرة اطلاق الوعود بالمستقبل الجميل، فهم مازالوا بانتظار الخروج من عنق الزجاجة منذ سنوات، لكنّ شيئا لم يحدث! الأردنيون لا يريدون كلاما معسولا ولغة شاعرية ولا منتفعين يهتفون للرئيس كي "ينام قرير العين"، الأردنيون يريدون أن يشعروا بالعدالة أولا، ثم بتغيير على حياتهم في مختلف المجالات؛ في الاقتصاد والتعليم والصحة والنقل، الأردنيون يريدون أن "يلمسوا" انخفاضا حقيقيا في المديونية وانخفاضا في نسب البطالة وانخفاضا في معدلات التضخم وارتفاعا في نسب النمو..