"مازال حلما".. تعليم أبناء العمالة المهاجرة من الجنسية المصرية في الأردن يصطدم بعقبة التشريعات
صدام المشاقبة، محمود سمير -
"لازم تدرس يا محمد عشان تبقى مثل خالك حسين المهندس في مصر، وما تكررش حياة والدك الصعبة"، بهذه الكلمات كانت والدة الطفل المصري محمد شعبان تحثه على إكمال دراسته المدرسية ثم الجامعية.
لطالما حلم محمد شعبان عيد، البالغ من العمر 16 عاما، بإكمال دراسته، ولكن العديد من التحديات التي واجهته كانت أقوى من أحلامه، في بلد تعتبر الدراسة الجامعية فيه ذات تكلفة مرتفعة بالمقارنة مع باقي دول الجوار.
يحدّثنا محمد عن طفولته التي عاشها بالانتقال بين قرية "بلبيس" في محافظة الشرقية المصرية وقرية "الزعفرانة" بمحافظة المفرق، حيث يعمل والده الخميسيني كمزارع منذ 15 عاما، موضحا أن سبب الانتقال الدائم يعود إلى صعوبة الحصول على أوراق الإقامة لأفراد عائلته في الأردن، إضافة إلى التكلفة المترتبة عليها.
الانتقال الدائم سبب لمحمد صعوبات في الاندماج في البيئة المدرسية ، حيث يستذكر محمد حجم الألم النفسي الذي كان يتعرض له خلال المرحلة الأساسية؛ نتيجة لتنمر زملاءه عليه بسبب اختلاف لهجته، مما ولد لديه نفورا من المدرسة.
أحلام تتبخر
يتابع محمد أن والدته كان تشجعه على إكمال دراسته، وكلها أمل أن يكون مستقبله أفضل من مستقبل والده الذي يحصل على راتب ليس بالكبير مقابل عمله كمزارع في مزرعة صغيرة تبلغ نحو 19 دونما.
رغم إدراك والدة محمد لأهمية التعليم، وشعورها بالفخر الدائم بشقيقها حسين الذي يعمل مهندسا زراعيا في مسقط رأسها بمحافظة الشرقية المصرية، إلا انه ليس لديها القدرة على متابعة الدروس اليومية لابنها، فهي امرأة أمية لا تجيد القراءة ولا الكتابة.
محمد شعبان ليس الوحيد، فهناك نحو 72 ألف عامل لدىهم تصاريح رسمية سارية المفعول يعملون في القطاعات الزراعية والانشاءات والخدمات وفقا لتصريح الناطق باسم وزارة العمل محمد الزيود، بينما لا يتجاوز عدد الطلبة المصريين الذين يدرسون في الجامعات الأردنية 4223 طالباً، معظمهم ليسوا من أبناء العمالة المهاجرة من الجنسية المصرية، بل هم طلبة وافدون جاؤوا إلى الأردن لدراسة مختلف التخصصات وخاصة التخصصات الطبية في الجامعات الأردنية.
وبلغ عدد الطلبة من الجنسية المصريين في المدارس الأردنية نحو 16 الف طالب وطالبة ، موزعين في المدارس الحكومية 12 الف طالب وطالبة، فيما يدرس أربعة آلاف بين مدارس الأونروا ومدارس القطاع الخاص، بحسب الناطق باسم وزارة التربية والتعليم احمد مساعفة في تصريح الاردن24.
واقع اجتماعي صعب
يعتبر الواقع الاجتماعي من أهم التحديات التي تواجه أبناء العمالة المصرية في الأردن لمتابعة دراستهم.
يقول محمد إن كثيرا من أقرانه (أبناء العمالة المهاجرة من الجنسية المصرية في الأردن) لم يتابعوا دراستهم المدرسية، مضيفا أن والده يوكل مهمات كثيرة له في مجال الزراعة بشكل يومي، غير آبه، بفرصة إكمال الدراسة، لقناعته أن واقعهم الاجتماعي لا يمكنهم من الوصول إلى الدراسة الجامعية.
يبرر محمد توقفه عن الذهاب إلى المدرسة في سنة 15، بسبب بعد المدرسة الثانوية عن المزرعة التي يعمل فيها والده، فالذهاب إلى المدرسة الثانوية يحتاج لاستخدام عدة مواصلات تتطلب تكلفة مادية ومجهودا يوميا لا تستطيع أسرة المزارع الخمسيني تحملها.
ونوه محمد إلى أن الطالب المصري في المدارس الحكومية الأردنية يضطر إلى شراء الكتب المدرسية على نفقته الخاصة، بعكس الطلبة الأردنيين، ما يزيد من الأعباء المادية على أسرته.
ختم محمد أن والده يؤمن تماما بقاعدة أن المزارع سيصبح مزارعا وابن السفير سوف يصبح سفيرا، وان القدرة على تغيير الطبقة الاجتماعية مسألة صعبة للغاية.
تكلفة تعليم باهظة
تعتبر الرسوم الدراسية للجامعات الأردنية من الأعلى تكلفة في المنطقة ، اذا ما تم مقارنتها بالجامعات المصرية وغيرها من الجامعات في الدول العربية.
فارتفاع الرسوم الجامعية دفع بعض العمالة المصرية في الأردن ، إلى إرسال أبنائهم إلى مصر للإكمال دراستهم الجامعية هنالك، مما يحملهم تكاليف السفر لأبنائهم بعيدا عن أسرهم.
خالد الحسيني، طالب مصري يدرس في كلية الأعمال في إحدى الجامعات الأردنية الخاصة، يعمل والدهم كعامل دهان متنقلا بين الورش في جنوب العاصمة عمان، يقول الحسيني إن قرار دراسته لم يكن سهلا فقد وجد نفسه مجبرا على تأجيل دراسته لمدة عامين، حتى تمكن من جمع مبلغ 1500 دينار لإيفاء تكلفة دراسته ، وذلك من خلال عمله بمساعدة والده بمهنة الدهان، لافتاً الى أنه يضطر الى تأجيل الدراسة في بعض الفصول الدراسية عندما يكون غير قادر على دفع رسوم الفصل الدراسي، والتي تترواح عادة ما بين 1200 إلى 1700 دينار أردني.
وينظم الحسيني جدوله الدراسي في الجامعة، بحيث تكون المحاضرات على يومين فقط، كي يتمكن من العمل بقية أيام الأسبوع، لجمع الرسوم الجامعية، إلا أن لذلك انعكاس سلبي على تحصيله الدراسي، حيث يضطر في كثير من الأحيان التوجه إلى اختيار مواد دراسية لا تتناسب تماما مع خطته الدراسية، بالاضافة للإرهاق الذي يلحق به نتيجة العمل المتواصل والذي يمنعه من التفرغ للدراسة بشكل كاف يتيح له تحقيق تحصيل معدل مرتفع.
الحسيني حاول الحصول على منحة ضمن برنامج المنح المقدمة من السفارة المصرية في عام 2021، بعد نجاحه في الثانوية العامة (التوجيهي) بمعدل 81%، لكنه لم يوفق في ذلك، مشيراً إلى أن عدد المنح قليل مقارنة مع عدد المصريين الراغبين في الدراسة بالأردن.
وتابع الحسيني أن والده أرسل شقيقته عائشة للدراسة بجامعة الاسنكدرية في مصر، بتخصص الطب البيطري، مشدداً على أن تكلفة الدراسة في مصر أقل بكثير بالمقارنة مع الاردن، لكن شقيقته تصر على العيش في سكن الجامعة والعودة خلال الاجازة الصيفية إلى الأردن ما يحمل والده أعباء مالية كبيرة.
تمكين: الأردن ملزم بالمواثيق الدولية بتعليم أبناء العمالة المهاجرة من الجنسية المصرية
إلى ذلك قالت الحقوقية والمستشارة القانونية في جمعية تمكين أسماء عميرة إن الأردن منخرط كدولة طرف في مجموعة من الاتفاقيات التي قام بالتصديق عليها لحماية حقوق الطفل، لا سيما حقه في الحياة وحقه في التعليم والصحة ، والتسجيل واكتسابه الجنسية، ومنها العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية واتفاقية حقوق الطفل.
واستعرضت عميرة خلال حديثها لـ الاردن24 بعض المواد الواردة في العهد الدولي والتي تؤكد مسوؤلية الدول الأطراف والموقعة على العهد في توفير الحماية للطفل وضمان حقه في التعليم مهما كان عمره أو جنسه ،ومن هذه المواد المادة (24) والتي نصت على : يكون لكل ولد، دون أي تمييز بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الثروة أو النسب، حق على أسرته وعلى المجتمع وعلى الدولة في اتخاذ تدابير الحماية التي يقتضيها كونه قاصر.
إضافة الى كل من المادة (2) والمادة (3) من اتفاقية حقوق الطفل 1990 ،واللتان تؤكدان على أنه " يجب على الدول الأطراف أن تحترم حقوق الطفل الواردة في الاتفاقية، وأنه يجب على الدول الأطراف توفير جميع التدابير المناسبة لتكفل للطفل الحماية من جميع أشكال التمييز أو العقاب القائمة على أساس مركز والدي الطفل أو الأوصياء القانونيين عليه أو أعضاء الأسرة أو أنشطتهم.
ولفتت عميرة إلى أن الأردن أيضا دولة طرف في اتفاقية اليونسكو لمناهضة التمييز في التعليم، وبموجبها تكون قد وافقت الدول على "منح أي مواطنين أجانب يقيمون على أراضيها نفس إمكانيات التعليم الممنوحة لرعايا الدولة نفسها"، استنادا لنص المادة (3) من الاتفاقية.
وأوضحت أن المادة سالفة الذكر؛ رتبت التزاما واضحا على الدول الأطراف بأن تتيح "للأجانب المقيمين على أرضها، نفس فرص التعليم التي تتيحها لمواطنيها"، إلا أن الدستور الأردني نص على أن التعليم الأساسي إجباري ومجاني لجميع الأردنيين ولكنه لم يذكر غير الأردنيين.
وتتابع عميرة القول إن "القوانين الأردنية السائدة تفتقر لنصوص تحمي حقوق الطفل لاسيما أطفال المهاجرين وغير الموثقين، بما في ذلك قانون التربية والتعليم والذي نصت المادة (10أ ) منه: ”التعليم الأساسي تعليم إلزامي ومجاني في المدارس الحكومية"، موضحة أن هذه المادة جاءت عامة، أي أنها لم تنحصر بالأردنيين فقط كالدستور، مثلا، مما يعني إجازة تطبيقها على الأطفال المهاجرين وغير الموثقين بالمملكة إلا أن أطفال العمال المهاجرين "لا يحصلون على هذا الحق بسبب عدم استطاعة أهلهم تسجيل الطفل في المدرسة عند وصوله إلى سن التعليم وذلك بسبب عدم وجود وثائق رسمية بحوزة أهلهم."
موقف الدستور الأردني
من جانبه اعتبر استاذ القانون الدستوري في الجامعة الأردنية، ليث نصراوين، ان الأردن "ليس ملزما دستوريا وقانونيا بتعليم أبناء العمالة المهاجرة، بحكم الدستور إذ نصت المادة 20 على إلزامية التعليم الأساسي للأردنيين ومجاني في المدارس الحكومية"، مبينا أن المشرع "اعتبر التعليم الأساسي مقتصرا على الأردنيين".
وأوضح نصراوين، أن ما سبق لا يعني أن الدولة غير ملزمة بتوفير التعليم لغير الأردنيين، لكن قانون التربية والتعليم خصص لجميع الطلبة، ضمن معايير محددة، لكن مجانيته وألزاميته فهي حصرًا على الأردنيين.
وأشار نصرواين إلى أن النص الدستوري واضح فيما يتعلق بالتعليم المجاني والالزامية، مؤكدا أنه مقارنة بالتشريعات والدساتير الاخرى، يكون النص على تقديم الخدمات الأساسية حصرا بالمواطنين الأردنيين.
دراسة سابقة للمركز الوطني لحقوق الانسان خلصت إلى جملة من النتائج كان من أهمها أن التعليم المدرسي متاح وبدرجة موافقة متوسطة وبما يعادل نسبة (77.5%) ، وهو ما يتفق مع ما أظهره التحليل القانوني الذي قامت به الدراسة من وجود بعض الثغرات التي تحد من إلزامية ومجانية التعليم في المملكة كعدم انسجام التشريع الأردني مع المعايير الدولية فيما يتعلق بمجانية التعليم؛ إذ تضمن قانون التربية والتعليم انتهاكًا لهذا المبدأ عندما نص في المادة (41/ب) منه على جواز جمع التبرعات المدرسية، وفرض ضرائب غير مباشرة تؤدي في النهاية إلى زيادة التكاليف المالية لتعليم الطلبة، مثل ضريبة المبيعات على القرطاسية والتي تتراوح ما بين (4-16%).
الوطني لحقوق الإنسان: ضرورة تعديل الدستور
كما وخلصت إلى ان النظام التعليمي الأردني يلتزم بالقيم التي ترتكز عليها المعايير الدولية لحقوق الإنسان بدرجة موافقة قليلة وبما يعادل نسبة (73.7%)؛ ويعزى ذلك بشكل رئيس لعدم النص بشكل صريح ومباشر على ضرورة تحقيق المساواة في مجال التعليم ليشمل جميع الأشخاص في سن التعليم المدرسي، سواء أكانوا مواطنين أم أجانب، وبقطع النظر عن أوضاعهم القانونية.
واعتبرت الدراسة التي اطلعت عليها الاردن24 أن النظام التعليمي الأردني "لم ينص بشكل صريح ومباشر في التشريعات التربوية على ضرورة تحقيق المساواة في مجال التعليم ليشمل جميع الأشخاص في سن التعليم المدرسي، سواء أكانوا مواطنين أم أجانب، علاوة على أن الدستور وقانون التربية والتعليم قد اقتصرا النص على تحقيق المساواة بين الأردنيين فقط".
وقدمت الدراسة عدة توصيات في مقدمتها ضرورة تعديل أحكام الدستور الأردني ذات العلاقة، على نحو يكفل لجميع الأشخاص المقيمين على أراضي المملكة التمتع بالحق في التعليم، دون أن يقتصر على الأردنيين فقط، فضلا عن أهمية تضمين المنظومة التشريعية الأردنية نصا صريحاً يؤكد على مبدأ المساواة وحظر التمييز بحيث تشمل: الأشخاص في سن المدرسة، سواء كانوا مواطنين أم أجانب، وبصرف النظر عن أوضاعهم القانونية ، إلى جانب وجوب النص صراحة على المساواة وحظر التمييز في التعليم على أساس الجنس أو الإعاقة.
تبقى الاسئلة مستمرة، حتى نستطيع ايجاد منظومة قانونية واجتماعية تمكن محمد شعبان وغيره من أبناء العمالة المهاجرة من تحقيق أحلامهم المشروعة بالحصول على حقهم بالتعليم الجيد .