المعارضة الأردنية بلا مستقبل ..!!
المعارضة السياسية في الأردن تبدو بلا مستقبل؛ هذا التصور ليس نابعا من أو ناتجا عن حالة احباط أو ياس، بل عن قراءة للواقع الذي تعيشه حالة المعارضة التي تتشبث بنهج ربما كان في لحظة سابقة يؤدي بعض النتائج المرجوة، لكن البقاء على نفس النهج و التشبث بنفس الطرق والأدوات لم يعد مفيدا بعد مرور سنوات طويلة، وبنفس الوقت لا تريد المعارضة ولا ترغب في التعلم من أخطائها، ورغم أن أكثر ما تنتقده المعارضة في الدولة هو نهجها الذي تعتبره المعارضة نهجا خاطئا ومتعنتا ومتمسكا بثوابت رغم كل المتغيرات التي طرأت على المشهد المحلي والإقليمي والدولي الا أنها تعاني أي المعارضة من نفس المرض الذي تشتكي منه في الدولة.
عشرات الأحزاب والحراكات والتيارات السياسية وفي كل منها رجل واحد أو بضعة رجال يسيطرون على المشهد في تياره ويتمترس وراء "أنا" الكبيرة التي لا يوجد لها وصفة او علاج حتى الآن، فالأنا كبيرة جدا عند رموز المعارضة بل والمعارضين بصورة عامة، وبالتأكيد لا نتحدث عن كل الناس وكل التجارب ولكن عن الحالة التي تمثل مجتمع المعارضة بصورة عامة دون "التعميم المطلق"، وحالة "الأنا" هذه تعبير سيء عن حب الذات وقد تصل الى مرحلة العدوانية الشرسة دفاعا عن الذات والنظر الى الآخرين على أنهم دون مستوى صاحب "الأنا" الذي لا يقبل افساح المجال لأي منافس او منافسين ولا يقبل حالة الديمقراطية التي ينادي بها ويهاجم الدولة من أجلها.
ويتمايز معنى وتمثل المعارضة العربية والأردنية خصوصا عن معناها وتمثلها في الدول الغربية او حتى الدول نصف الديمقراطية، وبالتالي فإن معاني المعارضة صاحبة الرؤيا والرسالة والهدف غير موجودة في الأردن حتى الآن "ربما تكون الحركة الإسلامية خارج هذا الإطار نسبيا" وحتى الآن لم تتبلور السمات العامة للمعارضة بحيث يمكن أن تكون محاورا للدولة أو ندا لها في الرؤية السياسية ولو جزئيا بغض النظر عن اختلاف الرؤى بين الجانبين وبغضّ النظر عمن هو الأصلح بينهما، فحتى الآن لم يتبلور الوعي والمعرفة والرشاد في مسار المعارضة الأردنية بحيث يقود الى النظر بواقعية الى المعطيات الموجودة على الأرض والتعامل بها بعيدا عن الإيغال في الخطاب السياسي الجامح وبعيدا عن استخدام المفردات التي لا تستطيع أن تعبر عن مستقبل المعارضة ورغباتها اضافة الى انها مفردات فيها الكثير من الشتائم والإبتزاز اللفظي ولا ترقى الى مستوى العمل السياسي المعارض الناضج.
معظم قيادات ورموز المعارضة الأردنية من الشيوخ بالمعنى اللغوي أي كبار السن وغالبيتهم "و ليس كلهم" بدون ثقافة سياسية عميقة وبدون اطلاع على أخر ما يكتب وينشر من ابحاث وكتب لها علاقة بالموضوع للتعلم، الغالبية يقرؤون عناوين الأخبار ويتسقطون ما ينشر على مواقع التواصل الإجتماعي ويبنون عليها ما يقولونه او يناقشونه في لقاءاتهم التي عادة ما تكون اجترارا لكل ما تحدثوا عنه في كل اللقاءات السابقة، اضافة الى السردية الشخصية وتكرار السيرة الذاتية وعن بعض بطولاتهم سواء في مناصبهم التي تقاعدوا منها أو عن وقفاتهم في حراكات المعارضة قبل عشر سنين او عشرين سنة مضت، وهذا النوع من السرد هو الذي يتصدر المجالس كلها تقريبا.
والمعارضة تحمّل الدولة سبب فشلها وعدم قدرتها على التقدم أو انجاز لأنها تعرقل عملهم وأدائهم وكأن وظيفة الدولة ان تدعم المعارضة وتقويها وتمولها وتباركها وليس العكس، ليس هناك شك في أن بناء معارضة سياسية قوية يحتاج الى نخب واسعة المعرفة والإطلاع وعلى قدر كبير من الفهم الحقيقي لضرورات المعارضة، وأن تكون النخب والقيادات قد قرأت تجارب وعلوم الآخرين، اتساءل ان كانت قيادات المعارضة قد قرأت للكواكبي وابن خلدون ومونتسكيو او فولتير وغيرهم الكثير من الفلاسفة الذين ابدعوا في مقامات تفيد من يريد أن يكون في الحكم أو في المعارضة كما أنك ستشعر بالضجر الذي يصل الى حد الغضب وأنت تسمع لأقطاب المعارضة "مرة أخرى ليس كلهم" وهم يلقون المحاضرات المملة التي نصفها نفاق ونصفها الأخر تنمر لأسباب معلومة، وتخرج من اللقاء او المحاضرة او الندوة و أنت محبط لأنك أضعت وقتك في سماع ما قرأته في سني شبابك الف مرة، ليس هناك أي جديد يجذب الشباب ليكونوا في صفوف المعارضة أو حتى ليتعاطفوا معها وهم يرون الكثيرين من أقطابها يتسابقون على منصب او عرض مادي أو غير ذلك مما يدفعهم لتطليق المعارضة بل وشتمها والتشهير بها، وأسباب أخرى كثيرة تنفر الرأي العام الأردني من المعارضة وتجعله يفقد الثقة بها بل وتدفعه للوثوق بالدولة رغم كل مابها وما يقال عنها.
يغيب عن المعارضة فقه المعارضة ورشاد الحوار وجزالة الألفاظ في الخطاب السياسي وشحّ المخزون الإستراتيجي لدى القيادات من الفهم الحقيقي للواقع والقراءة الصحيحة للتاريخ والتصور المستقبلي للإستشراف وهذا يجعل المعارضة مهنة من لا مهنة له ويمكن من خلالها التكسب وقضاء الوقت وزيادة العلاقات الإجتماعية وتصدر بعض المجالس، لا فرق بين يمين ويسار وإن كان هناك بعض من يمكن تصنيفهم معارضين حقيقيين وهم قلة قليلة، ان ابتعاد العامة عن المعارضة له اسبابه التي تكمن في المعارضة نفسها، فالمعارضة اضافة الى كل ما ذكرت هي معارضة نخبة نرجسية الى حد كبير ويمكن التفصيل في هذا بقدر ما نشاء.
هذا النقد ليس للإساءة لأي تيار او حزب بل نقد للحالة المعارضة المعاشة و الحديث فيها يطول كثيرا ، فلم تكن الأغلبية الصامتة هي من ابتعد عن المعارضة فقط بل المفكرين الحقيقيين والأكاديميين الذين لديهم الكثير ليقولوه ويفعلوه ويمكن أن يكونوا هم المنظرين و الفلاسفة الذين يقدرون على بلورة تصور للمعارضة الحقيقية التي يمكن أن تكون طرفا حقيقيا تحاوره الدولة وتستنير بأراءه او قد تقتنع بطروحاته.
ويمكن أن نعود للموضوع لأن هناك الكثير مما يقال، اما حتى اللحظة فيؤسفني ان اقول فالج لا تعالج..!!
adnanrusan@yahoo.com