اعلان هزيمة وعودة الى كهوف التخلف!
نحن الموقعون بأحرف الخيبة أدناه، نعلن هزيمتنا في معركة الوعي، أمام خنافس تيك توك، وحمقاوات مواقع التواصل، وتجار المواقف، ونرفع رايتنا البيضاء ملطخة بدماء سيبويه، والمتنبي، وقس ابن ساعدة..
نحن جيل الهزائم كابراً عن كابر.. نجرجر ذيول خيبتنا علانية، ونسلم قلاعنا طوعاً وكراهية، ونذوي في عوالم لم تعد تتسع لنقيضين، ونطأطىء رؤوسنا قهراً، وقمعاً، بكل هوان وجبن ووضاعة.
ها نحن نخيط شفاهنا بالخوف، ونودِعُ أقلامنا المتاحف، ونضرم النار في المعلقات العشر، ورباعيات الخيام، والعقد الفريد، ونسلّم سيوفنا صاغرين، ونغتال خيولنا الأصايل، ونطلق الرصاص على قلب امرىء القيس، وطرفة بن العبد، والنابعة الذبياني.
عندما يصبح الشعر مطارداً من الانتربول، والكلمة مطلوب رأسها لسياف القبيلة، ويتربع المعاتيه على عرش المشهد، وتخرج فئران الحي من جحورها، وتباع المواقف في سوق النخاسة.. فملعونة كل الكلمات التي سنكتبها، وملعونة قطعان الصمت، والمقت، وجميع خراف الحظيرة التي استمرأت البؤس ولا تستحق "كلمة".
حينما تتحول الورقة إلى حقل من الألغام، والقلم إلى فخ، والحروف مصيدة.. يصبح الكاتب مجنداً في كتيبة كاميكازي، والكتابة مشروع انتحار، ورب كلمة تودي برأسك إلى مشنقة.
ها نحن بعد عقدين من الألفية الثانية.. نعود إلى عصور الرق، وكهوف التخلف، وأقفاص الحمام الزاجل، وسراديب النقوش الهيروغليفية، ونعيد إحياء العصر الطباشيري، وندفن رؤوسنا كالنعام في وحل الحضارة.
ها نحن نخون أصابعنا، ونقلم أظافرنا، ونسقط أقلامنا عن صهوة الكتابة..
ها هو الشعر يستقيل من لغة الضاد، ويقدم الفراهيدي أوراق لجوء إلى روما، ويطلّق أبا تمام حماسته بالثلاث، ويطلب الملوّح ليلاه في بيت الطاعة.
وها هم المداهنون والخراصون ينفردون في الميدان وحدهم. يلعبون علانية بلا أقنعة. يخوضون غمار معاركهم مع طواحين الهواء. يعرضون بضاعتهم الكاسدة علينا صبح مساء. ويقدمون "خدماتهم الوطنية" لمن يدفع أكثر!
لقد هزم العقل شر هزيمة في معركته مع الغباء، وخسر الوعي قضيته أمام الجهل بفداحة، وصار المنطق منبوذاً في عوالم الحماقة، والفضيلة مذمومة في زمن الوقاحة، وارتمت الأبجدية تحت نعل خوارزميات مارك، وفرض المعاتيه والحمقاوات سيطرتهم على "مضارب القبيلة"!
(.....)
يا حبيبتي التي كنت أخط لعينيها أحلى القصائد.. ويا حوريتي التي لبّستها أحلى الخواتم والقلائد.. أعذريني اذا ما توقفت عن الكتابة، وخلعت جلد عنفواني، وجنوني، ومشيت خلف قطيع البهاليل، وامتهنت الرتابة.
لقد وضعوا السم على طرف لساني، وزرعوا قنابل موقوتة بين أحرفي، ونصبوا مشانقهم أمام بيوت شعري، وأعلنوا مقتلي وأنا أتنفس، وألقوا القبض على قاتلي.. وأنا ما زلت على قيد الحياة!