في يوم السياحة .. ماذا عن واقع العاملين فيها؟




جميع المؤشرات والأرقام الصادرة عن الجهات الرسمية والمعنية، تؤكد انتعاش القطاع السياحي، وزيادة نموه بشكل لافت، وتشير بوضوح إلى ارتفاع الدخل السياحي على مستوى المملكة، سواء هذا العام أو حتى عام 2022 ، وحتى التوقعات من قبل المختصين والخبراء تشير أيضا إلى تحقيق مزيد من الانجازات على هذا الصعيد، خلال الأشهر المتبقية من هذا العام.

خلال الفترة الماضية وعلى الدوام، كانت بيانات البنك المركزي، تظهر ارتفاعا متتاليا بالدخل السياحي. آخر الإحصائيات عن الأشهر الثمانية الأولى من العام الحالي 2023، توضح ارتفاع الدخل السياحي بنسبة 41.3 بالمئة، بتسجيله 3.651 مليار دينار، مدفوعاً بارتفاع عدد السياح إلى المملكة، والذي وصل إلى 4.503 مليون سائح. وفقا لتقرير نشرته وكالة الأنباء الاردنية، أخيرا.

إنجاز غير مسبوق، نمو لافت، حركة نشطة، عام الانفراج السياحي .. هذه هي العناوين التي تصف واقع السياحة في الأردن، ونسمعها من المسؤولين ونتابعها عبر وسائل الإعلام، وهذا - مما لا شك فيه - إنجاز وتقدم نحو الأفضل، يخدم الاقتصاد الوطني، وينعكس إيجابا على سائر القطاعات.

بعد هذه المعطيات، تبرز مجموعة من التساؤلات تتعلق بالعنصر البشري، وهم العاملون في القطاع السياحي، إذ أنّ تحسين شروط العمل وحماية حقوق العمال؛ أحد أهم الروافع لتعزيز التنمية الاقتصادية، ورأس المال البشري شريك أساسي في صنع هذه الحالة من ازدهار السياحة، ولنا أن تتذكر الهدف الثامن من أهداف التنمية المستدامة والذي ربط بين النمو الاقتصادي وتوفير العمل اللائق. وعليه يكون السؤال مشروعا، ما هي أوضاع العمالة في هذا القطاع ؟ وهل انعكست هذه المؤشرات الايجابية على واقعهم؟ هل أسهم ارتفاع الدخل السياحي بتحسين دخلهم الشهري وأجورهم؟ هل ثمة قرارت رسمية تتعلق بحقوقهم العمالية ..وحان الوقت لمراجعتها وإعادة النظر بها؟ ماذا عن بيئة العمل ومدى توفر متطلبات السلامة والصحة المهنية؟ وهل حقا أجور العمال الخاضعة للضمان الاجتماعي، هي ذات الأجور الشهرية التي يتقاضونها؟ أم أنّ حقوقهم التأمنيية يلحقها الضرر؟ وغير ذلك من التساؤلات حول بيئة العمل وظروفه وحقوق العاملين وفق نصت عليه التشريعات النافذة.

القضايا العمالية ذات العلاقة بحقوق العمال وبيئة العمل وشروطه في هذا القطاع متنوعة وعديدة، أريد - هذه المرة - التوقف عند واحدة منها، وللأسف، ما زالت ترواح مكانها منذ عامين، وتبحث عن قرار حاسم يعيد الحق إلى أصحابه. قضية تتعلق بالأمن المعيشي والاقتصادي للعمال، وتلحق الضرر بأجورهم، ولها دور كبير في استدامة الوظائف التي توفرها السياحة. القضية تتمثل بقرار "تخفيض بدل الخدمة" في القطاع السياحي إلى 5%، حيث كانت قبل جائحة كورونا 10% وكان نصيب العمال منها 7% فيما يذهب الجزء المتبقي إلى أصحاب المنشآت السياحية.

رئيس النقابة العامة للعاملين في الخدمات العامة والمهن الحرة خالد ابو مرجوب، دعا في مطالبات سابقة وعديدة، وزارة السياحة، إلى إعادة النظر في قرار تخفيض بدل الخدمة، موضحا أن القرار تم اتخاذه بسبب تداعيات جائحة كورونا وآثارها السلبية على القطاع، وأنّ "مبررات التخفيض زالت، والمؤشرات بشأن تحسن القطاع السياحي في تزايد مستمر". مؤكدا أنّ أجور العاملين في المنشآت السياحية، والذي يتجاوز عددهم الـ 50 ألفا، تضررت بشكل كبير مع قرار تخفيضها، الأمر الذي انعكس سلبا على أوضاعهم المعيشية والاقتصادية.

هذا رأي النقابة التي تمثل العاملين في القطاع السياحي؛ أم الجهات التي تمثل أصحاب العمل، فقد أوضحت جمعية الفنادق الأردنية، في كتاب وجهه رئيس مجلس الإدارة عبدالحكيم الهندي إلى وزير السياحة والآثار مكرم القيسي، في شهر شباط الماضي، أنّ استمرار العمل بتخفيض بدل الخدمة في القطاع السياحي والفندقي، نتج عنه، "خروج الكثير من العاملين إما إلى قطاعات أخرى أو إلى دول الجوار، كما أنه أدى إلى تراجع انتاجية العامل وعزوفه عن العمل بذات الحماس والمهارة المعهودة لضعف المردود المادي، إلى جانب إرهاقه ماديا ونفسيا نتيجة الاقتطاع المحول للضمان، وغير المتكافئ مع مقدار الراتب بسبب فقدانه ما يقارب نصف نسبة بدل الخدمة".

بصراحة، لا أعلم ما هي الأسباب التي تقف خلف إصرار وزارة السياحة على قرار التخفيض، رغم مطالبات ممثلي العمال وأصحاب العمل المستمرة بالخصوص، ورغم ما نسمعه عن واقع العمالة في هذا القطاع، والخطط الطموحة لرفده بالعمالة المؤهلة؛ وسد النقص الحاصل؛ بيد أنّ ما أود الاشارة إليه، هو تصريحات إذاعية للوزير السابق نايف الفايز قبل عام تقريبا، تحدث فيها عن موقف الوزارة حول مطالب النقابة بشأن بدل الخدمة، ولكن النقابة في اليوم التالي ردت على معالي الوزير، وأوضحت موقفها استنادا الى قرار ديوان التشريع والرأي بالخصوص، ومخاطر استمرار التخفيض على العاملين وآثاره السلبية على حقوقهم القانونية.

"تخفيض بدل الخدمة"، قرار اتخذ خلال فترة طارئة ضمن حزمة قرارات حكومية، بهدف التصدي للآثار الاقتصادية التي فرضتها جائحة كورونا، وكان ذلك في شهر حزيران (يونيو) 2020، أما الآن، فقد انتهت المبررات وزالت الأسباب، بل أصبحنا أمام إنجاز غير مسبوق في القطاع السياحي، بشهادة الجميع من أصحاب العلاقة، فلماذا الاستمرار بقرار يلحق الضرر بعمال الوطن ممن يعملون في هذا القطاع؟ ألا يستحق عمالنا وأحد شركاء هذا الانجاز الوطني، بأن نعود عن القرارات المجحفة بحقهم؟

ونحن على أعتاب اليوم العالمي للسياحة الذي يوافق 27 من الشهر الجاري، ومن وحي شعار هذا العام "السياحة والاستثمار الأخضر"، أدعو وزارة السياحة إلى الاستثمار بالمورد البشري، من أبناء الوطن العاملين في القطاع السياحي، ما يتطلب إلغاء القرارت التي تمس حقوقهم العمالية، وتحديدا قرار بدل الخدمة. ويجب أن نضع في عين الاعتبار، ونحن نشارك دول العالم الاحتفال بهذه المناسبة، بأنّ توفير بيئة عمل آمنة ولائقة للعاملين في السياحة، من شأنه أن يحقق مزيدا من النجاحات في القطاع؛ بما فيها استدامة الوظائف التي يوفرها، وتقليل نسب البطالة المرتفعة بين الشباب.