تعديل وزاري يزعزع العدالة!



رغم انخفاض حجم الرضى الشعبي على الحكومات بشكل عام وعلى هذه الحكومة ايضاً بحسب ما تظهره مراكز الدراسات، إلا أن الحكومة بذاتها لا تزال قادرة على الاستحواذ على اهتمام الرأي العام بغالبية اطيافه، وهذا ما حصل خلال الأسابيع الماضية قبيل إجراء التعديل الوزاري، وهي حكومة تقلبت وتبدلت كثيراً للحد الذي أعطى المراقبين الإنطباع بغياب الإستقرار الداخلي فيها وأنها لم تصل حتى بعد سبع تعديلات إلى حالة من التمازج والإنسجام بين أعضائها حتى على صعيد الوزارات فقد لاحظ المراقبون أن دمج الوزارات قد فشل تماماً برغم الجهد الإعلامي الذي بُذل للترويج له، والآن يُبذل نفس الجهد للترويج لتفكيك هذه الوزارات، مما خلق حالة من الحيرة بسبب هذا التخبط ولم يستطع أحد الوصول إلى الغاية من وراء هذا الدمج والفك .

ولأن التعديل الوزاري في الدولة الأردنية يدخل في باب الأحجيات ويدار في غرف مغلقة من قبل الأطراف الحاضنة للراغبين في التوزير، وبعيداً تماماً عن الرأي العام والذي يجب أن تنحصر مهمته في المراقبة وتداول الشائعات التي تبثها جهات على دراية، وفي الغالب تأتي على شكل تسريبات متناقضة للصحفيين والذين يقوموا بدورهم وبحثاً عن السبق الصحفي بنشر وتداول تلك المعلومات، وهذا ما لُمس أخيراً عندما بدأت ماكينات التسريب ببث خبر عن توزير نائبين، ودار الجدل هل هذا يجوز أو لا يجوز، وانهمك الجميع في جدل بيزنطي حول تناقض هذا التوزير مع المادة ٧٦ من الدستور المعدل في العام ٢٠٢٢ والتي تمنع توزير النواب وهم على رأس عملهم، لكن لم ينتبه أحد إلى أن هؤلاء النواب كانوا سيستقيلون من مجلس النواب وبالتالي لن يكونا برلمانيين وهم وزراء .

لكن في اللحظة الحاسمة وقبيل إعلان التعديل تدخلت جهة مرجعية لإيقافه ربما خشية إغضاب إحدى الدول العربية وتوتير العلاقات معها، أو ربما خشية أن تنفتح شهية النواب لتكرار هذه التجربة، لكن المهم ليس كل ذلك رغم أهميته فقد كان الضجيج والصخب في مكان بينما الحدث الحقيقي في مكان، فثمة قرارات خطيرة كانت تُتَخذ بعيداً عن كل هذا الضجيج وعلى نارٍ هادئةً، فما لم ينتبه إليه أحد أو يناقشه أو ربما تغاضى عنه لغاية ما، هو أن جل الأسماء التي تم توزيرها هي ذات مرجعيات حزبية وثلاثة منها يتم تداولها على أن لها حضور شبه مضمون في الانتخابات القادمة، علماً أن بعض هؤلاء الوزراء صرحوا أنهم لم يعلموا بأسمائهم إلا صبيحة التعديل مما يعطي الانطباع أن التوزيع كان على أساس حزبي وليس شخصي، لكن السؤال هل يصح ونحن على بعد أقل من عام من الإنتخابات أن تعطى الأفضلية لأحزاب بعينها أن تكون في أقرب نقطة من منطقة صنع القرار بدون أي تفويض شعبي من خلال الصناديق أو حتى من خلال استطلاع رأي موثوق .

قد يقول قائل أنه في الحكومات التالية ستكون الأحزاب المُشَكِلة للحكومة هي من سيدير الانتخابات اللاحقة، هذا صحيح لكن في حينها تكون هذه الأحزاب قد حصلت على الموافقة والتفويض الشعبي من خلال الصناديق، لذلك فإن توزير أربعة أحزاب يطرح الأسئلة بإتجاهين، الأول هل تريد المرجعيات وضع هذه الأحزاب على سلم القيادة المستقبلية وتمهيداً لذلك قامت بهذه الخطوة ؟ أو أن الرئيس يجهز أوراقه للمستقبل ويطرح نفسة كرئيس حكومة مستقبلي لذلك هو يجهز تحالفه الحزبي منذ الآن ؟ في كلا الحالتين إن صدق الحدس فيهما فإن ذلك يعتبر مساً وزعزعة للمسافة المتساوية التي يجب أن تقفها الدولة من الأحزاب كافة حفاضاً على نزاهتها وتعزيز ثقة المجتمع بها، لكن الدلائل تشير إلى أن العدالة المطلوبة تمت زعزعتها وبأكثر من اتجاه.