الكبتاجون بين الحرب والسياسة

لا يكاد يمضي يوم دون سماع خبر عن ضبط كميات كبيرة من الحبوب المخدرة والأسلحة على الحدود الأردنية السورية، لم تعد الأمور تقتصر كما في السابق على بضع مئات أو حتى آلاف من كروزات السجائر أو قطعان الماشية أو قطع السلاح، والتي كانت تديرها شبكات محلية من المهربين، بل أصبحت شبكات التهريب الآن عبارة عن مليشيات مدربة ومتحالفة مع قوى دولية وإقليمية تستهدف ضرب عماد أي دولة وهم الشباب بتخريب عقولهم وتدمير مستقبلهم، والوسيلة هي الكبتاجون والغاية هي المال وتدمير الخصوم.
ازدهرت ورش تصنيع الكبتاجون في سورية مع انحدارها الىجحيم المليشيات، حيث اقتصر في البداية على تزويد المقاتلين بالمنشطات الصناعية، والحصول على العملة الصعبة، ودشن هذه العملية داعش والقوى المعارضة ومن ثم إيران ووكلاؤها، ولاحقاً اتهمت بعض المصادر الأجنبية قوات النظام باتباع نفس الاسلوب في الحصول على المال، وهو ما تؤكده كارولين روز من معهد نيولاين والتي نشرت تقريراً عن ضلوع الفرقة الرابعة في هذه العمليات، وهو ما تحدثت عنه تقارير عديدة منها محطة الـBBC وجميع تلك الوكالات تؤكد أن الكبتاجون أصبح جزءا لا يتجزأ من الاقتصاد السوري، وهو مؤشر قوي على ضعف المؤسسات وسيطرة أمراء الحرب بشكل كبير على شؤون البلاد.
 
 
ما يؤكد أن الكبتاجون أصبح يمثل أداة فعلية للابتزاز السياسي ما كان في اجتماع اللجنة الوزارية العربية عندما تعهدت دمشق باتخاذ الخطوات اللازمة لوقف التهريب على الحدود مع الأردن والعراق، بمعنى أن دمشق لم تكن تفعل ذلك سابقاً ولا لاحقاً، إذ لم يدم التعاون أكثر من شهر، وعاد بعدها كل شيء لسابق عهده فلم تغادر المسيرات سماء الحدود ولم تتوقف عشرات الملايين من حبوب الكبتاجون التي تضبط يومياً، وربما أضعافها تعبر دون أن يستطيع أحد رصدها مثلما يؤكد الخبراء بأن حجم المضبوط لا يتجاوز 10 ٪، من حجم الكميات المهربة مما يعني أن 5.7 مليار المضبوطة ربما تكون 57 مليارا في الواقع وعدد 65 مليون حبة كبتاجون المضبوطة اردنياً قد تكون عشرة أضعاف ذلك الرقم، ومثل ذلك في المملكة العربية السعودية التي ضبطت 600 مليون حبة يعني 10 اضعافها، فعلاً هذا جنون وتدمير ممنهج لدول المنطقة من خلال تدمير أجيالها الصاعدة، وكأن دمشق تريد القول ذوقوا بعض ما فعلتم.
والوقائع تثبت ذلك فهناك زيادة مهولة في عدد متعاطي المخدرات من ذوي الأعمار الصغيرة في الأردن، إذ تؤكد بعض التقارير أن نسبة المتعاطين زادت ثلاثة أضعاف عما كانت في السابق، وفي السعودية تقول بعض الدراسات إن 40 ٪، من متعاطي المخدرات يستخدمون الكبتاجون، لذلك هي السوق المستهدف، هذا الأمر كان أقل بكثير عندما كانت القوات الروسية تسيطر على الحدود، لكن مع تسلم القوات الايرانية ومليشيا حزب الله وقوات الفرقة الرابعة تغيرت الأمور رأساً على عقب وبدأ هذا التحالف يشن حربا ضروسا على دول الجوار الأردن والسعودية بشكل خاص ولم ينفع اللقاء الوزاري في عمان ولا عودة سورية الى الجامعة العربية في إيقافه، فقد تصرف الأسد كمنتصر ليس عليه أن يقدم أي تنازل للمهزومين وهذا ما أكده لاحقاً.
وبرغم أن سنوات الحرب غيرت كل شيء في سورية وحولت البلاد إلى كانتونات يسيطر عليها أمراء حرب بعضهم ينتمي للنظام وبعضهم يحاربه، ورغم أن هؤلاء اختلفوا على كل شيء وتحاربوا بكل شيء إلا شيء واحد وحّدهم وجمعهم وأنهى انقسامهم، إنه الكبتاجون، لذلك فإن القوات المسلحة الأردنية لا تدافع عن الأردن وأجياله وأمنه فقط بل هي تواجه قوى الشرّ هذه دفاعاً عن المنطقة العربية وأجيالها، لذلك ولدعم هذه القوات الباسلة يتحتم على الدولة الأردنية المبادرة لتشكيل تحالف إقليمي لمواجهة هؤلاء وإلا فإننا وأجيالنا ذاهبون الى المجهول، فهذه الحرب ليست سياسية إنها عسكرية بامتياز، باختصار لأنها حرب إيران على من تُصورهم لنفسها أنهم أعداؤها ولا مكان للسياسة قبل تحقيق النصر على الأرض وإلا سيتحتم على دول المنطقة دفع الجزية وإلى الأبد.